بقلم: تيماء الجيوش
تقوم الديمقراطية و بغرض الحفاظ على النظام في المجتمع على دعائم اساسية هي المساواة، العدالة، الحرية و التمثيل النيابي.
وبالطبع فإن من مبادئ الديمقراطية أيضاً فصل السلطات التشريعية و القضائية و التنفيذية و استقلالها و هذا المبدأ بحد ذاته لا يقل أهميةً عن سيادة الدولة . هذه السلطات الثلاث تحترم آليات عمل بعضها البعض و لا تتجاوز الحدود المرسومة لكل سلطة و هو ما سارت عليه الديمقراطيات الغربية حتى يومنا هذا .
في ظل الديمقراطية تُصان الحريات السياسية للأفراد و هي تعني بجُّلها أن لكلٍ فردٍ الحق في الانتخاب و اختيار من يمثله من النواب في السلطة التشريعية و بالتالي ممارسته لحقه في التعبير و هو حق اساسي و مشاركته في ابداء رايه السياسي و بحرية مطلقة و مساءلة السلطة التنفيذية . و على هذا عادة ما تكون حرية التعبير و حرية التجمع هي مقياساً أولياً هاماً لمعرفة دمقرطة مجتمعٍ من عدمها.
و من خلال النواب يمارس الافراد دورهم المباشر في الحكم . يُشارُ هنا أن بعضاً من أهم وظائف السلطة التشريعية مراقبة السلطة التنفيذية أي أداء الحكومة، مناقشة سياساتها، مناقشة القوانين و اقرارها، سحب الثقة من الحكومة …..الخ.
حصلت المرأة على حقها في الانتخاب و تقدمت الكثير من النساء بنجاحهن السياسي و توليهن السلطة السياسية بعد فوز احزابهم او تكتلاتهم في الانتخابات و منهن على سبيل الذكر لا الحصر المستشارة ميركل في المانيا و جوسيندا في نيوزيلندا و حليمة في ماليزيا. و من النائبات المعاصرات في الكونغرس الامريكي الكساندريا اوكاسيو كورتيز Alexandria Ocasio-Cortez التي يناديها البعض اختصاراً او تحبباً (أيه أو سي) تبلغ التاسع و العشرين من العمر و هي بهذا أصغر نائبة في الكونغرس و تعود باصولها الى بورتوريكو. و غالباً ما تطرح في نقاشها بذكاء و التزام كنائبة قضايا الهجرة و البيئة و القضية العرقية و الفقر .
و ما حدث لها مؤخراً يستدعي من الجميع معرفته ، ما حدث لإمرأةٍ جُلَّ همها هو رعاية مصالح مجتمعها الذي تنتمي اليه بل و أنُتخِبتْ من قبله لتمثله. و هو اختصاراً و حسب وصفها أنها كانت تسير في الكابيتول اثناء اداء عملها و نائبٍ ثانٍ كان يسير بذات الاتجاه اسمه يوهو Yoho وبرفقته النائب روجر ويليام ، ليلتفت يوهو لها مشيراً إليها ناعتاً إياها (بالمقرفة ، المجنونة ، و الخطيرة).
ثم أضاف النائب» قولي عني وقحاً فأنا وقح «. النائبة الكساندريا تابعت مسيرها مهتمةً بعملها غير آبهةٍ لسلوكٍ غير مسؤول و لتدلي بصوتها في الكابيتول قائلة»: «أرسلني الناخبين لان أقوم بعملي و أمثلهم كل يوم و أدافع عنهم كي يبقى لهم مأوى و طعام و يحافظوا على كرامتهم». غير أن ما وقع لم ينتهي الأمر عند هذا الحد. فبخروجها من الكابيتول و امام ممثلي الصحافة عاد النائب يوهو ليطلق سبابٍ منافٍ للحشمة امام الجميع دون أي اعتبار بأنها هي نائبة أيضاً و ممثلة شرعية ك Congress woman في مؤسسة ديمقراطية ألا و هي US Capitol BUILDING. و التي هي تعني سياسياً و تشريعياً لأمريكا بأجمعها و ليست لمقاطعة أو حزب أو ولاية .
و يقيناً أن هذا التمييز و التحرش و التعنيف تعاني منه النساء بمعظمهم و ليس حصراً على بلدٍ ما أو مجتمعٍ ما. يمكن أن يحدث لأي امرأة سواء كانت مهاجرة، لاجئة، نائبة في البرلمان، من اقلية عرقية او دينية، امرأة مُسنة او شابة، مثقفة أو أمية، او ضحية لازمة انسانية ، هو حالة عامة .
و هذا ما أردفته بالقول في مثالها النائبة الكساندريا:
«جميعنا نعاني من ذلك بطريقة ما ، بشكلٍ ما ، بصيغةٍ ما و في مرحلةٍ ما من حياتنا».
فهي كانت تسمع هذه اللغة و هذا السباب المنافي للحشمة عندما كانت تعمل ، عندما يتم التحرش بها أثناء استخدام وسائط النقل ، في عملها كنادلة، و برأيها أن هذا ليس بالأمر الجديد و هذه هي المشكلة وهذه ليست بالحادثة الواحدة او المنفردة إنما هي ثقافة. النائبان كانا يسيران معاً كتفاً لكتف، و هذا السباب ما هو إلا نتاج ثقافة العنف و العنف ضد المرأة و عدم تقبل الاخر , ثقافة التمتع بالحصانة حين استخدام القوة، استخدام اللغة المهينة و البعيدة عن الاحترام و الحس الانساني . وهذا كله يحدث بشكلٍ نمطي موجه و مباشر نحو النساء و مهانة الاخرين. لم تقبل النائبة الكساندريا الاعتذار. أو حني الرأس لصناعة الاعذار لما حدث و هذا ما لا يمكن ان تدعه يمر. لا يمكن لضحايا العنف اللفظي ان يروا ذلك و يدعوه يمر بسلام.
لا يمكن ان يتم اعطاء الشرعية لهذا الامر و قبوله مهما كانت الأسباب. قبول الصمت كصيغة للقبول لم يعد وارداً . كيف لها أن تقبل أعتذاراً من رجلٍ يمارس العنف ضد المرأة . لم تُخلق النساء كي يقبلوا بممارسة العنف ضدهم. و من ثم أعطاء الأذن لرجال اخرين كي يقوموا بممارسة هذا السلوك الفقير. لا يمكن القبول بصناعة الكراهية في المجتمعات عبر لبنته الأساسية ألا و هو الشراكة والتعامل اليومي بين الرجل و المرأة. التعامل مع الناس بكرامة و احترام هو ما يصنع لياقة الإنسان ، لياقة الرجل و ليس كونه أب أو زوج أو اخ.
ما يحدث يومياً أن يقوم أحدهم من منطلق قوة و دون ندم و بكل حصانة مجتمعية ذكورية الاعتداء و تعنيف النساء وبأشكالٍ مختلفة لفظية ، جسدية، قانونية، اقتصادية…الخ.
ما حدث هام لأنه يعني كل امرأة ، يعني الحركة النسوية، يعني المجتمعات و حقوق الانسان قاطبةً. هو مثال صادف وقوعه في واشنطن العاصمة و تحت قباب الكابيتول ولكنه بأبعاده يقع لنساءٍ عدة ولا فرق بين دين أو عرق أو طائفة او بيئة معينة بعينها.
أيضاً هو هام لانه يثبت ضرورة تغيير المعايير المجتمعية الثقافية و الاعراف التي تدعو للعنف وممارسته على نطاقٍ واسع. منع العنف هو واجب مجتمعي، انساني، سياسي، قانوني. تحديات الاعراف الموجهة نحو جنسٍ بعينه ليست بالسهلة ولكنها باتت أمراً لا بد منه . المفاهيم الخاطئة الداعمة للعنف تستوجب حضور نهجٍ واحدٍ مشترك للقوانين و السياسات لتغييرها و حتمية إرساء ثقافة تحترم حقوق المرأة .
الكساندريا ألقت بالضوء على تجربتها الشخصية و هي تعلم انها بهذا تتحدث عن نساء عدة مررن بذات التجربة و تعلم ان هذا عنفاً مباشراً و موجهاً و ليس وليد اللحظة بل يضرب بجذوره عميقاً ثقافياً و استدعى اهتماماً دولياً ً و عملاً دؤوباً لإيقافه لا زال جارٍ حتى الان عبر المنظمات و المؤسسات و الخبراء . هذه النائبة الامريكية الشجاعة تدعو نا جميعاً ان نُسّرع الخطى باتجاه المساواة و انهاء العنف ضد المرأة. تدعونا لان نحترم التنوع و المساواة. يعلو صوت الكساندريا ليكون صوت العديد من النساء و يرفض الصمت.