بقلم: تيماء الجيوش
جاء صوتها متهدجاً متعباً تارة غاضباً تارة و كأن ذاك الحديث الهاتفي الذي لم يزد عن عشر دقائق قد قُدّر له أن يحمل انفعالاتٍ شتى . كانت تسأل صديقتها و محاميتها بأن تشرح لها ما معنى ما يحدث لها قانوناً و هل هي حقاً مُطلقة الان ام لا؟ صوت ولديها الصغيرين يعلو احياناً على صوتها لاهين و غير مُدركين لآلام أمهما . أخبرت محاميتها ان زوجها ألقى عليها يمين الطلاق منذ ايّام و قد وقع هذا نتيجة لخلافٍ حادٍ بينهما. ثم قال صارخاً مهدداً و متوعداً بان عليها و الاطفال الرحيل من المنزل. ثم أردفت الزوجة بأنها أدركت منذ زمن ان زوجها قد ذهب بعيد في خيانته لها مع نساء اخريات ، ليصل حدود ذلك معارفها او زميلاتها بالعمل . قام محبوها و بكل ود بالهمس لها ان ما يجري هو إهانة لها و يجرح كرامتها كامرأة فزوجها لا يخفي خيانته و هو لا يخشى معرفتها بهذا الامر فهي مشغولة بأمومتها و توأمها و هذا تماماً ما اشترطه بمجرد زواجهما أن اتركي العمل . رفضت و تمسكت بعملها و كيف لا و هي ذات الخبرة و اللياقة العملية المشهود لها. لكن واقعها الجديد كأم فرض عليها التزامات مختلفة. فرض عليها التفرغ مؤقتاً لتربيتهم و عاد هذا بفائدة جانبية و اعطى الزوج بذات الوقت المجال الرحب لمزاولة ما يراه حقاً له. و هكذا كان خيانة ، خلاف حاد، و من ثم طلاق و دهشة وقحة من زوجها لجرأتها كامرأة في مسائلته و كيف لها ذلك ؟ و هو الذي منَّ عليها بالزواج به. هكذا كان يرى نفسه إمبراطوراً غير متوج . يحق له ما لا يحق لغيره ،و ليس لاحد ان يسائله او يحاسبه . هو المثقف الذي يقرأ الأدب العالمي مساءً و ينصت للموسيقى و يناقش السياسة و لا يغفل ان يستثمر دونية النساء في الصباح التالي.
اعتبرها وقحةً بالسؤال عن خيانته و ليس من واجبه الرد او التبرير و اردف ذلك كله بكلمتين : انت طالق.
لم تصدق ما سمعته التوأم لم يتجاوزا أربعة أعوام و هي زينت سنين زواجهما جمالاً وإخلاصاً و لم تتوانى يوماً عن اداء مسؤولياتها وواجباتها ، أحبته و ما كانت لتفقد الأمل في حياتهما و عائلتهما. احست بسذاجة موقفها و عدم واقعيته ، دخلت في حالة من الخدر التام ، فما عاشته هي كقيمٍ و أخلاق و بناء عائلة ما كان حقيقةً إلا فرصةً لخيانتها من قبل زوجها و زاده هذا الإيمان الواهي برجلٍ تعريفه للرجولة يقع في خانة رقمية ذكورية . فكلما زادت خيانته لزوجته زادت سعادته. غادر المنزل طالباً منها ان تجمع أشيائها و ترحل مع الطفلين فلا مشكلة لديه في ذلك. مضت ايّام عدة و هي في حالة صدمة و لا اتصال بينهما الى ان حضر و معه محامٍ و دون ان يتوجه لها بكلمة وكأنها غير مرئية مطلقاً بات يتحدث معه عن تفاصيل الطلاق و كيفية إرسال وثيقة الطلاق من المحكمة الشرعية الى هذا العنوان وكم من الوقت سيتطلب ذلك. كان نوعاً من البشر الذي يتنمر و يتلذذ بذلك ، يمارس ألعاباً تُدخل الزوجة المغلوبة على امرها في حالة من السؤال و الحيرة و الرعب المتواصل . لم يرأف بحالها كزوجة ، كأم ، كإنسانة . هو يعرف تفاصيل حياتها و انغماسها في أمومتها ، يعرف الاوتار التي يتلاعب بها ، و هي لو ارادت حرباً معه فولاؤها الاول هو لرعاية التوأم . هي ببساطة أم . هو لم يشرح و لم يعتذر عن الخيانة بل أمعن في العقاب الذي يراه فلا داعي لاحترامٍ او تقديرٍ او تهذيب فهي زوجته ، هي جزء من ملكيته الخاصة إن شاء أبقاها و إن شاء طلقها، إن شاء طردها، وإن شاء عنفها . هو يختصر بسلوكه نسبةً من الرجال ليس من الذكاء المهني و الإنساني ان ننفي وجودهم من الذكاء أيضاً ان نقول القانون قد انصف المرأة، بل القانون يقوم بتعنيف المرأة في مواضع متعددة. الطلاق ليس كلمة بسيطة و ليس لغواً ، هو امر قانوني تنعكس مفاعيله على أسرٍ بأكملها و تأثيره ليس آني بل يمتد لسنين عديدة على صُعدٍ إنسانية و اجتماعية و اقتصادية بل و ثقافية . شرحت المحامية للسيدة لاحقاً ان هذا الزواج قد انتهى بالطلاق و بقول الزوج لزوجته انت طالق و هو طلاق رجعي اَي له اَي الزوج ان يعود عنه بالقول او بالفعل و هو يصبح ثابتاً و بائناً بصدوره كقرارٍ من المحكمة الشرعية و هكذا كان . ما كان يؤرق هذه السيدة و سيداتٍ عدة مثيلاتها ، أنهن بلا دعمٍ او سندٍ قانوني يمكنهن من معرفة حقوقهن أولاً و ممارستها و الدفاع عنها لاحقاً في حال وقوع أذىً ما. ما يؤرق هذه السيدة سذاجتها و انها أفرطت في منح الثقة لمن هو ليس بمحلٍ لها. ما يؤرق هذه السيدة ان هناك أنواعاً عديدة من العنف الممارس ضدها و لا قانون او مجتمع او مؤسسة تجد به غضاضة. وزد على ذلك ان نسبة معينة من النساء و بذكورية حادة لا تجدن به غضاضة أيضاً . كل الذي احتاجه زوجها هو قول انت طالق لها و استطاع بذلك ان ينهي عقد زواج بارادته المنفردة ، لم يحتاج الى موافقة منها او تفسيرٍ لها . بالنسبة له هي ليست شريكة او فريقاً مساوياً له في عقد الزواج ، فهو صاحب العصمة و حتى لو تنازل عن عصمته لوجدت من يقف مدافعاً و بشراسةٍ عن عصمته وولايته على نسائه، هو اشبه بنادٍ تهاون احد منتسبيه يعني ضرراً قد يزعزع من ذكورية مجتمعٍ باكمله . لو عكسنا الصورة و أرادت هي الطلاق ، لهدّ كاهلها السعي لذلك و لأهدرت سنيناً من العمر و الطاقة سعياً لاسترداد كرامتها و حريتها من عقد زواجٍ لا يكرمها بقدر ما يعنفها و هذا ليس مبالغة و لكنه واقع قانوني .
ربما هي قصة تحدث كل يوم ، ربما عدد النساء ممن وقعن ضحية جملة صغيرة انت طالق لا يزال كبيراً، ربما لا زلنا نحتاج في الأقطار العربية الى الكثير من العمل المضني للارتقاء المجتمعي و الثقافي و القانوني و الإنساني، ربما تطوراً تشريعياً ما قد يحدث، و لربما الغد أفضل للمرأة و الاعتراف بحقوقها ، ربما هناك أصوات ستعي ان تقدم المجتمعات هو من تقدم نسائها. ربما يوماً ما سيصبح العنف ضد المرأة تاريخاً . حتى حينه لنعمل جميعاً من اجل امرأة حرة . اسبوع سعيد لكم جميعا