حوار بقلم: جاكلين جرجس
• «ابنة الاسكندر الأكبر» أو «سيدة مدن العالم» ساحرة خلابة يعشقها كل من يزورها لأول مرة؛ كما أطلقتم عليها فى كتابكم «سحر الإسكندرية» فكيف تصفونها وما هي أسرارها وألغازها المدفونة؟
يعتبر اهتمام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالآثار غير مسبوق في التاريخ. وتأتي مدينة الإسكندرية وآثارها على أولوية اهتمامات السيد الرئيس.
وتعد الإسكندرية هي بنت الإسكندر الأكبر، ومجد البطالمة، وعشق كليوباترا، وابنة التاريخ، ومبدعة الحضارة، وأرض التسامح والتعايش بين كل الثقافات والحضارات والأديان، ومدينة المدن منذ أقدم الأزمان وإلى الآن. الإسكندرية هي سيدة العالم القديم ومجد الدنيا وسحر العالم. الإسكندرية هي الإسكندرية. هي الإسكندرية العظيمة في الحضارة والثقافة والإبداع والتراث أيًا كان العصر التاريخي الذي مرت به؛ فالإسكندرية قديمة قدم القدم نفسه الذي اكتسب قدمه من مصر، وعظيمة عظم العظم نفسه الذي اكتسب عظمته من مصر. ومصر بعد الفراعنة هي مصر العظيمة الجميلة أيضًا دائمًا وأبدًا. ومدينة الإسكندرية هي عاصمة التاريخ ومبدعة الحضارة وصانعة المجد الأبدي لبلدنا مصر العظيمة ما بعد الفراعنة. لقد جعل ميلاد الإسكندرية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط من الإسكندرية مدينة عالمية ومتلقى الحضارات وبوتقة الثقافات شرقًا وغربًا قديمًا وحديثًا ودائمًا وأبدًا. الإسكندرية هي نبتة الجغرافيا. الإسكندرية هي ابنة التاريخ. وتم بعث مجد مدينة الإسكندرية من جديد من خلال افتتاح مكتبتها الجديدة؛ كي تواصل دوره القديم حينما كانت الإسكندرية سيدة العالم الثقافية العظم. وصارت مكتبة الإسكندرية نافذة مصر على العالم ونافذة العالم على مصر حقًا وصدقًا. وتشهد مدينة الإسكندرية في الفترة الحالية من عمرها الحضاري المديد والفريد، والذي يزيد عن 23 قرنًا من الزمان الثري بالأحداث والإنجازات، اهتمامًا كبيرًا من رأس الدولة المصرية المعاصرة وكل قيادات الحكومة المصرية ببعث وإعادة إحياء ونهضة مدينة الإسكندرية الكوزموبوليتانية العالمية من جديد. وكانت وما تزال مدينة الإسكندرية عاصمة الحضارة الكونية والثقافة العالمية، وواحدة من أهم المراكز الحضارية الكبيرة والمؤسسة وذات الثقل في مصر والعالم، إن لم تكن أهم المراكز الحضارية في حوض البحر المتوسط، وكما أراد لها مؤسسها الإسكندر الأكبر أن تكون مدينته هي الخالدة بين مدن العالم أجمع.
• شاع فى آونة الأخيرة خبر تعرض مدينة الأسكندرية للغرق مرة أخرى فما صحة هذه المقولة؟
هذا الكلام غير دقيق وتقوم جهات معينة في الدولة المصرية بحماية مدينة الإسكندرية وشواطئها من نحر البحر في أماكن عديدة على ساحل مدينة الإسكندرية.
• هل نطمع فى أن تفتحون لنا خزانة أسرار المدينة الغارقة أمام ساحل الإسكندرية؟
هناك بعثة من المعهد الأوروبي للآثار تقوم بالعمل في موقع المدينة الغارقة برأسه فرانك جوديو. وقد اكتشفت البعثة هذا الأثر العظيم الذي يعود تاريخه إلى عصر البطالمة. والمدينة تدعي هرقليون وهي من أهم المدن التي كانت ترجع إلى العصور المتأخرة من مصر القديمة قبل نشأة مدينة الإسكندرية، ومكانها حاليا هو خليج أبو قير.
تم اكتشاف العديد من الآثار في هذه المنطقة على يد بعثة المعهد الأوروبي وهو فريق مصري فرنسي يعمل في هذا الموقع، ولكن أهم اكتشاف هو الاكتشاف الأخير وهو مركب ترجع تاريخها إلى العصور البطلمية وهو اكتشاف هام جدًا، وتم العثور معه على العديد من الفاكهة والسلال التي لم نراها من قبل في هذه المنطقة.
البعثة التي تعمل في مدينة أبو قير تقوم بعمل حفائر في مدينتين كنوب وهرقليون منذ فترة طويلة، وتم اكتشاف العديد من الأبنية للمدينة الغارقة وامتداداتها، وهذه المدينة تم تأسيسها في عهد الأسرة الـ 26 الفرعونية وبها العديد من الموانئ التي كانت تستعملها مصر للتواصل مع باقي دول العالم.
وتم اكتشاف العديد من الأواني الفخارية والعملات الذهبية والبرونزية من العديد من العصور مثل العصر البطلمي والبيزنطي التي كانت في المدينة، بالإضافة إلى الحلي والذهب والخواتم والأقراط، وهذا يؤكد أن المدينة كانت مأهولة بالحياة تقريبا منذ القرن الرابع قبل الميلاد إلى العصر الإسلامي.
أن البعثة التي تعمل في هذه المنطقة تعمل منذ زمن طويل، وقد اكتشفوا قبل ذلك أثر كان عبارة عن رأس للملكة أرسنوي الثانية من العصر البطلمي في يونيو عام 2000م.
وهذه البعثة كانت تعمل من قبل في منطقة الميناء الشرقية بجوار قلعة قايتباي في تسعينات القرن الماضي، وبعدها بـ 4 سنوات اتجهوا إلى موانئ أبو قير لاكتشاف المدن الغارقة.
وتم اكتشاف في هذه المنطقة معبد رئيسي لإله المدينة يدعي «أمون جرب» والعديد من الأواني الفخارية الخاصة بمراسم المعبد، وموائد من القرن الثاني والثالث قبل الميلاد وعملات برونزية للملك بطليموس الثاني وأجزاء من أعمدة بـ ارتفاعات 3 أمتار.
• كثير من الأعمال الفنية والدرامية تتعرض للرفض والانتقاد من قبل علماء التاريخ والآثار، فهل هذا يرجع للتلاعب بالأحداث التاريخية أم لسوء اختيار الممثلين والديكور؟
إن الشكل الذي ظهر به أحد الفنانين من خلال الصور المتداولة لأحد المسلسلات منذ فترة لا يمت لعالم الفراعنة بصلة، ولم يعرف الملوك الفراعنة اللحية إلا في المناسبات، وكانت لحية مستعارة يلبسها الملوك لأغراض طقسية ودينية. وتعد الملابس التي كان ظهر بها الفنان غير مصرية، ولم يكن هناك ملك مصري قديم أشقر أو ذو أعين ملونة وجميع الملوك المصريين القدماء كانوا سمر اللون، وهناك الفنان عمرو سعد أو الفنان ياسر جلال الأجدر على القيام بذلك الدور لقرب ملامحهم من ملامح المصريين القدماء. وأحمس كان في سن صغيرة عندما قام باستكمال الكفاح بعد الملك سقنن رع والملك كامس عن الفنان الذي كان مرشحًا للقيام بالدور، وكان السبب في أخطاء هذا المسلسل عدم مراجعته من قبل علماء آثار متخصصين وكانت أعمال المخرج شادي عبد السلام رحمه الله في قمة العظمة من ناحية الديكور والملابس واللغة وكل شيء وعليهم أن يتعلموا منه، وكان هذا المسلسل يحتاج لمراجعة دقيقة للسيناريو والحوار وكل متطلبات المرحلة التاريخية من أسلحة وديكور وملابس واكسسوارات. يجب أهمية إتقان الأعمال التاريخية عن مصر القديمة لأن المشاهدين وخاصة الشباب منهم يأخذ معلوماته من الدراما.
• بعض الشركات تقوم بتطبيق التكنولوجيا الحديثة لمحاولة التوصل إلى ملامح القدماء المصريين.. فما تقيمكم لهذه التجارب؟
إن هناك محاولات عديدة لإعادة رسم بعض ملوك المصريين القدماء مثل الملك أخناتون ورمسيس الثاني، وكلها محاولات للوصول للشكل المصري القديم، ولكنها بعيدة كل البعد عن الروح المصرية والملامح المصرية المعروفة. وغالبية هذه التجارب تتم بعيدة عن علماء المصريات، وكلها يتم استخدام تقنيات فيها لا علاقة لها بالمتخصصين، وكلها تكون أشبه بالخيال العلمي وبعيدة عن الواقع بنسبة كبيرة وليست طبيعية. وبالنسبة لنا مصر القديمة هي حلم العالم ومعبده، وهناك شيء اسمه الولع بالمصريات، وبالتالي بعض الشركات تقوم بتطبيق العلم الحديث على القدماء المصريين، ولكن عادة لا تكون الأشكال التي يصلون إليها بعيدة عن الواقع، ولكن يمكن أن نقول إن علم المصريات مازال مثيرًا للغرب بنسبة كبيرة. وأطوال القدماء المصريين لم تكن كما يتخيلها البعض، بعكس ما تظهر في المعابد، فكانت تلك الأعمال التي يقوم بها القدماء المصريين كانت نوعا من الدعاية السياسية لبث الرعب في قلوب الأعداء.
• هل لنا بمعرفة المزيد عن مقبرة “بتاح- م- ويا» التى تم اكتشافها بمنطقة سقارة وقيمتها التاريخية وما مردود اكتشافها على السياحة في مصر؟
كشف مهم وسوف يجذب الأنظار والسياحة لمصر. ويعتبر موقع الكشف مهمًا؛ لأنه يضم مقابر كبار رجال الدولة الحديثة من عصر الأسرة التاسعة عشرة والمكمل لموقع مقابر الأسرة الثامنة عشر والتي من أهمها موقع القائد العسكري حور محب. وأهمية اكتشاف هذه المقبرة تتمثل في المناصب التي شغلها صاحبها باعتباره الكاتب الملكي، ورئيس الخزانة، وكبير المشرفين على المواشي، والمسؤول عن القرابين الإلهية في معبد رمسيس الثاني بطيبة. وينضم هذا الاكتشاف الأثري المهم إلى مجموعة الاكتشافات التي قامت بها بعثة حفائر جامعة القاهرة مثل مقبرة عمدة منف بتاح-مس، والسفير الملكي للبلاد الأجنبية باسر، والقائد الأعلى للجيش إيورخي، في منطقة سقارة. والمقبرة تعود إلى الطراز المميز به هذا الموقع، والذي يطلق عليه المقبرة-المعبد، حيث يتكون من مدخل على هيئة صرح يليه فناء أو أكثر، وتنتهي المقبرة في جهة الغرب بالمقاصير للمعبودات، يعلوها هريم.
• في رحلة سريعة عبر الزمن حدثنا عن الدور المحورى للجيش المصري عبر العصور وإلى الآن؟
يُعدّ الجيش المصري العظيم هو صمام أمان الأمة المصرية منذ الأزل والدرع الواقي الذي يحمي مصر من الأخطار الداخلية والخارجية منذ أقدم العصور إلى الآن. وكان المصري القديم يميل بطبعه للسلم ولا يميل للحرب ولا يلجأ إليها إلا دفاعًا عن نفسه وبلاده؛ لذا نرى أن العقيدة العسكرية المصرية هي عقيدة ثابتة راسخة تُبنى على الدفاع عن الأوطان ولا تُبنى على الاعتداء على الآخرين. والجيش المصري هو أول جيش نظامي في التاريخ. وعلى الرغم من أن الجيش المصري كان يقاتل بضراوة في مواجهة جيوش الأعداء، فإنه كان يتعامل بمنتهى الرقي والتحضر مع المدنيين والمنشآت المدنية؛ لأن الجيش المصري يؤمن بأن قوته ليست في عسكريته فحسب، بل تكمن في سلوكه المتحضر أيضًا.
ويرجع تدريب الجنود المصريين على ضوابط وأخلاقيات العسكرية المصرية العريقة، من خلال عدم التعدي على المدنيين، ومن خلال عدم تنفيذ أي عمليات سلب أو نهب للمناطق التي يمرون عليها أثناء أدائهم مهمتهم في تأمين الحدود المصرية، إلى عقيدة الجيش المصري الثابتة، وهي أنه يقاتل الأعداء المهاجمين له فقط ولا يفعل أي جرائم حرب قد تشوه تاريخه العسكري المشرف الناصع البياض؛ نظرًا لأن الجيش المصري لا يخالف أخلاقيات وأعراف وتقاليد القيم العسكرية الثابتة. وبهذا يتضح أن مصر الفرعونية أبدعت الأخلاقيات العسكرية في العالم، وأن الأخلاقيات العسكرية المصرية عريقة عراقة مصر الفرعونية في وضع قواعد أخلاقيات الجيوش والحروب منذ آلاف السنين، وأنها بذلك قد سبقت المواثيق الدولية في العالم
• هل تميز الفراعنة كمحاربين فقط أم كدبلوماسيين أيضًا؟
تميز الملوك المصريون القدماء كمحاربين وكدبلوماسيين. وكان الملك هو رأس الدولة المصرية القديمة، وكان مصدر كل السلطات خصوصًا السلطتين الدينية والدنيوية حتى يكون قادرًا على النهوض بمهام الملكية المقدسة المُلقاة على عاتقه. وكان الملك يدير السياسة الداخلية ممثلًا في منصب الوزير، سواء كان وزيرًا لمصر كلها أو وزيرًا للشمال وآخر للجنوب أو ممثل الملك في النوبة وكبار رجال الدولة وحكام الأقاليم. وكان للملك الحق في إصدار المراسيم والقوانين التي تكفل تحقيق العدالة والأمن والاستقرار للمجتمع.
• حتى آثار قدماء المصريين لم تسلم من الفتاوى المضللة مثل التي صدرت من الشيخ أحمد كريمة حين قال: «أن فتح قبور الفراعنة فى الأصل ممنوع، وممنوع استخراج جثامين أجدادنا الفراعنة وعرضها فى فاترينات مقابل حصد الدولارات من زوارها»؛ فبرأيكم ما السبب وراء تدخل علماء الدين فيما لا يعنيهم وهم ليسوا على دراية كاملة بعلم الآثار؟
أرى أن يتكلم في الآثار علماء الآثار وليس أي أحد غير متخصص في الآثار، كما أن علماء الآثار لا يتحدثون في غير تخصصهم.
• حدثنا عن أهم موضوعات العرض الدائم لسيناريو المتحف اليوناني الروماني الجديد؟
سوف يراعى عند التطوير والتحديث الخاص بالمتحف اليوناني الروماني الاحتفاظ بواجهة المتحف كلاسيكية الطابع للتعبير عن الفترة اليونانية المليئة باتجاهات فكرية مختلفة، والتي تعايشت بجانب بعضها البعض، بالإضافة إلى طرح أقسام جديدة بالمتحف لخدمة الفكر المتحفي الحديث، حتى يكون مؤسسة علمية منافسة على مستوى عالمي، على أن تكون موضوعات العرض الدائم لسيناريو المتحف اليوناني الروماني الجديد تغطى مساحات تاريخية من تاريخ مصر القديمة بوجه عام، والإسكندرية بوجه خاص.
وسوف يتم تناول الدولة الحاكمة والحياة السياسية في مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، بجانب عرض شكل الحياة اليومية اليونانية والرومانية بالإسكندرية (المجتمع السكندري)، وعرض فكرة الديانة والعبادات في العصرين اليوناني والروماني (العبادات والديانة)، من خلال مجموعات المتحف اليوناني الروماني المعروفة والمميزة مثل مجموعة الرأس السوداء، ومجموعة أرض المحمرة، وعرض معبد التمساح ـ سوبك، والذي يرجع إلى عصر الملك البطلمي بطلميوس السابع.
وسوف يتم التركيز على فكرة الإسكندرية والمعرفة والعلوم الفكرية، حين كانت الإسكندرية منارة للعلوم والثقافات الحضارية المختلفة، وكانت قبلة يحج إليها جميع علماء وفلاسفة العالم القديم لما لها من تأثير ثقافي وحضاري. وسوف يتم التعبير عن النشاط الفني بالإسكندرية من خلال المسرح، وعبادة المعبود ديونيسيوس (راعى المسرح) في الإسكندرية. وسوف يتم عرض التطور العقائدي الجنائزي في العصرين اليوناني والروماني، من خلال المومياوات والأواني الكانوبية والتمائم وشواهد القبور الجنائزية وبورتريهات الفيوم والتوابيت عبر العصور المختلفة التي مرت بها الإسكندرية بوجه خاص، ومصر بشكل عام.
وسوف يتم عرض الفن البيزنطي والفن القبطي من خلال البقايا المعمارية المميزة (أفاريز، وزخارف السقوف، وقواعد الأعمدة، وعوارض، وتيجان، ومعموديات، ونسيج، وعملات، ومجموعة الراعي الصالح (جداريات ومنحوتات ومسارج وقنينات).
وفى الطابق الأول المضاف للمتحف، سوف يتم عرض فكرة التجارة والتبادل التجاري والعلاقات الخارجية الاقتصادية والحربية والصناعات الصغيرة والحرف المصرية (العاج، والعظم المشغول، والحلى، والفيانس وورشه، والبرونز، والزجاج) المنتشرة في أرجاء مصر المعمورة في العصور القديمة، والتي كان يتم تبادلها مع بعض الدول الصديقة.
وسوف يزود المتحف بصالة لكبار الزوار، وقاعة للمؤتمرات، ومكتبة خاصة بالمتحف اليوناني الروماني، والتي تضم أندر الكتب بالعالم.. وأخيرًا قاعة للتربية المتحفية لجذب الأطفال إلى المتحف من خلال الورش والأنشطة المختلفة التي تهتم برفع الوعي الأثري لدى الأطفال.
ويهدف العمل على تطوير المتحف اليوناني الروماني إلى تعزيز الرسالة العلمية والثقافية التنويرية للمتحف، ويعد هذا المتحف واحدًا من أهم وأعظم متاحف منطقة حوض البحر المتوسط بأسرها.
• تستعد محافظة الأقصر، لحدث كبير وضخم وهو احتفالية طريق الكباش، فما توقعاتكم لتلك الاحتفالية؛ هل ستكون على نفس مستوى موكب المومياوات؟ وكيف ترون أهمية هذا الحدث للسياحة في مصر؟ وما هو «عيد الأوبت»؟
سوف يكون على أعلى مستوى وسوف يضيف للسياحة المصرية الكثير وتتجه أعين العالم كله في الفترة القادمة إلى مدينة الأقصر، (أو «مدينة طيبة» القديمة)، الأثرية العالمية، لمشاهدة افتتاح طريق الكباش للزيارة والاحتفالات التي كان يقوم بها القدماء المصريون منذ أكثر من خمسة آلاف عام خلال «عيد الأوبت».. فما قصة طريق الكباش؟ وما حكاية «عيد الأوبت»؟
طريق الكباش، أو طريق «أبو الهول» بمعنى أصح، هو طريق كان يربط بين معابد الكرنك في الشمال ومعبد الأقصر في الجنوب، وكان يمتد بطول حوالي 2700 متر. وكانت تحفُّ به تماثيل «أبو الهول» في معابد الكرنك على شكل «أبو الهول» برأس كبش، والكبش هو رمز الإله آمون رع المقدس. وأطلق المصري القديم على هذا الطريق اسم «وات نثر»، بمعنى «طريق الإله». وعُرف في معابد الكرنك باسم «تا ـ ميت ـ رهنت»، وتعنى «طريق الأسود» أيضًا. وكان يوجد حوالي 1200 تمثال على جانبي الطريق.
و«عيد الأوبت» هو احتفال مصري قديم كان يُقام سنويًا في طيبة (الأقصر) في عصر الدولة الحديثة وما بعدها. وكان يتم فيه نقل تماثيل آلهة ثالوث طيبة المكونة من: «الإله آمون، والإلهة موت، وابنهما الإله خونسو»، داخل مراكبهم المقدسة في موكب احتفالي كبير، من معبد آمون في الكرنك إلى معبد الأقصر، في رحلة تمتد إلى حوالي 2700 متر. وكان يتم التأكيد في ذلك الاحتفال على لقاء الإله آمون رع، رب معابد الكرنك، مع الإله آمون، رب معبد الأقصر، وتجديد الولادة، وكان الموضوع الأساسي في ذلك الاحتفال، وكذلك إعادة تتويج الملك وتجديد شرعيته لحكم البلاد.
وجاءت كلمة الأوبت من التعبير «حب نفر إن أوبت» في اللغة المصرية القديمة.. ويعنى «العيد الجميل الخاص بالأوبت». وكان يتضمن ذلك الاحتفال أيضًا اللقاء السنوي والزواج المقدس بين الإله آمون رع وزوجته الإلهة موت. وكان يتم نقل تمثال الإله آمون رع من قدس الأقداس في معبده بمعابد الكرنك ووضعه في زورقه المقدس. وكانت تُحمل الزوارق المقدسة الخاصة بالرب آمون رع وزوجته الربة موت وابنه الرب خونسو على أكتاف الكهنة، وكانت الرحلة تبدأ بالزوارق المقدسة وسط مجموعة من العازفين والموسيقيين والزمارين ومجموعة من الجنود على العربات الحربية متجهين إلى معبد الأقصر على ترانيم تُمجّد الإله آمون رع وتُعلى من شأنه وتدعوه إلى إسباغ فضله وحمايته ورعايته على ملك البلاد. وكان يبحر قارب ملكي مع قوارب الآلهة المقدسة. وكانت الطقوس في «غرفة الملك الإلهي» تعيد الاحتفال بتتويج الملك، وبالتالي تأكيد أحقيته بمُلك البلاد.
وفى نهاية الاحتفالات في معبد الأقصر، كانت تعود المراكب المقدسة مرة أخرى إلى معابد الكرنك. وفى الاحتفالات المتأخرة من تاريخ مصر القديمة، كان يتم نقل التماثيل من وإلى معابد الكرنك ومعبد الأقصر عن طريق القوارب في النهر، وليس عن الطريق البري.
ونتوقع احتفالية عالمية تليق بمصر العظيمة ومكانتها الخالدة لدى الجميع في جميع أنحاء العالم، وإن شاء الله لن تقل إبهارًا عن احتفالية نقل المومياوات الملكية، في ظل احتفال مصر بالعيد القومي لمحافظة الأقصر الغالية، وفى ضوء اهتمام الدولة الكبير بمدينة الأقصر العالمية، وفى الذكرى التاسعة والتسعين لاكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون.