بقلم: اسماء أبو بكر
عندما نتحدّث عن الشباب وتوجهات عقولهم،فنحن نتحدّث عن أحلام، وأمال، وطموحات وأهداف؛ بإعتبارهم أكثر الفئات المهتمة بالتغيير، فهم القادرون على الصراع، والتحدي،ومواجهة كل الصعوبات؛ من أجل إعادة التوازن في مجتمعنا العربي، فلا بد أن ندرك جميعًا أنّ شباب الوطن العربي هم الدعامة الأساسية للرُقي، والتقدم والحضارة، وهم ثروة الحاضر التي تُستثمر لأجل مستقبل أفضل، وهم ركائز أى أمّة متقدمة، فإذا كان لأمّتنا العربية ثروة حقيقة، فهي ثروتها البشرية الهائلة من الشباب؛ فهم العمود الفقري للتنمية المستدامة، وأعظم ثرواتنا غير الناضبة والمتجددة، وهم الطبيعة الإنسانية التى تتحرك؛ من أجل أن تكون قاعدة الريادة، والقيادة، والإنتاج في المستقبل؛ باستفادتها من تجاربها الماضيه، ﻭمن ضعف ﺇمكانيات الجيل ﺍلسابق، كما أنّهم ﺍلأساس الذي يبنى ﻋﻠﻴﻪ التقدم من تابعين ﻟﻶﻻﺕ الصناعية ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺎل مبدعين، ومنتجين قادرين على إيجاد حلولًا ﻟﻤﺸﻜﻼت مجتمعهم ﺍﻟﺘﻲ تواجههم على مر العصور ، ﻭﻗﺎﺩﺭين على تطوير التنمية والتحديث، وهم أصحاب المصلحة الأولى في أن يكون مسلحًا بالعلم، والثقافة، والمعرفة؛ فمن الحقائق المعروفة دائمًا أنّ كمال الثورات التكنولوجية تكمن في تحول الشباب العاملة من مجرد عمال تابعين إلى مصدر التغير الاجتماعي والثقافي في المجتمع، بكل ما يتمتعون به من قدرة على الإبداع، والابتكار، والإنتاج والمهارة، ﻓﺎﻟﺸﺒﺎﺏ ﺩﺍئمًا يتطلع باستمرار إلى تَبني كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا والمعرفة، ﻭلديهم الوعي الكافي، وﺍﻟﺭغبة الأكيدة في التغيير، مما يجعلهم ﺃﻫم سبل النجاح في المستقبل.
ﻭمن هنا ندرك أنّه من الضرورى الاهتمام بشبابنا، وتعليمهم، وتأهيلهم، وتمكينهم في مجالاتهم، واستثمار طاقاتهم فيما يعود بالنفع علينا؛ لأنّهم الأكثر قدرة ﻭﺇصرارًا على العمل، ﻭﺍلتغيير، والتجديد، ونشر الثقافة؛ لكي نحقق لانطلاقة نصبوا بها جميعًا، لذلك فإن دور الشباب هو الدور الأنسب ﻓﻲ ﻋﺎلم حديث يفرض تغيراته ﻋﻠﻰ مختلف المجتمعات والثقافات؛ للاستفادة من إبداعته، وطبيعة استعداده بما يمكنه من مواكبة المستجداﺕ، والتّكيف الإيجابي معها؛ لأنّ جهود المجتمع العربي لن تثمر اطلاقًا، إذا فقدت روح التجديد والإبداع، وقد شهد المجتمع العربي في الفترة الأخيرة عدّة تغيرات اجتماعية واسعة النطاق، والمهتمون بمثل هذه المسائل يحاولون تتبع هذه التغيرات بالتحليل والتفسير؛ من أجل توجيه هذه التغيرات إلى وجهة الصواب؛ لكي تُسهم في تحقيق مزيدًا من التقدم والنماء.
ومن هنا يأتي دور المعرفة؛ فهى تُعتبر ثمرة التقابل والإتصال ﺍﻟﺘﻲ ترتكز عليها مهمة التنمية الإنسانية؛ لأنّها وسيلة لتوسيع خبرات البشرية، وتنمية قدراتهم والارتقاء بهم، وهي الطريق الآمن لبناء المجمعات المتقدمة، وإحدى أهم الركائز الأساسية لبناء المستقبل، فالمعرفة تُعتبر أهم عامل في الإنتاج، فإنّها تفوق رأس المال والجهد المبذول في العمل، فالذي يحدد قيمة العمل المتميز هو الإبتكار، والفكر الكامن وراء إبداع هذا العمل، فنرى أنّها تمتاز بقدرتها الفائقة على الانتقال والانتشار عبر العالم، فمجتمعنا العربي اليوم يقاس بالقدرة على إنتاج المعرفة، وتحديثها وتراكمها وتحولها إلى محور التنافس والتحدى بين الدول والمجتمعات المتقدمة، والتي تتسابق فيما بينها على اكتساب القوة، والهيبة، والتفوق الحضاري خاصة بعد أن تحول الاقتصاد الحديث إلى ما يعرف بالاقتصاد المعرفي، فهي تعمل على تشكيل العصب الأساسي فيه، وأيضًا تُساهم في تحديد هويته، وصورته وفلسفته، ونحن الآن في أشد الحاجة إلى مجتمع العلماء، وأهل الخبرة والمعرفة، ولا مكان في مجتمعنا هذا للأمية، والجهل والتخلف.
واليوم ترتكز الرؤية المستقبلية نحو الشباب، ومستقبل المجتمع المعرفي، فهو مرهون بتأهيل ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭإعادة بناؤه اجتماعيًا وثقافيًا على أسس متينة تُبنى على التكلف والتفاعل مع المستجدات العالمية، والتي تتطلب منا التعامل مع الشباب؛ باعتبارهم اليد الفاعلة على أعادة التأهيل والتشكيل، فلا قيمة لأى مجتمع في العالم أهمل قوة مستقبله، ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ الإهتمام بهم، وتسليحهم بالعلم خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، وتهيئة كل الظروف المواتية؛ للمشاركة في بناء مجتمع عربي معاصر، وإذا كنا نهتم بالفعل بالمجتمع العربي كنواة؛ لتقدم أى أمة، فلابد أن نُزيح ستار الجهل، والتسلح بالمعرفة؛ من أجل تخطي التحديات الراهنة التي نواجهها.
وكذلك لابد من تعزيز الدور التربوي للأسرة العربية من خلال انتهاج سياسة الحوار التي تستوعب المتغيرات الجديدة، وجاءت بها التكنولوجيا المعلوماتية؛ من أجل تلبية احتياجات الجيل القادم، والمحافظة على مختلف الثقافات، والإهتمام بالمعرفة العلمية وتنميتها، والمعرفة التطبيقية؛ لحل مشكلات المجتمع الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية والفكرية كافة، ويجب علينا الإهتمام بالتنمية المستدامة من حيث وضع استراتيجية لها تعتمد ﻋﻠﻰ معرفة حقيقية تخدم التوجهات المستقبلية للشباب ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ ﻋﻠﻤﻲ؛ وعملي منظم، ومن الضروري متابعة مشروع التنمية المستدامة بكل طاقة، وكذلك الوقوف على الصعوبات، وتدارك الأخطاء؛ من أجل تحقيق التقدم ﻓﻲ الوطن العربي، ولابد من تحويل المعرفة إلى وسيلة للتبادل التجاري، من خلال ربطها بسوق العمل، وجعلها أداة السياسة في إنتاح المعرفة بوصفها وسيلة توفر الدخل للفرد والمنتج، وأيضًا الربط الوثيق بين الواقع والمعرفة، والسعي إلى توفير الاسعار الواقعية التي تجعل من المنتج المعرفي صلب ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻼﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ، ومن ثمّ تطوير النظام التعليمي في الوطن العربي، بما يتوافق مع مجتمع اﻟﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ؛ من أجل إتاحة الفرصة للشباب في التوجه للبحث العلمي، والإنتاج المعرفي إلى أسطورة الخدمات، والتقنيات الحديثة، وعلينا أن نستخرج ذلك المخزون الحضاري والمعرفي، ونُنفض عنه غبار الأنانية، ونعيد إليه بريقه الذي سيشعل أنوار العلوم، والثقافة والتحضر في مجتمعنا العربي.
لقد كنا مجتمعًا حضاريًا، وثقافيًا عظيمًا، ويمكن أن نستعيد دورنا بتلك الروح الخلاقة في ظل مجتمع عربي متعاضد، ومتماسك، ومتكامل، وعندما يرى الوطن العربي ضوءً ينبعث من ثقافتنا ووعينا؛ فإنّ عزيمته ستكون أقوى لاستكمال المشوار، والمُضي فى طريق البناء، والمعرفة؛ ولذلك فإنّ بناء مجتمع معرفي يتمحور حول صناعة الثقافة، وتحويل المنطقة العربية إلى منطقة منتجة مستخدمة، ومصدر للتقنيات الحديثة؛ حتى نستطيع أن نُكمل عملنا بصورة أفضل مهما كانت المصاعب والتحديات التي نمر بها، لابدَّ من وجود دعم، وتشجيع، وحافز داخلي نابعًا من أنفُسِِنا يقوينا مهما سقطنا، ويُحفِزُنا مهما كانت الظروف والتحديات، فمسيرة التغيير صعبة، وقد حان الوقت لرفع شعار المعرفة، والعمل لمستقبل أفضل؛ ولذلك فالحديث عن التنمية والشباب، يعني الحديث عن المستقبل، والتحديات الراهنة التي نواجهها، والصعوبات التي تُحوطنا من جميع الجهات، والمعوقات الكثيرة التي تعترض سبيلنا؛ لذلك علينا الأهتمام بالشباب، وتوجيههم نحو الطريق الصحيح والاستفادة من هذه القدرات، والطاقات، فمجتمعنا العربي اليوم بحاجه إلى جهود العاقلين والمخلصين من شبابنا؛ لأنّ الشباب وحدهم هم القادرون على مواجهة التحديات الراهنة في بناء مجتمع المعرفة.