بقلم: تيماء الجيوش
بالمبدأ أن تُعالج مسألة العنف ضد المرأة من قبل الحكومات والنظم السياسية يعني أن عوامل أربعة هامة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حين صياغة إستراتيجية في هذا الصدد ألا و هي: القانون و معايير السياسة، تقديم الدعم والحماية للضحايا، جمع البيانات ، و العمل على زيادة الوعي.
منذ البدء عُدّتْ معاهدة المجلس الأوروبي CoEأو ما يُعرف بمعاهدة استانبول للعام ٢٠١١ معاهدة تاريخية وذلك لسببين رئيسيين ، أولهما أنها تأتي بإطارٍ قانوني يشمل القارة الأوروبية بمجملها . و ثانيهما و هو الأهم أنها تهدف إلى احترام مبدأ المساواة ، حماية المرأة من العنف و أشكاله ، معاقبة مرتكبيه، و من ثم القضاء عليه.
عّرفت المعاهدة العنف على انه جندري أي ليس فقط هو اختلاف بيولوجي بين المرأة و الرجل ، بل إن المجتمع يحدد و يُشّذب ما يجده مناسباً للنساء و الرجال من ادوار مجتمعية و سلوك و كل ما يُعزى الى كليهما و بالتالي قد تُحرم المرأة في مجتمعٍ ما من حقٍ أصيل لها لمجرد كونها إمرأة كأن يكون جنسها مانعاً لها من العمل في مجالات أو اختصاصات محددة و هذا خرق للحقوق الاقتصادية.
من هذا التعريف انتقلت المعاهدة في عدة مواد الى أنواع العنف و شملت من حيث النتيجة العنف الجسدي، الجنسي، النفسي، الاقتصادي، التهديد، الحرمان من الحرية في الحياة الشخصية و العامة.
و اهتمت بفئات من النساء اللواتي يُعدن فئات ضعيفة لظروف معينة طارئة كالنساء الحوامل، نساء ذوات الإعاقة، الفئات التي تعيش في المناطق النائية، ذوات الإعاقة العقلية او المعرفية، نساء الأقليات ، النساء المهاجرات، النساء اللاجئات …الخ،
و شددّت على أن العنف هو خرق لحقوق الإنسان و عملياً ما يعنيه هذا تشريعياً و سياسياً أن الدول الأطراف لــ المعاهدة تُلقى على عاتقها مسؤولية استجابتها لأفعال التعنيف و أشكال التمييز ضد المرأة فمن حيث المبدأ العنف مُدان بالمُطلق و بالتالي لا بد من اعتماد كل الإجراءات و التعديلات التشريعية الموائمة لمنع ذلك و منها إلغاء الممارسات و القوانين التمييزية الجزائية و المدنية و العائلية و الحرص على أن القوانين الدستورية يضم متنها و موادها احترام مبدأ المساواة و مناهضة العنف ولا يمكن بحال قبول العوامل الثقافية، التقاليد، العرف، الشرف أو الدين اساساً لمحو الصفة الجرمية عن العنف .
و هي بحق أعتُبِرتْ أنها المعاهدة الأكثر شمولاً في تناول انتهاكٍ من الخطورة بمكان ضد المرأة و حقوقها. كما و تميزت المعاهدة بسعيها الى معالجة الذكورية في المجتمعات الموقعة عليها داعيةً الرجال و الشباب الى تغيير مواقفهم. ناهيك عن أنها قامت بإنشاء آلية لضمان تنفيذ أحكامها من قبل الأطراف الموقعة و المُصدقة عليها.
سبق المعاهدة مبادرات و قرارات على الصعيد البرلماني الأوروبي تتناول حقوق المرأة على وجه الخصوص كان منها على سبيل المثال و ليس الحصر جرائم الشرف، الزواج بالإكراه، زواج الأطفال، الاعتداءات الجنسية، الاغتصاب ، قتل النساء feminicides ….الخ.
برز توقيت المعاهدة (٢٠١١)آنذاك مع الحاجة الى تبني إستراتيجية عامة لمنع العنف ضد المرأة في دول مجلس اوروبا كافة. تنبه المهتمون بالشأن النسوي و حقوق الإنسان الى أن العنف ضد المرأة يتصاعد و لم يُحجّم و أن هناك حاجة أساسية لتنسيق المعايير القانونية لدى الدول الأعضاء ، بمعنى و على سبيل المثال أن ما هو جرم في هذا البلد هو جنحة او مخالفة في ذاك و ما قد يستدعي اعتقالاً قد لا يكون محتملاً في بلد آخر. و ما ينص عليه التشريع في السويد جرماً قد لا يكون جرماً في فرنسا و هكذا.
حينها كان لا بد من مرجعية قانونية ، قانون دولي، معاهدة يعود إليها الدول ، الحكومات و البرلمانات في هذا الشأن أي دول المجلس الأوروبي CoE. فكل تقدم يُحقق ما هو إلا مساحة كريمة تُمارس فيه المرأة حقوقها . و على هذا وُضِع ثقل مهم على صياغة التشريعات لا سيما القوانين الجزائية و السلطات القضائية و التنفيذية بما فيها مراحل التحقيق و خطواتٍ قانونية مدروسة لمساعدة الضحايا من النساء عبر تقديم الخدمات و سدّ الثغرات التي يمكن أن تطفو مع تطبيق القانون هذا او ذاك. المعاهدة لم تغفل عن دور المنظمات و الأجهزة المعنية بتنفيذ القانون إن كانت تهدف الوصول الى إستراتيجية متكاملة للقضاء على العنف ، و أيضاً أخذت بعين الاعتبار أهمية التعاون الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.
من يقرأ المعاهدة سيجد اهتمامها بآليات المراقبة التي أعُتمِدت حيث تمّ إسنادها الى فريق من الخبراء المستقلين و ذوي خبرة في قضايا المساواة ، حقوق الإنسان ، القوانين الجزائية و ممن يختصون بالعمل ضد العنف المنزلي و العنف ضد المرأة GREVIO و لجنة الأطراف اي ممثلي الدول الموقعة على الاتفاقية.
على الصعيد الأوروبية تعددت المتغيرات الاجتماعية، الاقتصادية و السياسية، متغيرات على الحركة النسوية ، تغير الوعي و تطور الحركة التشريعية ساهمت جميعاً في النص على هذه المعاهدة و الأهم انه كان هناك إرادة سياسية في صياغتها و من ثم التوقيع و التصديق عليها. لا يخفى على الخبراء و المختصين في حقوق الإنسان و الشأن النسوي أن القانون يجبُّ الثغرات و يدفع الى مزيد ٍ من احترام حقوق الإنسان. في البلدان العربية تختلف التشريعات على درجات متفاوتة و تجاربها التشريعية على مدى عشر سنين الماضية تراوحت بين شدٍ و جذب، و ربما خطوة نحو الأمام و خطوتين أو أكثر نحو الخلف لكن يبقى أن معاهدة عربية لمناهضة العنف ضد المرأة ممكنة جداً. معاهدة استانبول نموذجاً.
أسبوع سعيد لكم جميعاً.