أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لا مخرج نهائي للصراع العربي الإسرائيلي إلا بحل سلمي شامل وعادل يعيد الحقوق إلى أصحابها، بحيث يحصل الشعب الفلسطيني علي دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وقال الرئيس السيسي – في كلمته أمام القمة العربية العادية في دورتها الـ30 المنعقدة في تونس، اليوم الأحد ـ “إن العرب اختاروا السلام ولا تزال أيديهم ممدودة للسلام الشامل والعادل، مشيرا إلى أن القمة العربية تأتي في منعطف خطير في تاريخ أمتنا العربية، وأننا أمام استحقاق مهم، وهو المواجهة الشاملة لجميع أشكال الإرهاب”.
وطالب الرئيس السيسي بتحرك فوري في إطار عملية جنيف لحقيق السلام في سوريا، مشددا علي أنه حان الوقت لوقف نزيف الدم العربي.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس السيسي أمام القمة العربية العادية الـ30:
“فخامة الأخ الرئيس الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية الشقيقة.. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. ملوك ورؤساء وحكومات الدول العربية الشقيقة.. معالي السيد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أود في البداية أن أتقدم بخالص الشكر لفخامة الرئيس الباجي قائد السبسي ولحكومة وشعب الحكومة التونسية الشقيقة علي الاستضافة الكريمة والتنظيم المتميز للقمة العربية في دورتها العادية الثلاثين، معربا عن صادق الأمل في نجاح هذه القمة التي لا يخفي علي أحد أنها تأتي في منعطف خطير في تاريخ أمتنا العربية، ازدادت فيه التحديات وتعددت الأزمات وتعقدت المهام المطلوبة لمواجهتها”.
“بعض هذه التحديات متراكم، وهو جزء من إرث مرحلة التحرر الوطني، ومرحلة تأسيس جامعة الدول العربية في الأربعينيات من القرن الماضي، ويأتي علي رأسها الصراع العربي الإسرائيلي، والذي أثق في أننا جميعا نتفق في أنه لا مخرج نهائي منه إلا بحل سلمي شامل وعادل يعيد الحقوق إلي أصحابها بحيث يحصل الشعب الفلسطيني علي حقه في الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وتعود الجولان المحتلة إلى سوريا لتتحرر جميع الأراضي العربية المحتلة ويتم طي هذه المرحلة المؤلمة التي استنزفت الأمة وطاقاتها لسبعة عقود، وتبدأ مرحلة السلام العادل وإعادة البناء”.
وأكد الرئيس عبد الفتح السيسي أن الأمر لا يقتصر على تراكمات موروثة واستحقاقات متبقية من مرحلة التحرر الوطني، وإنما هناك أيضا التحديات التي شاهدناها في العقد الأخير وحزمة الأزمات التي تفجرت منذ ثمانية أعوام في أكثر من بلد عربي من سوريا إلى ليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية لتحمل أخطار التفكك والطائفية والإرهاب الذي بات يهدد صلب وجود الدولة الوطنية ومؤسساتها في منطقتنا العربية ويهدر مبادئ العروبة والعمل المشترك لصالح تدخلات إقليمية في شؤون دولنا وتوجهات طائفية ومذهبية تفرق بدلا من أن تجمع، وتهدم بدلا من أن تبني.
وقال الرئيس السيسي “إن تلك التراكمات وهذه التحديات الجديدة تضع على عاتقنا كقادة لدولنا وشعوبنا في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ أمتنا مسؤولية عظيمة، فما سنتخذه من قرارات لمواجهتها سيكون له أثر حاسم ليس فقط على حاضرنا وإنما أيضا على مستقبل الأجيال القادمة التي ستحاسبنا كما سيحاسبنا التاريخ على القرارات التي سنتخذها وعلى النهج الذي سنتبعه في توجيه كافة دولنا إما إلى بر الأمان بمشيئة الله أو نحو مصير لا تحمد عقباه لا قدر الله إن لم نحسن الاختيار ونتمسك بالعمل المشترك الرشيد، الذي يعلي المصالح العليا لأمتنا العربية على كل اعتبار آخر”.
وأضاف أن استمرار الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني سيبقى وصمة عار حقيقية على جبين المجتمع الدولي، طالما استمر ضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية وبقيت محاولات الالتفاف على مرجعية السلام ومحدداتها.
وأشار إلى أن العرب اختاروا السلام وقدموا مبادرة شاملة تمد اليد بالسلام العادل مقابل تحرير الأراضي العربية المحتلة كافة وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ولا تزال اليد العربية ممدودة بالسلام العادل والشامل القائم على التمسك الكامل بكل الحقوق المشروعة ومقررات الشرعية الدولية ورفض أي محاولة للالتفاف عليها.
وتابع الرئيس السيسي “إننا اليوم أمام استحقاق آخر لا يقل إلحاحا أو تأثيرا على مستقبل منطقتنا بل والعالم كله، وهو المواجهة الشاملة لجميع أشكال الإرهاب وما يتأسس عليه من فكر متطرف يبيح قتل الأبرياء وينتهك كل التعاليم الدينية السمحة والمبادئ الأخلاقية والأعراف الإنسانية كافة”.
وشدد على أن مواجهة خطر الإرهاب الذي بات يهدد وجود الدولة الوطنية في المنطقة العربية يقتضي التحرك بشكل سريع وبدون مماطلة لتطبيق جميع عناصر المقاربة الشاملة لمكافحة الإرهاب التي تضمنتها قرارات جامعة الدول العربية ذات الصلة، وعلى رأسها قرار تطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب الذي اعتمد في القمة العربية الأخيرة في الظهران، ولن تكون هذه المواجهة ناجحة إلا إذا شملت أيضا التحرك الحثيث لتجديد الخطاب الديني بحيث يعكس الروح السمحة الحقيقية لديننا الحنيف بعيدا عما يدعيه الجهلاء، وبمنأى عن أية أفكار تخالف جوهره وتدعو إلى العنف أو الفرقة أو الطائفية باسم الدين، وهو منها براء.
ولفت الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الدم العربي مازال يراق في عدد من الأوطان العربية بأيد عربية حينا وعلى يد إرهابيين أجانب ومليشيات عميلة لقوى إقليمية تسعى للتدخل في الشئون العربية لإعلاء مصالحها أحيانا أخرى.
وقال الرئيس السيسي “ألم يأن الأوان لوقف النزيف المستمر للدم العربي.. ألم يحن الوقت لتسوية عربية لتلك الأزمات تحقن الدماء وتحفظ دولنا وتوقف الإهدار المستمر لمقدرات شعوبنا وثرواتها”.
وطالب بالتحرك الفوري لبدء المفاوضات في إطار عملية جنيف للتسوية الشاملة للأزمة في سوريا لحفظ وحدتها وسلامتها الإقليمية، التي باتت اليوم مهددة أكثر من أي وقت مضى منذ اندلاع هذه المحنة قبل ثمانية أعوام، بما يحقق الطموحات المشروعة لشعبها ويعيد بناء الدولة العربية العريقة ومؤسساتها ويقضي على الإرهاب البغيض.
وأضاف أن الطريق واضح وعناصر التسوية الممكنة معروفة، والمكونات الأربعة للمفاوضات كما حددتها الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2254 معلومة للكافة.. المطلوب فقط هو إرادة السلام والتسوية لدى الفرقاء السوريين، وموقف عربي حاضن للتسوية وداعم لها وضاغط في اتجاه تحقيقها، ورافض بشكل قاطع لكل التدخلات لأي قوى إقليمية غير عربية تحاول استغلال محنة الشعب السوري الشقيق لبناء مواطئ نفوذ على أراضي هذه الدولة الشقيقة.
كما طالب الرئيس السيسي بتحرك شامل لتنفيذ جميع عناصر مبادرة الأمم المتحدة للتسوية في ليبيا، والتي اعتمدها مجلس الأمن منذ أكثر من 18 شهرا.
وجدد الرئيس عبد الفتاح السيسي التأكيد على أن عناصر التسوية في ليبيا قائمة ومعروفة للكافة والمطلوب هو إرادة سياسية تتعالى على المصالح الضيقة وتعلي مصلحة ليبيا واستقرارها فوق المزايدات السياسية والمطامع الشخصية، وأن يقف المجتمع الدولي وقفة حازمة في وجه قوة معروفة للجميع تورطت ولا تزال في تهريب السلاح والمقاتلين إلى ليبيا ودعم المنظمات الإرهابية بدون أي رقابة أو محاسبة.
وفيما يتعلق باليمن، قال الرئيس السيسي “نضم صوتنا إلى كل المطالبين بتطبيق اتفاق ستوكهولم كمقدمة لبدء المفاوضات الرامية لتسوية الأزمة اليمنية وفقا لمرجعياتها المعروفة، قرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية، ومقررات الحوار الوطني، مطالبا الجميع بالتخلي عن منطق الغلبة والاستقواء والتوصل إلى كلمة سواء تعلي مصلحة اليمن وشعبه الشقيق”.
وأشار إلى أننا إذا أمعنا النظر في مختلف أزمات منطقتنا، نجد عناصر الحل في جميع هذه الأزمات معروفة ومتاحة، الغائب فقط هو الإرادة السياسية والرغبة الصادقة في نبذ الفرقة وإعلاء المصلحة الوطنية والقومية العليا فوق كل اعتبار آخر، داعيا إلى أن تكون مقررات القمة نوبة إفاقة وإعلان عن انطلاق قطار التسويات وطي هذه الصفحة الحزينة من تاريخ أمتنا.
وأكد الرئيس السيسي، في ختام كلمته، أنه آن الأوان أن نلحق كعرب بركب التقدم الاقتصادي الذي تعيشه مناطق أخرى متعددة في العالم، وأن نستفيد من الفرص غير المسبوقة التي يتيحها النظام الاقتصادي العالمي ونحول الإمكانات الكامنة لأمتنا إلى حقائق نعيشها وتنعم بها الأجيال الحاضرة والقادمة.. معربا عن أمله في أن تكون اجتماعات اليوم خطوة على طريق التنمية العربية الشاملة التي يحق لكل مواطن عربي أن يحلم بها وأن نبذل أقصى جهد لتحقيق هذه الآمال والتطلعات وكل ما فيه خير الأمة العربية.
المصدر: أ ش أ