بقلم: خالد التوزاني
من القواعد المتداولة في التنمية الذاتية وصناعة النجاح، أنَّ الناجح هو الذي ينشر النجاح، وهي أحد القواعد العشرة لمؤشرات النجاح، والتي تنطبق على الرُّواد من مؤسِّسي العلوم والمعارف والمخترعات، أولئك الذين لا يكتفون بتحقيق مُنجَز ذاتي، يحتكرون ثمرته، وإنما يسعون لتحفيز الآخرين على الإنجاز، والأخذ بأيدي الناس للوصول إلى الفعل المبدع والخلاّق، ومن هؤلاء الأكاديمي والمبدع الدكتور جمال بوطيب، والذي نخصّص له هذه الورقة.
يعتبر الأكاديمي والمبدع الدكتور جمال بوطيب أحد رواد الصِّناعات الثقافية في المملكة المغربية والعالم العربي، إذ لم تقتصر جهوده على تدريس الطلاب وتكوينهم بالجامعات المغربية، ولم يكتف بالتأليف والبحث العلمي والإبداع الأدبي، بل تجاوز ذلك لمجالات أخرى حديثة في الوطن العربي، ويتعلّق الأمر بالاستثمار الثقافي وتسويق الكتاب وصناعة الكاتب، من خلال تأسيس عدد من المؤسسات الثقافية وإطلاق جملة من المبادرات التي وضعت ضمن أولوياتها تشجيع الباحثين والكتاب والأدباء على نشر كتبهم وتداولها، وأيضا تنظيم مؤتمرات علمية ومعارض الكتب ولقاءات الاحتفاء بالكُتَّاب وإصداراتهم، بل وتخصيص جوائز تحفيزية، وتكريم الأعلام والرواد في مجالات الإبداع والنقد والبحث في العلوم الإنسانية، إلى جانب تنسيق أعمال الندوات ونشر المؤلفات وإهداء آلافٍ من النسخ للمكتبات العامة وللجمعيات والفاعلين في مجال القراءة والتربية والتعليم، ولا شكّ أنَّ هذه المنجزات الكبيرة، تستحق أكثر من وقفة ولا يمكن تغطيتها في مقال واحد، وإنما تحتاج لكتاب مستقل أو مؤتمر علمي، يغطي مختلف الجوانب الإنسانية والأدبية والإبداعية للشخصية الموسوعية للدكتور جمال بوطيب.
في عاصمة المساجد بالمغرب، مدينة وجدة، كان ميلاد جمال بوطيب عام 1968، وفيها نمت مداركه، وتلقى مبادئ الجمال داخل بيئة مغربية تجمع حب العلم والمعرفة إلى جانب حسن الأخلاق وسمو الروح، فكانت شخصيته طموحة في استمرار التكوين والعمل الدؤوب في صمت وفي ثبات وصبر، ليؤسس فيما بعد اسماً لامعاً في الساحة الثقافية العربية عُرِف بالأكاديمي والمبدع الدكتور جمال بوطيب، وهو الآن، يعملُ أستاذاً جامعياً بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، المركب الجامعي فاس، ومستشاراً ثقافياً برئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله، بمدينة فاس، العاصمة العلمية للمملكة المغربية. كما يتقلد عدة مسؤوليات ومهام علمية وثقافية، سواء عضوية المراكز العلمية أو لجان التحكيم أو التنظيم والتنسيق والإشراف أو التأطير والتكوين والمتابعة والتخطيط الثقافي، وقد حصل مؤخراً على جائزة المغرب للكتاب (2018)، كما حصل من قبل على الجائزة الأولى في المهرجان الدولي لموسيقى التربوية للطفل(2001)، وجائزة مفدي زكريا العربية للشعر (2003)، وجائزة القصيدة بالمغرب (2013)، وجائزة الشارقة للنقد التشكيلي (2014)، وغير ذلك من التشريفات والجوائز في مختلف فروع العلوم الإنسانية من إبداع ونقد وفنون، مؤكداً خصوصية المثقف المغربي الموسوعي والذي يتطلع دائما للتضلّع من العلوم والغوص في بحر المعرفة، فيغرف منها ما وسعه ليخرج للناس بدراسات وبحوث وإضافات لدائرة المعرفة الإنسانية، أما المهام العلمية والأكاديمية التي تقلّدها الأكاديمي والمبدع الدكتور جمال بوطيب، فنستحضر منها، المسؤوليات الآتية:
- رئيس تحرير مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية، ظهر المهراز، فاس.
- المؤسّس والمدير المسؤول ورئيس تحرير مجلة «مقاربات» (محكمة) تهتم بالبحث العلمي.
-المؤسّس والمدير المسؤول ورئيس تحرير مجلة «الاستهلال» (متخصصة في السرد وقضاياه). - عضو دائم بمختبر التواصل الثقافي وجمالية النص بكلية الآداب ظهر المهراز.
رئيس فريق السرد العربي: البنيات والأبعاد، بمختبر التواصل الثقافي وجمالية النص.
ـ عضو مشارك بمختبر البيبليوغرافيا التحليلية والتوثيق للتراث المغاربي.
-عضو الهيئة الاستشارية بمجلة نغم (مجلة متخصصة في التربية الموسيقية).
ـ عضو هيئة التحرير بمجلة دفاتر ثقافية ( مجلة يصدرها مختبر التواصل الثقافي وجمالية النص).
-عضو اللجنة العلمية لمجلة الجاحظية (الجزائر). – مقرر جائزة المغرب للكتاب: صنف الدراسات النقدية 2015.
وإلى جانب هذه المسؤوليات العلمية، فقد قدّم الدكتور جمال بوطيب للمكتبة العربية جملة من المؤلفات المتنوعة بين الإبداع والنقد والتنظير، والتي أُنجزِت حولها بعض البحوث والرسائل الجامعية، كما تم تكريمه في أكثر من مؤتمر وندوة، ولعلّ أشهر مؤسسة يعود له الفضل في تأسيسها وتسييرها، هي مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية واستراتيجيات التواصل والنشر، والتي حققت نجاحاً كبيراً، يتجلى في الحصول على الرتبة الأولى على الصعيد الوطني في مجال النشر، وفق التقرير السّنوي عن وضعية النشر والكتاب في المغرب لسنة 2017- 2018، والذي أصدرته مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء، حيث تفوّقت مؤسسة مقاربات على عدد من المؤسسات العريقة من كليات ودور للنشر، وتقوم فلسفة مؤسسة مقاربات على فكرة صناعة الكتاب الناجح والمؤلف الناجح، ودمج فكر الاقتصاد مع فكر الثقافة لخلق الفرص العلمية ودعم الاشتغال الأكاديمي والتميّز العلمي، إضافة إلى تحفيز النشر وتداول الكتاب.
أما مؤلفات الدكتور جمال بوطيب، فكثيرة ومتنوعة، جمعت بين الإبداع والنقد، ونستحضر منها ما له صلة بالإبداع، الكتب الآتية: الحكاية تأبى أن تكتمل، صدر عام 1993، و برتقالة للزواج.. برتقالة للطلاق، عام 1996، وأعيد طباعته عام 2007، و مقام الارتجاف، صدر عام 1999، وزخّة.. ويبتدئ الشتاء، صدر عام 2001 ، وأعيد طباعته عام 2007، ورواية سوق النساء صدرت عام 2006، و أوراق الوجد الخفية، عام 2007، وفي طبعة ثانية سنة 2010، ورواية فصوص الصبا صدرت عام 2007، ورواية خوارم العشق السبعة، عام 2009، وجور السهى، صدرت عام 2012، وسنابك العشق، سنة 2013، وغير ذلك من الأعمال الإبداعية في الرواية والقصة والشّعر..
أما في النقد، فقد صدرت للدكتور جمال بوطيب، عدة دراسات نقدية وتنظيرية، نستحضر منها، الكتب الآتية: الجسد السردي (أحادية الدال وتعدد المرجع)، سنة 2006، وكتاب: جور الغياب: ديوان مَنْ صمتوا(انطولوجيا)، سنة 2007، ودراسة بعنوان: نحن والآخر: تجليات جسدانية في الفكرين العربي والغربي، سنة 2008، وكتاب: الاستعارة الجسدية: الذات والآخر في الرواية الجزائرية، سنة 2008، وكتاب: فتنة الجوز : قراءة في تجربة تشكيلية ، سنة 2009 ، ودراسة تحمل عنوان: السرد العربي: أسرار الكتابة والجسد، صدر عام 2013 ، وأيضا كتاب: السردي والشعري: مساءلات نصية، صدر عام 2013، وكتاب: النص والمدار، صدر عام 2013، وكتاب: الرواية العربية المرجع والدلالة: بحث في انتروبولوجيا الجسد، 2013عام، ثم كتاب: أعراف الكتابة الحديثة بحث في استراتيجيات النص العربي، صدر عام 2014، وغير ذلك من الدراسات النقدية والتنظيرية.
والجدير بالذكر أنَّ حصول مؤسس مقاربات، الأكاديمي والمبدع الدكتور جمال بوطيب، على جائزة المغرب للكتاب هذا العام، دليل على حضور العمل الإبداعي إلى جانب المبادرة الثقافية في إشاعة روح العمل الجاد والمتوازن، والذي يجمع بين الإنتاج الثقافي وإشاعة المعرفة وتداول الكِتاب وتشجيع الأدباء والمبدعين، ولا يقتصر على جنس أدبي أو اتجاه معرفي وحيد، أو طبقة معينة من الأدباء، وإنما ينفتح على كافة الأجناس والمناهج والحساسيات، ليؤكد عالمية الثقافية وكونها ينبغي أن تسمو فوق كل انتماء، وبعيداً عن كل تقوقع أو انعزال داخل شرنقة ما، بحجة التفرّغ للكتابة أو للإنتاج، فكثيراً من الرواد الذين نالوا أرفع الجوائز والدرجات، لم يسجنوا أنفسهم في أبراج بعيدة عن الناس، وإنما كانوا دائما في قلب الأحداث ومع الجميع، وبين عموم الناس، وخاصة مع الناشئة والطلاب والباحثين الشباب، أمَلُ الأمّة، وهذا ما يلاحظ في شخصية الدكتور جمال بوطيب؛ حرصه على احتضان الشباب ورعايتهم ليصبحوا كُتّاباً جُدداً، لإيمانه بضرورة تجديد النخب الثقافية واستمرار الإبداع، وأيضا إتاحة الفرصة للجميع قد الإسهام في النهضة العلمية والثقافية التي يشهدها المغرب في السنوات الأخيرة، مع ما يشهده المجتمع المغربي أيضا من تحوّلات إيجابية في عدة قطاعات حيوية، وخاصة جانب الاستثمار في الإنسان، بإطلاق مبادرات التنمية البشرية ودعم الكُتّاب والمبدعين، وتحفيز الابتكار والتجديد في مختلف المجالات والميادين، سواء ما تقوم به الجامعة المغربية من جهود في هذا المجال أو جهود مؤسسات أخرى وعلى رأسها وزارة الثقافة والاتصال، ثم مؤسسات المجتمع المدني.
بمناسبة حصول الدكتور جمال بوطيب على جائزة المغرب للكتاب، وضمن سياق الوفاء والاعتراف بجهوده العلمية والثقافية، نظّمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، يوماً دراسيا تكريما لهذا الأكاديمي والمبدع وتقديرا لمنجزه، وقد شارك في تكريمه عميد الكلية، ونوابه ورئيس شعبة اللغة العربية بها، وعدد من رؤساء الشعب الأدبية والعلمية، وعدد كبير من الإداريين والمبدعين والشعراء والباحثين بمختلف المختبرات ومراكز البحث، وأعضاء من شبكة القراءة بالمغرب، وآخرين من حلقة الفكر المغربي بفاس، وعدد من الطلاب والأساتذة وعموم المهتمين بالشأن الثقافي.
دأبت مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية واستراتيجيات النشر، التي أسسها الدكتور جمال بوطيب، على تنظيم مهرجانات ثقافية ومعارض للكتاب تمتد لعدة أيام، في عدد من المدن المغربية، إلى جانب مؤتمر مقاربات السنوي الذي يستضيف نخبة من الباحثين والأكاديميين من عدة دول عربية، ويتم نشر أعماله قبل موعد المؤتمر، إلى جانب تنظيم المنتدى العربي –مرصد مدائن فاس- والذي يقام كل عام ويمتد لأزيد من شهر حافل بالندوات والجلسات العلمية والأدبية، ويمثّل أكبر فعالية ثقافية في الوطن العربي بالنظر لعدد الأدباء والنقاد والشعراء المشاركين فيه، وأيضا بالنظر لعدد المداخلات العلمية والقراءات الشعرية، وأيضا حجم الحضور النوعي من جمهور المثقفين وطلاب الجامعات وعموم المهتمين بالقراءة والبحث أو الإبداع والنقد، حيث تضيق القاعات في معظم الجلسات ولا تكفي المقاعد، فيظل عدد من الجمهور واقفاً متابعاً لأشغال المنتدى، ولا شكّ أنَّ هذا الإقبال على الأنشطة الثقافية التي تقوم بها مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية واستراتيجيات التواصل والنشر، راجع لجملة من الأسباب، نجملها في التدبير التشاركي الذي تنهجه هذه المؤسسة وانسجام فريقها، إلى جانب الكفاءة العلمية والمهنية العالية التي يتم بها التدبير، ثم أخيرا الحصيلة المشرّفة للأعمال، حيث إنَّ العمل في الأخير هو الذي يحكم على المنجز، ويبدو ذلك واضحا في التقارير الثقافية والإحصاءات الرسمية التي يتم نشرها، وتُعطي لهذه المؤسسة الرائدة المراتب الأولى سواء في عدد المنشورات أو مجموع الندوات والفعاليات الثقافية.
والأكيد أن نجاح الدكتور جمال بوطيب في خلق بيئة مناسبة للعمل والإنتاج، دفعت الكثير من الأدباء والكُتّاب إلى إصدار مؤلفاتهم ضمن منشورات مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية واستراتيجيات التواصل والنشر، وأيضا طبع بعض المجلات العلمية، وتوزيعها، الشيء الذي انعكس إيجاباً على الحياة الثقافية في المغرب، وخاصة في مدينة فاس، حيث يوجد المقرّ الرئيسي لمؤسسة مقاربات، وتواصل هذه المؤسسة حضورها الثقافي في المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي يقام بالدار البيضاء من7 إلى 17 فبراير 2019 ، وذلك بسلسلة من التوقيعات واللقاءات الثقافية، إلى جانب عرض الإصدارات والمنشورات، وبذلك تنتقل مؤسسة مقاربات من المحلية إلى العالمية، ومن مبادرة فردية للدكتور جمال بوطيب، إلى عمل ثقافي مؤسساتي يرتكز على دمج ثقافة الإبداع ضمن ثقافة المقاولة أو الشركة، فيغدو العمل الثقافي استثمارا حقيقيا، وحافزاً للمزيد من بذل الجهد، ولا شكَّ أنَ هذا العطاء المتميّز والحصيلة المشرّفة لهذه المؤسسة، يؤكد ريادة الأكاديمي الدكتور جمال بوطيب وسعيه المتواصل للنجاح وصناعة الناجحين، وعندما يكثر أمثال هذا الرجل في الوطن العربي، فإننا آنذاك يمكن أن نتحدّث عن إقلاع ثقافي، وصعود إلى القمّة، وفق أدبيات التنمية البشرية.






























