بقلم: سونيا الحداد
تحدثت مرارا خلال السنتان الأخيرتان عن مدى تأثري العميق من جميع السلبيات والنكسات الروحية والفكرية التي مررت بها نتيجة الأوضاع المحلية والدولية لدرجة أنني اخترت حينها الهروب كالنعامة آلتي تطمر رأسها في التراب هربا من الحقيقة والاعتزال لمدة ستة شهر دون أي اختلاط اجتماعي أو كلمة اكتبها. ابتعدت عن أي خبر أو حدث سلبي إنقاذا لروحي. قررت حينها صدفة ولغاية اليوم، أن أنغمس في مشاهدة البرامج والأفلام التاريخية بشوق وشغف كبيران لدرجة أنه باتت هذه الهواية هي معلمي، ملهمتي والسبب الرئيسي في إنقاذ روحي وإعادتي إلى عالم الواقع، أكثر قوة وسعادة، أكثر قناعة وجرأة على مواجهة الحياة وأكثر حكمة في تقبل جوانبها السلبية والايجابية التي لولاهما لما تواجد هذا الكون ولا هذه الحياة.
كيف تمكنت هذه العزلة وهذه الهواية من إنقاذي فعلا ، إنه سؤال وارد خاطري عبر تساؤلات، تأملات وتحليلات شخصية عشتها في كل ثانية خلال مشاهداتي وأبحاثي المكثفة يوميا. مشاهدات لحقائق أرعبتني جدا ومنها ما أسعدني جدا، مما جعلني أنسى الزمان والمكان وأتواجد في عالم الماضي والحاضر والمستقبل. أذهب إلى عملي اليومي لكن فكري يبقى حيث تركته في عالمي المفضل أعد الساعات توقا الى العودة. ابتعدت دون قصد عن أصدقائي وخاصة فايسبوك لكنني استمريت على صلة بكل ما يحيط بي ولو من بعيد. هذا الهروب من عالم السلبيات كان بالحقيقة الباب الذي فتح لي كي أدخل هذا العالم وأتعلم ولوج جوانبه المتناقضة بين الإيجابي والسلبي وإدراك أنهما الانعكاس المباشر لوجه واحد، لإنسان واحد، لعالم واحد، لكون واحد. أدركت أنه لولا جرأتي على مواجهة السلبي لما تمكنت من استيعاب الايجابي. لما تمكنت من تنمية طاقاتي وتوازنها، والرحلة لم تنته بعد.
شعرت في يوم ما ببعض الذنب أن قلمي بات سلبيا جدا لكنني في الحقيقة كنت جريئة جدا في المثابرة على نهجي وقد بدأت حينها الخطوة الأولى في مساري نحن النور وكيفية إيجاده، كيفية مواجهته. أدركت قيمة التواجد السلبي في حياتي، قيمة الأقلام السلبية وقدرتها على تمهيد الطريق لنا في إيجاد النور من خلال تقبلها، مناقضتها والتحاور معها. أقلام تضع بين أيدينا الحقيقة الكاملة ، حقيقة قد تدفعنا إلى شفير اليأس لكنها تعلمنا كيفية التوقف في الوقت المناسب والاختيار. إذا لم نتقبل السلبي كيف نبحث عن الايجابي ونجده؟ هذا هو حال الحياة منذ بدء الحياة والي الأبد. هذا هو الدرس الذي علينا استيعابه من خلال هذه المسيرة كي نتمكن من الانتقال إلى حقائق أخرى علينا إدراكها في هذا العالم. إنه التحدي الأكبر لكن الحياة جديرة به!