بقلم: كلودين كرمة
كان فى الزمن الماضى اذ عبر احد امام محل لبيع الزهور لا يستطيع ان يمضى فى طريقه إلا بعد ان يلقى التحية عليه ولو بنظرة سريعة وكأنه يريد ان يستمد منه القدر الكافى من التفاؤل والسعادة الذى يمكنه من استكمال طريقه وهو مفعم بالحيوية والنشاط والأمل متأثرا بألوانه البديعة وإشكاله الرقيقة وعطره الذي يأخذ الانسان – رغما عنه – بعيدا فى عالم الخيال ولو للحظة ، فتتجدد طاقته ويشعر بالسعادة التي ترتسم على وجهه ظاهرة فى ابتسامه حالمة وتنهدات وكأنه يأخذ ما للورد من جمال و يبعد عن نفسه الهموم والآلام.
فلذلك يلازم الورد ذو المشاعر الطيبة ولا تخلو مناسبة مفرحة إلا وقد زينتها الورود والإزهار بإشكالها المبدعة وألوانها الجذابة ورائحتها العطرة..وكذلك من يقدم اى هدية فلا بد من تقديم صحبة الورد معها -مهما ارتفعت قيمتها – لأنه تعبير عن صدق المشاعر وصفاء النية واتزان التفكير ورقى الاحساس ،فهو يعبر عما بداخل النفس البشرية بإيجاز وصمت فهو لا يحتاج الى الكلمات المنمقة فهو لحاله خير وسيط..
ولكن ..ظلم الورد …الانشغال بالدنيا والألم والخوف والمرض والفقر واليأس والأحداث المتتالية بما تحتويه من قسوة وظلم وعدوان ، جمد المشاعر ووارى الاحساس لان القلب نفسه اصبح كا لصخرة محاولا ان يحمى نفسه من الحزن والجراح وسهام الشرور المتتابعة…حتى الابتسامة تحولت من ابتسامة تعكس الفرحة والامتنان الى ابتسامة ساخرة تعبر فقط عن فقدان الامل و القلق وعدم الثقة وكأنها اصبحت مرسومة رسما على الشفاه المحرومة من ندى الفرح و الابتهاج…
فلم يعد هناك من يهتم حتى بالنظر الى محل الورود ولم يعد يستوقفه جمالها وتنوعها..فالبال مشغول والفكر بعيد تماما يجول هنا وهناك بحثا عن حلولا لمشاكل العمل والأصدقاء والأقارب وما اكثرها…
ورويدا رويدا يتسلل الاحساس بالرقة والجمال من قلوب البشر ثم من عقولهم وعليه لا يستطيع اللسان ان ينطق بجميل الكلام و رقة التعبيرات وتختفى شيئا فشيئا مواطن الجمال من حياتنا ليبقى كل ماهو جاد وجاف لا تدب فيه الحياة بمبهجها حيث لا تجد لها مكانا او مجالا..
وحال البشر كحال الورد فهم يعانون من قلة الاهتمام والتقدير لمواهبهم ومحاسن اخلاقهم و نجاحتهم…ليس هناك وقت!!!
ولكن يا للعجب فكل مظلوم ظالم لغيره ايضا.. فلو افترضنا حسن النية ..نعم فقط حسن النية -اذ لا دليل اخر غيرها لكثرة الهموم والاهتمامات التى تسرق ايامنا منا- حتى نستطيع ان نتخيل ونستنتج ما قد سقط سهوا لنكمل الاجزاء الناقصة للصورة او نجمل التى قد اصابها التلف او نعيد الالوان للأجزاء التى غاب جمالها حتى نستطيع ان نرضى عما يقدم لنا من كلمات لا تعبر حقيقة عن معانيها والمجاملات التى تستدعيها المواقف ، فنعيش فى عزلة ونحن وسط احبابنا والمقربين الينا نعيش نتخيل و نرسم اللوحة التى نتمنها او بالأحرى نتوهمها حتى نشعر بأقل قدر من الرضا وهو ان نلجأ الى نظرية اقتصادية قديمة وهى” الاكتفاء الذاتى “والتى درسناها جيدا على مدار السنين وعلقت فى اذهاننا وأصبحت هى الحل فى هذه الايام القاسية…وأريد ان اوضح هذه النظرية بعيدا عن اهميتها الاقتصادية… فهى اصبحت لها اهداف اخري تحمى الانسان من الانكسار و الاكتئاب..وهى ان اشجع نفسي وامدح نفسي ولا انتظر المساندة من احد حتى لا اصاب بالإحباط.. واذا قدم لى احد يد المساعدة فستكون بمثابة المفاجئة الرائعة –لا باعتبارها كما فى السابق انه الواجب هو الذى يحتم هذا- فنشعر بالسعادة حينئذ لمبادرة الاخرين غير المتوقعة ؛ فهذه الطريقة افضل بكثير من ان نصاب بالإحباط نتيجة للعشم الزائد فى من نتوهم ان لديهم الاستعداد للتضحية فى سبيل اسعادنا.
فعلينا اذا ان نجد المبررات..ونلجأ الى ايجاد الحلول البديلة..ونخلق لأنفسنا جو من الالفة ونسعى الى رسم الضحكة على وجوهنا ونستبشر الخير و ننشد التفاؤل حتى لا نستسلم لمشاعر اليأس والإحباط..ولكن هذا لا يعنى ان تجف الدمعة فى عيوننا او ان تتجمد مشاعرنا..فنشبه الاخرين الذين انساقوا ولم يقاوموا فتحولوا الى اشباه كائنات تحيا بدون مشاعر حقيقية او قلب ينبض بالحب ؛لكنها تتعامل بقوانين الطبيعة ومنها”لكل فعل رد فعل… “
ورجائي أخيراً للجميع بعدم غرس هذه الروح فى اولادكم ولا تنشئوهم على هذا المبدأ.. كي لا يضيع منهم المعنى الحقيقى للحياة..