بقلم: سوسن شمعون
بعد أن تخرجا معاً من الكلية كانا ينويان إخبار أهلهما بما يجمع بينهما من حب , لكن التردد طغى على تصرفاتهما و رغم الاجتماعات الكثيرة التي كانت بينهما لكن لم يستطع أي منهما أن يبوح للآخر بما يخطط له أهله , أرادت هي أن يتعجل الشاب في التقدم لخطبتها لكنه يرى جانبه ضعيفاً فهو لا يملك شيئاً , و أضمر في نفسه فكرة السفر ليستطيع تكوين ذاته رغم أن الوقت سيطول لأجل ذلك لكن لا مفر , انتابها الكثير من الألم حينما أفصح لها عن أسباب هجرته و موعدها , وعادت إلى مخيلتها أيام الدراسة الجميلة التي جمعتهما في تلك الكلية , كانا دائماً يحبان السير تحت المطر و تبادل الأحاديث , عندما تخرجا حاولت أن تقطع عليه وعداً أن لا يفترقا مهما حدث , لكنه خاف من خفايا القدر قائلاً لها : إن لم أستطع أن أرتبط بك لا تنتظريني , اذهبي و عيشي حياتك كما يجب . ردت عليه بحدة: ألا يمكنك أن تدافع عن حلمك و حبك و أن لا تهرب , كيف تقول لي هذا الآن ؟ لقد كنا منسجمين بنظر الجميع و كنا على توافق تام. ماذا بك لماذا جبُنت أمام أول مطب ؟ قال لها: أنا لم أجبن لكن ليس لدي ما أملكه لأقدمه لكِ, أنتِ تبحثين عن الاستقرار و أنا أبحث عن عمل أبني به نفسي و أضمن هذا الاستقرار بعيداً عن أحداث الحرب في البلد. أثار كلامه فيها الكثير من الحيرة و الألم و فاضت عيناها بالدموع , هو مخلص لها بمشاعره لكنه محق في مخاوفه . إذ أن الحب وحده لا يُبقي الإنسان حياً. تنهدت و سألته: متى ستعود ؟ أجابها و الحزن يلون صوته : لا أدري متى لكني حتماً سأبقى أراسلك و أطمئن عليكِ, سأخبرك بكل التفاصيل التي تحدث معي و أنتِ افعلي الشيء ذاته . و ابتعد تحت وابل المطر المنهمر يسأل نفسه هل سيلتقي بها ثانيةً ؟ مرت أيام و ساءت أحوال البلاد و العباد و اضطرت الفتاة للرحيل مع أهلها لبلدٍ آخر , أنهكتها تلك الرحلة المفزعة و شاهدت معنى الموت حين عبرت البحر مع ذويها و راعها أن يصبحوا مشردين منهكين و غريبين في أرضٍ غريبة و تساءلت في نفسها هل مرّ صديقها بما تمر به بغربتها ؟ أخبرها بآخر رسالة أنه يفتقد كل شيء بموطنه , يفتقد حتى الأشياء التي كانت تزعجه و أنه يقاسي الأمرين في تلك البلاد البعيدة , و تخبره أنها كلما ضاقت الدنيا بها تتذكر أيام الجامعة مع رفيق القلب وبالمشي تحت المطر فيما مضى , هو الآخر لم يكن أوفر حظاً منها , حين ترك أهله و غادر لبلدٍ أجنبي يعيش على هامش الحياة فيه و ينتقل من عملٍ لآخر , يواجه الكثير من التعب و الشقاء والإذلال , و يبحث في الليل عن أطياف ماضيه الجميل و شقاوته مع رفاقه و عن حبه الأول و رائحة المطر , وفي إحدى تلك الليالي المليئة بأنين الذكريات استلقى متعباً و بدأ يسرد تفاصيل الحنين حين وصلته رسالة من فتاته و التي تخبره فيها أنها هي و أهلها وصلوا لدولة بعيدة يعيشون على الحدود بإحدى المخيمات , أخبرته أن الجو ماطر و أنها الآن تتمشى في ذلك المخيم تحت المطر مسترجعةً أيام فرحها معه , أجابها بكل ابتهاج : و هنا في هذه المدينة أيضاً الجو ماطر , و خرج فوراً و قال لها : البلدان فرقتنا و الحرب أبعدتنا لكن الآن المطر يجمعنا , سأخبر المطر عن حنيني إليك و إلى الوطن و سيأتيكِ الخبر مع حبات المطر التي لا تبالي بالحدود و الحروب , ولا بالسياسة , أجابته: و أنا سأخبر المطر عن أمل اللقاء بك في أرض الوطن , يوم تنتهي هذه المآسي , سأخبره بحبي لك و انتظاري للعودة للديار , سأخبر المطر عن كل شيء عن الألم و الأمل عن بواعث الروح و عن الحلم المرتقب و عن لهفتنا ليوم اللقاء . قال لها : لكن الطريق مازال طويلاً والحلم بعيد المنال .. أجابته: سننتظر و سنكابر على أوجاعنا لعل الطريق ينتهي و يتحقق الحلم ونلتقي على أرض الوطن … يوماً ما.