بقلم: كلودين كرمة
أحقا فقدت الكلمات معناها .. احقا لم تعد للحروف قيمة ؛ هل فقدت الضحكات صداها وعجزت الدموع عن التعبير ؛ وهل أضاعت المشاعر تأثيرها والنظرات تاهت عن مسارها ؛ أمن المعقول ان تكون حتى النفس قد تاهت عن اعماقها ؛ بالحقيقة أصبح للإنسان أوجه عديدة ومشاعر متضاربة وضحكات تخفى ورائها حسرة و أحزان ودموع تجامل حنى نفوز بالاستحسان ، و عناق تغيب عنه المودة والإحترام وكذلك نظرات مبهمة تحتاج إلى ترجمان، وماذا أقول عن معسول الكلمات و كل حرف فيها مكر وخداع . وهذا نسميه بالمجاملات حتى نلبسه ردأ وردى ، وما هو إلا درب من دروب الإحتيال.
نفسي تتألم وتعبت من البحث فى النوايا وهى كالبئر العميق مخيف ومبهم ولا قاع له نصل إليه وتثبت الأقدام فنغرق فى عمق الأحزان ونزداد حيرة وتكثر الآلام ؛ نريد مخرجا وملاذا ونبغى الاطمئنان نريد شطا نرسي عليه ونستريح من تخبط الإمواج.. فيالها من حيرة تسرق منا الإحساس بالثقة والأمان وتتسرب المرارة إلى نفوسنا فتغرقها ومن ينتشلها من الضياع؟ من يدلنى ويرشدنى الى الصواب .. هل على الإحساس أعتمد أم على التحليل والبرهان.. لم أعد أميز بين الصدق والنفاق ، او بين الصديق الصدوق وصديق يقر له زعم كذوب ، وأحتار فى المعانى والدلائل والنظرات والهمسات والابتسامات، فهى تحاوطنى عن قرب وشرفت على الاختناق من الأحلام والمواعيد المخذولة والانهزام من أناس ظننتهم سندى فى يوم من الأيام.
و لكن الإنسان القوى لا يستسلم للأحزان ، ولا يعتاد عقله الشرود والاضطراب ، ولا تستكين نفسه وتحمل على رياح الضياع ؛ كلا فإنه صعب الانقياد ذو مبدأ وفكر ، لديه تصميم ورؤية يتميز بالصلابة وثبات الوجدان وفؤاده على اليقين والشرف قد تأصل والحق فيه استبان..فينهض بقوة ويرفض الهوان واثق فى قدارته ورجاحة عقلة على الاستبيان ، يمضى قدما فى طريق وقد حفر فيه لوضع الأساس، على أرض صلبة يزينها العلم والإطلاع و يحميها الصبر والتمحيص وحسن الإختيار فلا يتخطاها إنسان إلا بشروط واستئذان ؛ فالنفس غالية ومترفعه لا يدنو منها إلا من يقدرها ويصدق فى تعامله فلا مجال للنفاق ؛ فهذه هى شروط الاقتراب وإلا سوف يتعرض للهجران. فالدفاع عن النفس شرف يحتاج إلى شجاعة وبأس ، والاعتزاز بها واجب حتمى حتى يعيش المرء سيد دون استعباد ، فى مجتمع يختاره هو ولا يفرض عليه الخضوع لكائن من كان.
فهنيئا لقلب وجد الإخلاص وعثر على السلام و اقتنى الحب وسعد بوجود الأصدقاء ، يلتف حوله المحبون الأمناء يقدرونه ويقفون فى صفه ويدعمونه رغم إختلاف الطبائع وعدم تتطابق الصفات والتباين فى الأراء والإختلاف فى وجهات النظر ؛ فهذا الحب المجرد من اي غاية هو الحب المطلق غير المشروط الذى يدعم النجاح ، ويقوى وقت الضعف، ويرفع عند السقوط ؛ فليس التطابق من شروط الصداقة أو التوافق المتناهى أحد دعائم العلاقات الناجحة؛ بل بالعكس فإن الإختلاف مفيد ، ولكن دون خلاف يقلب الأمور رأسا على عقب ، فيفرق الأحباب ويبعد أقرب الأقربين – فإن الإختلاف فى الرأى لا يجب أن يفسد للود قضية – فإن الإرتباط بالطبيعة – مثلا – يجعل الإنسان يهتم بها ويحافظ عليها و هذا دون أن يلقنه أحد بأهمية العناية بها فهذا أمر طبيعى أزرع فأنتظر الثمر ، وهذا يتطلب الكثير من الرعاية والتعب والعمل ؛ وكذلك من يهتم لأمر شخص ما فلا يجب أن يسمح للصعوبات ولا للمشاكل أن تفرق بينهم بل يجب أن يعمل بجد بل أن يواجه بكل ما أوتى من قوة أى رياح تعصف بهذه العلاقة اذ كان يهتم بمن يُحبه ؛ فهذا أيضا بديهى ولا يحتاج لإرشاد بل يحتاج لصدق ووعى وطول أناة والكثير من الحب . وعلى قدر بساطة الحل تكون صعوبة التنفيذ ؛ لأنه يحتاج لتضحيات وتنازلات ولكن ليس للكل أن يقبل بهذا دائما انما فقط “منّ يهمه الأمر.”