قصة بقلم: اسامة كامل أبو شقرا
(من روايات الآباء)
يروى أن تاجرًا أحسَّ يومًا بقرب أجله فاستدعى ابنه الوحيد وقال له:
يا بني لكلِّ إنسانٍ أجلٌ محتومٌ، وإني أشعرُ أنْ قد قربت ساعتي، فإذا أردت أن تكون ناجحًا في عيشك من بعدي، فإنّي أوصيك في عملك بثلاث:
-لا تدعِ الشمس تراك.
-اجعلْ لك بيتًا في كل بلدٍ لك فيه عمل.
-الأمانة أهم أسس التجارة السليمة.
لم تمضِ أيامٌ حتى تُوفيَ الوالد وانتقلت ثروته إلى ابنه. ومع الأيام راحت الثروة تتناقص وشعر الابن بأنه سيقارب الإفلاس. وقد كان ابنًا برًّا لا يخالف لأبيه أمرًا. ولحرصه على عدم مخالفة وصيته، لجأ إلى أحدِ أصدقاءِ والده شاكيًا حاله من جرائها، وكان يعلم جيدًا عمق علاقة هذا الصديق ومعرفته بوالده.
فسأله الصديق أن يشرح له كيف يُطبِّق الوصية.
فقال الابن: لا أذهب إلى العمل إلا بعد غياب الشمس لأعود قبل شروقها، وقد ابتعت لي بيتًا في كل بلدٍ أزوره ولي فيه عملٌ، أما الأمانة فإني حريصٌ عليها بكلِّ أشكالها.
فقال له الصديق: يا بني، أنت ولدٌ بارٌ، وأبوك كان حكيمًا في وصيته، ولكن يبدو أن هناك خطأً ما في فهمك لها، فعندما قال لك والدك: «لا تدعِ الشمس تراك»، كان يريدك أن تذهب إلى عملك قبل شروق الشمس وألا تبرحه إلاّ بعد غروبها. ومن قوله: «اجعل لك بيتًا في كل بلدٍ تزُرْه»، لم يكن يريدك أن تشتريَ منزلًا فيه، بل أن يكون لك فيه صديقٌ يستقبلك في بيته كما لو كنت في بيتك. أما حفظك الأمانة، أهم صفات التاجر الأساسية، فلا شكَّ في أنك ورثته عن أبيك، رحمه الله وحماك. فشكر الابن لصديق والده تفسيره ما قصد الأب في وصيته، وانصرف راضيًا.
بعدها بدّل نهجه في العمل حسب مفهومه الجديد للوصية. فلم يطل عليه الزمن حتى استعاد ما كان خسره سابقًا، ونجح بعدها في أعماله نجاحًا جعله يفوق مكانة أبيه ويصبح من كبار التجار.
فأيقن أن أول شروطِ النجاح في العمل هو فهمُ أُسُسِه جيدًا، وأن لا عيب في استشارة من كان به خبيرًا.