بقلم: إدوار ثابت
(6)
ملخص العدد السابق
أحبها رغماً عنه ومن غير أن يتحكم في نفسه ودون أن يدري أو يحتاط فهي متزوجة وقد أطلع على كتاب أستاندال الأديب الفرنسي (عن الحب) الذي تحدث فيه عن نشأة الحب وتطوره فوضع لذلك سبع مراحل . أما هو فقد مر بكل هذه المراحل معها .
وقال أحمد شوقي في قصيدة له عن تطور الحب نظرة فأبتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء وقد مر هو معها كذلك بهذه المراحل التي يتحدث عنها أحمد شوقي في هذا البيت من قصيدته .
وها هو يحبها حباً ملك على نفسه وسيطر عليه العشق والتاع بحرمانه منه فلم يستطع أن يتحمله ولكنه لا يفعل مثل هؤلاء الذين يتعرضون لمثل هذا العشق مع أختلافهم ، فهو شاعر والشاعر به ما ليس بعامة الناس وشعره هو الذي يحقق رغبته فيها وهو الذي يحل ذلك الصراع بين إشتياقه إليها وحرمانه منها ينظمه إليها ويوضح فيه حبه وهواه وما يرغبه فيها ويتمناه منه فيكتب قصيدة وكأنما يحدث بها نفسه وكأنما معها يناجيها ويفصح فيها عن وجده وهواه فيتمنى أن يراها ويلقاها فيستمتع بها بل هي التي تمتعه بهذا اللقاء ورغم ذلك لا تفتر رغبته فيها بل يظل أشتياقه ظمآناً إليها وهو يتطلع إليها فتروق عيناها البراقتان الناعستان فيشعر وكأن النعاس فيهما يفيض حناناً وكأن البريق يتأجج ناراً لاسعة وكأن رموشها عندما تطرف تعزف لحناً كألحان القيثارة فإذا رنت ففي رؤيتها أحاديث خفية وفي سكونها تمتلئ بالأسرار فيشعر لهذا أن عينيها بحر عميق وليس غيره هو البحار الذي يغوص فيه وكنز عريق تكثر فيه الجواهر واللالئ هذا ما ينظمه في قصيدة له يوضح فيها جمال عينيها وأسرارها التي تكمن فيها .
وفي يوم من أيام الصيف ، وكان قد ذهب مع ذويه إلى شاطئ البحر ، يراها تجلس على مقعد من القماش تستمتع بهواء البحر وسطوع الشمس تارة وتختال في سيرها وتتثنى في خطاها على الرمال تارة ثانية وقد أرتدت ثوب البحر أحمر اللون وكان الثوب جميلا وزاهياً بدت فيه فاتنة متألقة فأحتار ولم يعرف هل زادها الثوب جمالاً أم فتنتها هي التي زادته هذا الجمال فيشعر وكأن مياه البحر تهواها وتشتاق إلى رؤيتها وأن حنينها إليها يضنيها فما أن تراها وتلقاها حتى وتروق وما أن تسبح هي في البحر ويمس صفحته وجهها حتى يتمنى أن يحلوَ ماؤه فيسقيها خمرة عذبة ويروي بها فمها . هكذا يقول في جزء من قصيدة له وكأنما يناجيها بها . وقد أخفى عنها حبه واشتياقه إليها ولكنه يخبئهما أياماً ولا شهوراً وإنما أعواماً لم يستطع فيها أن يبوح بهما إليها فيسألها في شعره متى ستعرف كم به من الهوى وكثرة ما يمسه من الشوق إلى مرواها التي يستقي فيها منها ويقول برغم ذلك لا يزال يصبو إلى أن تناجيه ويناجيها فقد ملأته من بعدها شجوناً وعندما يلقاها يقوى حبه ووجده فزاد اشتياقه ونما عطشه إليها بل يظمأ من حرمانه منها فما وسيلته غير رؤيتها فهو يراها في أحلامه وفي النهار لا تغيب عنه وهي التي في قلبه مهما يرى غيرها وهي من يهواها من كل النساء ولا يهوى سواها بل ليس في وجدانه من يشبهها فكل ما عليها يستهويه من أسفلها إلى أعلاها . هذا وأكثره ما نظمه في قصيدة كتبها عنها وإليها . ولكنه في الحق يفحص قصائده هذه التي كتبها عنها وإليها فيلحظ بها شيئاً غريباً وهو أن أغلبها رغم اختلافها تكاد تكون متشابهة ينحصر فيها غزله في شخصيتها وجمالها اللذين يفتنانه وفي تحدثه عن حبه واشتياقه إليها وعن لوعته وحرمانه منها . كتب ذلك دون أن يدري أو أنساق إليه رغماً عنه فكأنها في ذلك هي فقط التي يحبها ويشتاق إليها وهي فقط التي في خياله وليس غيرها من النساء فكلما سعى إلى نظم قصيدة من قصائده الغزلية لا يكتب إلا إليها وعنها .
هذا هو شعره الغزلي الذي يحل ذلك الصراع بين حبه واشتياقه وبين حرمانه ممن يحبها ويعشقها يكتبه إليها وعنها ويفصح فيه عن هيامه بها والتياعه منها إن كان لا يستطيع أن يبوح لها بهما أمامها وفي وجهها وكأنما هذا الشعر هو الوسيط المباشر بينه وبينها والذي يفصح عما به وعما يمسه منها ويراه فيها .
البقية في العدد القادم .