بقلم: شريف رفعت
تعود هذه الواقعة إلى عدة عقود مضت، بطلها قاسم طُلبة، أكثر أفراد شلة الأصدقاء صيعانا، كان يكبرنا بعامين، طويل عريض، في مرحلة دراستنا الثانوية كان يبدو كرجل بالغ وسط مجموعة مراهقين، عندما كنا وقتها نطمع في أن نعرف فتاة نخرج معها كي نمسك بيدها أو نختلس منها قبلة كان هو يضاجع النساء المحترفات و يحكي لنا عن مغامراته في هذا المجال بكل فخر، كان الأداء الدراسي لقاسم متواضع فأنهى دراسته الثانوية بعدي بعامين، لكن ظل التواصل بيننا قائما، قد يكون ذلك بسبب اختلافنا، فيجد أحدنا في الآخر ما ينقصه، هو صائع بدرجة امتياز، و قد أسبغ علي لقب “الطالب المثالي” حتى بعد أن أنهيت دراستي، في إشارة متهكمة على أدبي و هدوئي و اجتهادي، كما لو كانت هذه الصفات سبة في جبيني.
بعد تخرجي و عملي قررت استئجار شقة بجوار مكان العمل في ضاحية على مشارف مدينة الاسكندرية توفيرا للمشوار اليومي الطويل من و إلى وسط البلد حيث منزل الأسرة. حدثت الواقعة عندما زارني قاسم في شقتي الصغيرة، أخذنا نتبادل الأحاديث و هو جالس بجوار النافذة، قال لي بلهجة ذات معنى:
ـ فكرة جميلة أنك استأجرت هذه الشقة، يمكننا قضاء وقت ممتع فيها.
فهمت قصده، هو يُلَـمـَح إلى إحضار نساء ـ في الغالب محترفات ـ لمضاجعتهن بالشقة، رددت عليه مستنكرا بشخرة كي أثبت له أنني لم أعد “الطالب المثالي” قلت له:
ـ إنسى هذا الموضوع، فلن أكون قواد على آخر الزمن.
رد باستنكار:
ـ ما هذا الكلام، أي مغامرة سنقوم بها ستكون معي فيها، بالطبع أنت ايضا ستقضي وقتا ممتعا، أترك هذا الموضوع علي.
قبل أن أرد عليه وجدته يطل من النافذة ثم يدعوني قائلا.
ـ تعال، أنظر، ماذا يجري؟ أتعرف هذين الشخصين؟
كان هناك أمام باب البناية رجلان، و امراتين واضح أنهما من بنات الهوى، قلت:
ـ الرجل القصير لمحته من قبل، يقطن في الطابق الرابع.
جرى بينهم حوار قصير ثم دخلوا البناية، بعد لحظات سمعناهم يجتازون طابقنا، اقتربنا أنا و قاسم من باب الشقة لنسمع ما يجرى، كان هناك حوار و ضحكات، واضح من لهجة الرجلين أنهما من الأرياف.
سرح قاسم ببصره في الفضاء كأنه يدبر أمر ما، فتح باب الشقة و قال لي:
ـ اتبعني.
سألته: ـ إلى أين.
رد باختصار و حزم،
ـ فقط اتبعني.
وجدته يصعد للطابق الرابع، تبعته و قد حدست أنه سيقدم على شيء مجنون، وقف أمام باب الشقة، أخذ نفس عميق قال لي:
ـ أريدك أن تكون جدع.
ثم طرق الباب.
فتح أحد الرجلين الباب بحذر، وضع قاسم قدمه ملاصقا للباب حتى لا يتمكن الرجل من إغلاقه، ثم قال بجرأة بالغة:
ـ شرطة، افتح الباب و أخرج العاهرتين فورا يا ابن الحرام.
رد الرجل البائس وقد ارتسم الذعر على وجهه:
ـ من انت؟ و ماذا تريد.
ـ قلت لك شرطة، أنت تمارس الدعارة في هذه الشقة و هذه جناية، يمكنني وضعك الآن في الحجز، أين المرأتين يا فاسق.
و أنا واقف خلفه مذعورا من جرأته ظهر الرجل الثاني، و أطلت المرأتان برأسيهما و هما نصف عاريتين، اندفع قاسم للداخل و أنا خلفه، وقف في وسط الصالة، أمر المرأتين بارتداء ملابسهما و الخروج معنا، ظل يكيل لهما السباب و يتوعدهما بسحبهما إلى قسم الشرطة حيث سيقضيان الليلة حتى يظهر لهما صاحب. ارتدت المرأتان ملابسهما على عجل بينما الرجلان مذهولان يعترضان بكلمات مبتسرة. و نحن في طريقنا للخارج قررت أن أقول شيئا حتى يكون لي دور في هذه المغامرة المجنونة، قلت بلهجة رسمية حاسمة موجها حديثي لصاحب الشقة:
ـ سكان البناية يشكون مما يجري في هذه الشقة، سجلوا محضر في القسم بخصوص الأعمال المنافية للأداب التي تقومون بها.
رد الرجل في دهشة معترضا:
ـ كيف ذلك؟ هذه أول مرّة نحضر نساءا للشقة، ثم أي سكان و العمارة شبه خالية؟
قاطعه قاسم:
ـ اخرس يا ابن الزانية، لن أصطحبك اليوم للقسم، لكن إذا كانت هذه أول مرّة فالأحسن أن تكون الأخيرة.
دفع قاسم المرأتين للخارج، نظر نظرة نارية للرجلين ثم اغلق باب الشقة.
المرأتان نزلا معنا و هما يعترضتان، قاسم يسبهما، بينما إحداهما تحمل فردتي حذائها في يدها حيث لم تتمكن من ارتدائهما إثر اندفاع قاسم لإخراجهما.
دفع قاسم المرأتين داخل شقتي و هما مندهشتان بينما هو يواصل سبهما.
أغلقت باب الشقة، أشرت له بالهدوء فقد شاهدت من الإثارة الكثير في اللحظات الفائتة. نظرت للمرأتين، احدهما و التي مازالت ممسكة بحذائيها كانت طويلة عريضة، مفاتنها بارزة، المساحيق على وجهها و اللون الأحمر على شفتيها يشيران لمهنتها المصنفة كأقدم مهنة في التاريخ، كان هناك ندبة كبيرة على جانب وجهها تمتد من حاجبها الأيمن حتى وجنتها، استنتجت أنها بسبب أخطار المهنة، قد تكون نتيجة لخلاف بينها و بين قوادها. المرأة الأخرى كانت أصغر حجما، نحيفة، خمرية اللون، وجهها خالي من المساحيق، استنتجت أنها جديدة نسبيا في المهنة.
همس لي قاسم:
ـ أنت صاحب الشقة، سأترك لك حجرة النوم، سأشتغل أنا هنا في الصالة على الأريكة، دفع المرأة الأصغر حجما إلى حجرة نومي، دخلت خلفها و أغلقت الباب. في الصالة المرأة الأخرى مازالت تعترض، صوت لطمة و سباب، ثم هدوء نسبي.
جلست على فراشي مذهولا، قلت لنفسي:
ـ يخرب بيت جنانك يا قاسم.
كانت الأحداث مثيرة و مفاجئة فظللت لبعض الوقت مشدوها و أنا جالس على طرف الفراش، بينما المرأة واقفة تنظر لي حائرة مما يجري، ثم قالت لي بصوت خافت:
ـ هل أخلع ملابسي؟
أشرت لها بالإيجاب بهزة من رأسي، خلعت ملابسها و وقفت عارية تنظر لي و قد ضمت يداها معا فوق عورتها، تأملتها، ملامح وجهها على قدر من الجمال و البؤس و الاستسلام، الإثارة التي مررت بها أخرجتني عن الرغبة في ممارسة الجنس، لكن منظر جسد الأنثى العاري أمامي و ملامح الاستسلام على وجهها و التأوهات الصادرة عن النشاط الجاري خارج الغرفة استثارا غرائزي، ضاجعتها مرتين، كانت المرة الثانية اكثر هدوءا و متعة.
ارتدت المرأة ملابسها، لا ادري أمازالت تعتقد أننا شرطة أم أنها فهمت الحيلة. قالت بصوت يتسم بالغلب:
ـ و الله هذا حرام، أنتما حرمتماني من اكتساب قوت يومي.
لأني أتسم بالطيبة، أو كما يصفني قاسم اللعين “طالب مثالي” أعطيتها جنيها، و هو نصف أتعابها في الظروف العادية، لكنه كل ما سمحت به ميزانيتي. فكرت أن أعتذر لها عما جرى لكني وجدت ان هذا سيكون إمعانا في المثالية فسكت. و هما في طريقهما للخارج المرأة الأخرى الأكبر حجما مازالت تتفوه بعبارات الاعتراض، نعتها قاسم بالعاهرة و ركل مؤخرتها، دعت المرأة عليه و أنصرفا.
آخر ذلك الشهر أنهيت عقد إيجار الشقة، كانت تمثل عبء مادي على ميزانيتي المحدودة، بالإضافة لعدم رغبتي في مواجهة جاري الذي اشتركت في سرقة المراتين منه، و أيضا تحسبا لأي مغامرات مستقبلية يفكر فيها قاسم المجنون.
تمر السنوات، خمسة عشرة سنة، يتفرق أغلب أفراد مجموعة الأصدقاء، أتزوج أنا و أنشغل في حياتي الأسرية، تنقطع علاقتي بقاسم، أسمع من بعض الأصدقاء أنه أيضا قد تزوج.
تحتم ظروف عملي الانتقال للمعيشة في القاهرة، و أنا في القطار أنتظر أن يتحرك بي إلى حياتي الجديدة أسرح في سنوات عمري التي قضيتها في الاسكندرية، سنوات الدراسة، العمل، الأسرة، الأصدقاء و منهم قاسم، أتذكر واقعة الشقة و المغامرة المجنونة القاسية فأبتسم، لحظات قبل أن يتحرك القطار و أنا مستمر في أفكاري أسمع إمرأة قد صعدت توا للقطار تلوم زوجها، قالت له بلهجة مؤنبة:
ـ ألا تعرف أن تختار مقاعد معقولة، هذان المقعدان بجوار باب العربة، لن نتمكن من النوم بسبب فتح و غلق الباب، هذه ليست أول مرة تسيء الاختيار.
يرد الزوج بصوت خانع:
ـ كيف تريديني أن أعرف مكان المقاعد عندما أحجزها.
أرى الحوار طريفا، أنظر بطرف عيني، كان الرجل قاسم طلبة، و معه زوجته، إمرأة طويلة عريضة، مفاتنها بارزة، و هناك ندبة كبيرة على جانب وجهها تمتد من حاجبها الأيمن حتى وجنتها.