بقلم: هيثم السباعي
إذا استعرضنا المناطق الساخنة في الشرق الأوسط هذه الأيام لرأينا العجب العجاب. الجبهات المشتعله في المنطقة تمتد من العراق إلى اليمن مرورا بسوريا ومصر وليبيا. السعوديه تقصف اليمن بهدف تحجيم الحوثيين الشيعة الذين يعملون لصالح إيران التي بدأت بتسليحهم عام 2009. كما أنها تقصف أيضاً بالإشتراك مع الإمارات العربيه المتحدة والأردن والبحرين مواقع «داعش» في سوريا والعراق. الحكومتان السوريه والعراقية تقصفان أعداءهما من السنه في سوريا والعراق. طائرات أمريكا وفرنسا وبريطانيا والدانمارك وهولاندا وأوستراليا وكندا تقصف أيضاً مواقع «داعش» في سوريا والعراق جزئياً لصالح الحكومة العراقيه ولكن حتماً ليس لصالح الحكومة السورية. المصريون يقصفون أجزاءً من ليبيا بسبب قطع رؤوس مجموعة من المسيحيين المصريين من قبل مايسمى أيضاً «دولة الإسلام»، كما أنهم يحاولون القضاء على الإسلاميين المتطرفين الذين يهاجمون ويقتلون جنوداً وأفراداً من القوات المسلحة ورجال الأمن المتمركزين في سيناء.
اعترف الإيرانيون بأنهم قصفوا «داعش» في العراق بموافقة الحكومه العراقية وامتعاض الحكومه الأمريكية. قام الإسرائليون بعدة غارات جوية ضد القوات السورية فقط ولم تقترب من مواقع «داعش». من الغريب أن كل هؤلاء المحاربون الجويون لم يصطدموا في الجو بعضهم ببعض رغم طلعاتهم اليوميه العديدة للإغارة على أهدافهم.
من الواضح لكل مقيم في الشرق الأوسط أن هذه الحروب العبثيه ذات طبيعة دينيه – طائفيه ولو أن المتحاربين أصدقاء مقربون من الولايات المتحدة. فالسعوديون السنه يقصفون جواً ، كما أسلفت، اليمنيين الشيعة والشيعة الإيرانيون يغيرون جواً على العراقيين السنه. المصريون السنه يقصفون جواً الليبيين السنه وكذلك الأردنيون السنه يقصفون العراقيين السنه. الشيعة السوريون الذين يدعمون القوات السورية يقتلون أبناء بلدهم من السنه وميليشيا حزب الله الشيعيه اللبنانيه مع الحرس الثوري الإيراني الشيعي بالإضافه إلى عدد كبير من الأفغان الشيعه الذين يرتدون البزات العسكرية السورية يقتلون أعداء الرئيس بشار الأسد من السنه.
في الحقيقة أن الرابحين الفعليّون من كل هذه الدماء هم صانعي الأسلحة. فشركتي «ريثيون ولوكهيد مارتن الأمريكيتين» باعتا السعوديه في العام الماضي صواريخ فقط بقيمة 1.3 مليار دولار. وقبل ثلاث سنوات نشرت صحيفة «دير شپيغل» الألمانيه أن الإتحاد الأوربي كان المصدر الرئيسي للأسلحة السعوديه. وقد أعلنت فرنسا، أواخر الشهر الماضي أنها باعت 24 طائرة مقاتله نفاثة، طراز «راڤال» لدولة قطر بكلفة 5.7 مليار دولار. كما أن مصر ابتاعت 24 طائرة من نفس الطراز. المؤسف أن الجنرال «پيير دو ڤيلييه» رئيس الأركان الفرنسي عندما عاد من زيارة لبغداد ولكردستان العراق الشهر الماضي، وصف الوضع هناك بالمتفكك أوالمهترئ. من المؤكد أن هذا الوصف لاينطبق على العراق وحده، بل على الشرق الأوسط بأكمله.
يُجمع المحللون والمهتمون بشؤون الشرق الأوسط بأن هناك سباق تسلح سريع، سيؤدي في حال استمراره إلى مزيد من عدم الإستقرار في المنطقه. فقد نقلت صحيفة «الغاريان» اللندنيه عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي أن مشتريات الأسلحه خلال عام 2015 ستبلغ أرقاماً غير مسبوقة تصل إلى 18 مليار دولار. يضيف التقرير أن مبيعات الدول الغربيه من السلاح لدول المنطقة على رأسها العربية السعوديه ومصر والإمارات العربيه المتحده والجزائر قد ازدادت بشكل لافت. تتضمن الصفقات، طائرات مقاتله وصواريخ وعربات مدرعة، في الوقت الذي يدعي فيه الغرب أنه يعمل على تشجيع السلام والإستقرار في المنطقة، أما الحقيقة فإنه يقوم بتزويد اللاعبين الرئيسيين بالمنطقة بآلات الحرب.
تُوالي دول مثل الولايات المتحده وفرنسا وكندا والمملكة المتحدة تصدير الأسلحة بسبب مصالحها الخارجيه بحجة دعم العربيه السعوديه بحملتها في اليمن ودعم التحالف ضد «دولة الإسلام في العراق والشام ‹داعش›» إضافة إلى مصالح إقتصادية داخلية. بنفسالوقت تُزَوِّدُ كل من روسيا والصين وكوريا الشماليه حلفاءها، في المنطقة مثل سوريا وإيران وغيرها بالسلاح، رغم أن المحللين يحذرون من عواقب غير متوقعة جراء تدفق السلاح بهذه الكميات الهائلة.
كالعاده، أكبر المستفيدين من مبيعات السلاح هذه هي، كما أسلفت، الولايات المتحده الأمريكيه ( أهمها شركات بوينغ وريثيون ولوكهيد مارتن). إزدادت مبيعاتها من 6 مليارات دولار عام 2013 إلى 8.4 مليار دولار عام 2014، صُدِّرَتْ إلى العربيه السعوديه والإمارات العربيه المتحده، أي أكثر من نفقات أوروپا الغربيه الدفاعية مجتمعة!!!! إرتفعت بذلك تجارة المعدات العسكريه على مستوى العالم لمدة ستة سنوات متتالية من 56 مليار دولار عام 2008 إلى 64.4 مليار دولار عام 2014، أي بزيادة 8.4 مليار دولار (مايعادل 15٪).
من المهم جدا الإشاره إلى أن كل الأسلحه التي تستوردها دول المنطقة يجب ان تكون دفاعيه لاهجوميه تضمن دائما تفوق اسرئيل على القوات العربيه مجتمعة، حسب قرار الكونغرس الأمريكي لعام 2008. العجيب أن روسيا وقبلها الإتحاد السوڤييتي لاتبيع دول المنطقه سوى أسلحه دفاعية وكأن هناك إتفاق مسبق مع الدول الغربيه، غير مكتوب وربما سريا بهذا الخصوص.
كما نعلم أن قادة الدول الخليجيه ستجتمع مع الرئيس أوباما هذا الشهر في قمة كامب دافيد لبحث الملفين السوري والإيراني. من المتوقع أن يطلب الخليجيون شراء اسلحة متطوره مثل المقاتلات النفاثه ف – 35 المتطوره جداً وصواريخ تعادل أو أكثر تطوراً من صواريخ أرض – جو الروسيه س – 300 التي باعتها روسيا حديثاً لإيران والتي تستطيع إسقاط الطائرات الخليجية الحالية.
يمكننا الآن بعد هذا الإستعراض المختصر لأوضاع الشرق الأوسط أن نصل إلى الملاحظات والإستنتاجات التاليه:
1. كل من يعتقد أن الدول الغربيه ومعها روسيا والصين وكوريا الشمالية ستعمل على إقرار السلام والإستقرار في المنطقه، على الأقل في المدى القريب، مخطئ بكل ماتحمل الكلمه من معنى
2. تشكل المنطقه، بالنسبة للدول المذكوره أعلاه منجما من ذهب. بكل بساطه، معظم واردات النفط الهائله تصرف على التسلح. الأرقام الوارده أعلاه تثبت ذلك.
3. بالإضافه إلى الأموال التي تتدفق سنويا إلى الغرب هناك اليوم مايخيفه أكثر من أي وقت مضى تداعيات مايحدث في المنطقة، وهو نقل الإسلاميون المتطرفون جهادهم إلى عقر داره، «شارلي إيبدو» مثالاً. أبرزَ هذا التخوف الصحفي المعروف «پاتريك كوكبيرن» بمقالتين في صحيفة «الإندبندت»، الشهر الماضي، مذكراً بالحروب السبعة التي خاضها الغرب في البلاد الإسلاميه من پاكستان إلى شمال شرق نيجريا.
4. تخوف آخر يسيطر على الغرب أيضا وهو إزدياد الهجرات غير الشرعيه التي تجبر الآسيويون والإفريقيون على البحث عن ظروف معيشية أفضل أو هربا من مناطق القتال. وقد قرأنا وسمعنا عن أمثال هؤلاء الذين قضوا غرقا بالآلاف في العامين الماضي والحالي.
5. الحروب الدائره حالياً في المنطقه ظاهرها ديني، سني – شيعي وحقيقتها صراع سياسي بين طهران والرياض، لاتخرج عن كونها تنافس على الأمن والنفوذ والسيطره على المنطقه. كالعادة الشعوب وحدها تدفع الثمن، غالياً هذه المره وكلاهما يصف أعداءه بالإرهابيين.
6. للعلم، تبلغ ميزانية إيران الدفاعية للعام الحالي 30 مليار دولار مقارنة ب 600 مليار دولار للميزانية الأمريكيه.
7. إسرائيل الرابح الوحيد من هذه الفوضى العارمة، لأنها لم تنعم بمثل هذا الأمن والأمان والإستقرار منذ تأسيسها حتى اليوم. وبذلك تزدهر فيها العلوم والبحوث في الوقت الذي يغرق فيه العالمين الإسلامي عامة والعربي خاصة في دياجير الظلام. وللأسف الشديد لاتوجد أي بوادر إنفراج، لاعلى المدى القريب ولاعلى المدى البعيد.