بقلم: كلودين كرمة
عندما يكون الإنسان هو ذاته عدو نفسه فإنه يسعى لتحقيق رغباته ويلغى عقله و يعارض الأراء السديدة والمفاهيم القويمة ويعرج بعيدا عن الطرق المستقيمة ويلجأ إلى طرق أخرى مظلمة عسى أن تدارى فى ظلماتها أخطاؤه ..
فبئس الإنسان الذى يسلك بخطى ثابتة فى طريق ملتوية وهو على دراية أنه سوف يتعثر وربما لا يستطيع النهوض ثانية و بالرغم من ذلك يصر على المضى قدما فى مسلك لا نهاية له مملوء بالمعوقات وكأنه مساق من قوى خارقة تسيطر على فكره وتحركه ولا يستطيع الرفض ولا تغير المسار . وقد يلجأ إلى عدة محاولات لإيجاد منطق خاص به أو أقوال مأثورة ، يحاول أن يركبها بشكل أو بأخر حتى تكتمل الصورة السلبية و المجملة فى خياله لتصبح حجة إذ ما تعرض للنقد أو السخرية .
ومثير للعجب أيضا أن يصر الإنسان على إيذاء نفسه ، فمثلا إذ منعه الطبيب عن التدخين لخطورته على حالته الصحية فنجده بدافع عن حريته بقوله “ أنا حر أن أفعل ما أريد وقت ما أريد “ بل ويتجاسر ويدعى الفهم بقوله “ أنا أدرى بما هو صالح لى ولا أقبل أن يملى على كائن من كان ما يجب على أن أفعله “ !!! فإن كبرياء الإنسان يدفعه بشدة ألى طريق الهاوية ..
نعم الكبرياء والعتاد أيضا ، لأنه يعلم جيدا أنه لا يعلم كل المعرفة ولا يدرى دراية كاملة وليس معصوم من الخطأ … ولكن كيف يمكننا تفسير أمر كهذا ؟ إنسان عاقل يحكم ويتحكم ، يدير وينظم ، يبنى ويخترع يشيد ويبنى ، بكلمة منه تتغير مسارات الأمور .. يحكم مدينة ولا يستطيع أن يحكم نفسه ، يتسلط على شعوب ولا يقوى على كبت جماح نفسه..يقوى على إصدار الأحكام ونفس الأخطاء تكمل منه مضاعفة، يدين الناس وهو من يستحق الإدانة ، يفحص أمور غيره مع أن سائر أموره مغلوطة ، يدعى إنه الحاكم العادل مع إنه يكيل بمكيالين . بل و تقع الكارثة عندما يستطيع الإنسان بطرقه الملتوية أن حقق ثروة طائلة أو أن يصبح فى يديه سلطة عليا … “فإن كارثة الكوارث أن تصبح خطواتك أسرع من تفكيرك”.
ونجد فعلا هذه المواجهة والتحديات و التى هى فى غاية الصعوبة فى كل مجالات الحياة ..بدأ من الحياة الشخصية والتى تتضمن الكثير والكثير وعلى سبيل المثال : إصطفاء الأصدقاء ثم إختيار مجال العمل و إنتقاء شريك الحياة و كيفية التعامل مع المجتمع ..وهل من الصواب أن أختار الطريق السهل للوصول وان أتنازل عن الكثير من المبادئ والسلوكيات وأكون منساق وأقتنع أن الغاية تبرر الوسيلة ؛ أم أن المعانى حتى تظل الأمور مستقيمة وأن أبذل الكثير والكثير من الجهد مع الوضع فى الإعتبار إحتمال التعرض للإضطهاد و ربما الخسارة وأن أكون أكثر حكمة حتى لا أتنازل عن ما هو صواب وأفضل أن أضع الأمور فى نصابها الصحيح وأستمتع بالأصدقاء الأوفياء القليلين والرزق الحلال والحياة البسيطة الٱمنة وأكسب نفسي وأحميها من التقليل فى طرق معوجة ؟ صدقت الحكمة التى تقول “ لو العدو الداخلى ليس له وجود فالعدو الخارجى لا يستطيع إيذائك “ فإن غياب الثقة بالنفس وشعور الإنسان فى داخله بنقاط ضعف ، لا يعمل على دراستها ومعالجتها هو ما يسوقه انسياقا إلى التصرف بأساليب مختلفة وغريبة عنه ، فيعيش فى غربة دائمة تؤدى إلى انفصاله عن نفسه وشخصيته الحقيقة فيتوه ولا يدرى إلى أين يذهب وفى نفس الوقت لا يستطيع الرجوع إلى نقطة البداية لاستبيان الأمر ولتصحيح المسار ويتأرجح ما بين فشل ونجاح وصعود وهبوط تارة يحلق فى السماء وتارة أخرى يقع فريسة ويقف عاجزا .. ومن هنا إن كان حقيقة ‘ أن أكبر عدو للإنسان هو نفسه ‘ فعليك أيها الإنسان أن تدافع عن نفسك وعن حقوقك وأنت فى كامل وعيك ضد عدوك الخفى عن عيون البشر ؛ وأن تثبت أمام عقلك الواعى أنك ذو سلطان وقدرة على التحكم بغرائزك وميولك وأن تدعم إرادتك بالمنطق المجرد حيث لا يتأثر بأى ضغوط خارجية أو خبرات مريرة سابقة لها القدرة أن تحولك من إنسان ذو شخصية سوية واعية لإنسان معقد تتأثر آراءه وتختلف أحكامه حسب الموقف وهنا نجد أنه قد إفتقر إلى الإدراك وسداد الرأى ، و ذلك يفصح عن محدودية الفكر وتجعله ينحرف عن كل ما هو صائب ومستقيم فتتشوه صورته وتطمس ملامحها.
فلا نلقى اللوم على الظروف أو على ظلم الشائع أو التعاليم الملتوية فلنا عقل يعى وعيون تفحص وقلب ينبض ومشاعر راقية وأخلاق رفيعة ؛ فلنتمسك بكل ما هو سامى وبكل ما هو جميل ويدعم الإنسانية فى أسمى معانيها ، فهو إختيار حر .. إما أختار العدل والجمال والحب والحياة ؛ إما الظلم والقبح والكراهية والفناء …هو إختيار أن تكون إنسان أم كائن فاقد الأهلية.