بقلم: شريف رفعت
سودوكو، هذه اللعبة الجميلة التي أدمنتها، سودوكو لعبة الأرقام و المربعات هي الحياة كما يجب أن تكون، متدرجة في صعوبتها لكن درجة الصعوبة معروفة، تحتاج لذكاء و ليس لحظ، أتنافس فيها مع نفسي تبعا لقدراتي و ليس مع غيري، لا يوجد آخر يجب أن يخسر حتى أفوز أنا.
ألغاز السودوكو يمكن لعبها إلكترونيا على الكمبيوتر، لكني أفضل الطريقة التقليدية، إما على صفحات الصحف و الجرائد أو في الكتب المخصصة لها، أحيانا أحل ثلاثة أو أربعة ألغاز من الكتاب في نفس الجلسة، نادرا ما أخسر بأن أعجز عن حل أحد الألغاز أو أضع الرقم الخطأ في أحد المربعات، في الغالب عندما يخطأ المرء في حل اللغز من الصعب تدارك الخطأ بالضبط كما يحدث في الحياة، أحاول دائما تسجيل الوقت الذي أستغرقه في حل كل لغز و تحسين هذا الوقت إمعانا في تحدي قدراتي.
جلست أحل أحد الألغاز المصنفة “صعب جدا”، و أنا مستغرق تماما مع اللغز رن جرس الهاتف، لم أرد، تكرر الرنين بإصرار سخيف، قمت ضجرا للرد، جاء صوت أحد أصدقائي القدماء من الطرف الآخر، بعد السؤال التقليدي الروتيني عن أحوالي أخبرني باقتضاب “البقاء لله، جميلة ماتت أمس”، صـَمـِتُ للحظة كي أستوعب الخبر، إذا جميلة ماتت أمس، قلت له “ربنا يرحمها” ثم أغلقت الهاتف و عدت للغز السودوكو، أمضيت حوالي عشرين دقيقة أعصر فيها فكري حتى أتممت حل اللغز الصعب بنجاح.
ها أنا متفرغ الآن لأفكاري، تساءلت “كيف أمكنني تأجيل انفعالي و تأثري بالخبر؟ أهو أمر عادي أن يركن الانسان أحزانه المفاجأة حتى يتاح له الوقت المناسب للتفاعل مع الفاجعة؟”، ذكراها بدت مشوشة في البداية، كما لو كنت أغوص في أعماق بحر طامي و أجوس في ظلمات الذاكرة كي أستعيد تفاصيل علاقتي بها و مشاعري نحوها، ياه يا زمن، أأنت بهذه القدرة؟ قادر أنت أن تنسيني من كانت في الماضي حياتي، ما الذي شغلني عن ذكراها كل هذه السنين؟
أنهيت يومي و أويت لفراشي و ذكراها قد استحوذت تماما على تفكيري، من يومها و أنا لم أنجح في حل أي لغز من ألغاز السودوكو.