بقلم: د. حسين عبد البصير
تكملة للعدد الماضي:
وكان عصر الدولة القديمة بداية قوية للتوغل الكبير في الجنوب. وكانت فترة عصر الانتقال الأول فترة غير مستقرة في مصر. ثم جاء عصر الدولة الوسطى وتبدأ سياسة تمصير الجنوب بشكل كبير ومنهجي جعل مصر العنصر الأكثر فاعلية هناك. وبدأت مصر في إقامة القلاع والحصون وبناء التجمعات المصرية لتأمين الحدود وصد أية هجمات قد تهدد الحدود وجلب خيرات هذه البلاد إلى البلاط المصري. وبناء على ذلك، قام الملك العظيم سنوسرت الثالث بتوسيع حدود مصر الجنوبية في النوبة حيث أقام سلسلة من القلاع النهرية الضخمة منها بوهن وتوشكي ووصل إلى الجندل الثالث. وهناك مسلة تذكر إنجازاته الحربية في النوبة.
ومرت مصر بمحنة الهكسوس وتحالف حكام النوبة مع الهكسوس ضد مصر. ونجح أحمس الأول في طرد الهكسوس. وجاء الخلفاء العظام تحتمس الأول وتحتمس الثالث وتم تأسيس الإمبراطورية المصرية في الشرق الأدنى القديم والنوبة. وقام فراعنة الدولة الحديثة بتأمين حدود مصر وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها. وشن الملوك أمثال تحتمس الأول وحفيده تحتمس الثالث الحملات العسكرية ومدوا نفوذ الفراعنة إلى بلاد النوبة، وذلك تدعيمًا للولاء وللحصول على الواردات الأفريقية المطلوبة لمصر. وتم ضم النوبة إلى الممالك التابعة للإمبراطورية المصرية وتم تعييين أحد الممثلين لمصر لحكم هذه البلاد نيابة عن الفرعون العظيم، وأخذ لقب «ابن الملك في كوش». وجاء أهل هذه البلاد يحملون الجزية لبلاط الملوك المصريين القدماء كما هو مصور، على سبيل المثال، في مقبرة الوزير رخ مي رع الموجودة في البر الغربي لمدينة الأقصر، والذي كان يعمل وزيرًا للملك الفاتح العظيم الملك تحتمس الثالث من عصر الدولة الحديثة.
بعد نهاية عصر الدولة الحديثة انهارت هيبة مصر انهيارًا كبيرًا. واستقل ملوك مملكة كوش أو الكوشيون وأسسوا مملكتهم التي تمركزت في نباتا في جنوب السودان. وقام الكوشيون خلال تلك الفترة بغزو مصر تحت قيادة الفرعون بعنخي أو بيا، وسيطر على طيبة والدلتا ومن ثم سيطر الملوك الكوشيون على مصر في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد حكموا الملوك الكوشيون مصر باعتبارهم الأسرة الخامسة والعشرين. وحكم ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية مصر الفرعونية فيما يعرف تاريخيًا بعصر الانتقال الثالث. وقام الكوشيون بحكم مصر لمدة تقرب من مائة عام، ومن أشهر ملوك تلك الحقبة الفرعون الكوشي طاهرقا والذي تم تتويجه في منف بمصر. وحكم طاهرقا كوش ومصر معًا، وقام بترميم المعابد المصرية في الكرنك، كما قام ببناء العديد من المعابد والأهرامات الجديدة في النوبة. غير أن دولة كوش الضعيفة لم تستطع أن تستمر في حكم مصر القوية. وبعد فترة من حكم الكوشيين لمصر، بدأ الآشوريون هجومهم وغزوهم لمصر. فحارب كل من الملكين الكوشيين طاهرقا وخليفته تانوت أماني الآشوريين. وفي نهاية المطاف، أجبر الآشوريون الملوك الكوشيين على العودة إلى بلادهم، واحتلوا منف، وعزلوا معابد طيبة. وهكذا انتهت الأسرة الخامسة والعشرون الكوشية. وحلت مكانها أسرة مصرية أصيلة من أعماق الدلتا المصرية من مدينة سايس أو صا الحجر الموجودة في مركز بسيون في محافظة الغربية الحالية، وأسست ما يعرف بعصر الأسرة السادسة والعشرين أو العصر الصاوي نسبة إلى عاصمتهم. وقام بسماتيك الثاني بحملة ضد النوبيين ودمر آثارهم في كل مكان. وقام فراعنة الأسرة السادسة والعشرين الصاوية بتقليد كل ما هو جميل في عصور الازدهار السابقة. وكانت تلك الأسرة من أجمل وآخر الومضات الحضارية في مصر القديمة. وبحلول ذلك العصر المتأخر، بسطت مصر نفوذها على أرض النوبة إلى أن دخلت الحضارة الفرعونية إلى مرحلة الذبول والنسيان مع دخول الإسكندر الأكبر أرض مصر، فغربت شمس مصر الفرعونية، وتحولت مصر إلى مملكة يحكمها الغرباء. وانتهت مصر الفرعونية باحتلال الإسكندر الأكبر لها. وتحولت مصر إلى جزء من العالم الهيللينستي، ثم ازدهرت مع عصر البطالمة، وصارت جزءًا مهمًا من العالم الروماني والبيزنطي ثم من العالمين المسيحي والإسلامي إلى وقتنا الحالي.
إيزيس الألمانية
اكتشف علماء آثار ألمان تمثالاً صغيرًا من العصر الروماني للملكة المصرية القديمة إيزيس، وجاء الاكتشاف للتمثال الذي يبلغ طوله نحو ثمانية سنتيمترات والمصنوع من الصلصال خلال حفريات في مدينة كريفيلد غربي ألمانيا، وقال باحث الآثار التابع لمدينة كريفيلد، هانز بيتر شليتر، هذا اكتشاف غير عادي من العصر الروماني في منطقة الراين السفلي.
وأوضح شليتر، التمثال الذي تم العثور عليه لامرأة تجلس على العرش وتضع طفلاً على أرجلها، وهذا التصوير للآلهة المصرية هو نموذج لسيدتنا مريم ويسوع الطفل، وكانت قوات مساعدة رومانية قد تمركزت في مدينة كريفيلد من عام 70 بعد ميلاد المسيح.
وجرى اكتشاف التمثال الصغير ومعه إبريق من الصلصال في حفرة نفايات قديمة، من جانبه، قال عالم الآثار إريك شبونفيله إن هذا الإناء ربما كان جزءًا من مذبح منزلي، ويعرض تمثال إيزيس داخل المتحف الأثري في مدينة كريفيلد إلى جانب اكتشافات أخرى من بينها عملات معدنية وجرار وأسلحة وهيكل عظمى لخيل.
يشار إلى أن عملية التنقيب التي تمت منذ عامين أسفرت عن العثور على 90 ألف اكتشاف، وكان المعسكر جزءًا من تأمين الحدود الرومانية على نهر الراين في مواجهة القبائل الجرمانية، وحسب رأى علماء الآثار الألمان، فإن من الممكن أن يندرج هذا الشريط الحدودي (للإمبراطورية الرومانية) في ولاية شمال الراين ويستفاليا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ومن المحتمل أن تصدر المنظمة الأممية قرارًا بهذا الشأن في يوليو من العام المقبل.
قد غزت الإلهة المصرية إيزيس العالم قديمًا، خصوصًا في الفترة الرومانية. وكانت الإلهة المصرية تُحارب في البداية من جانب الإمبراطورية الرومانية، ثم صار الأباطرة الرومان يعترفون بها. وكان الجنود والبحارة في الفترة الرومانية يرفعون تمثال إيزيس كربة حامية إذا تعرضوا لأية مخاطر كارتفاع مياه البحر أو تعرضوا للغرق. وكانت معابد إيزيس تُبنى بكثرة في أرجاء الإمبراطورية الرومانية في أوروبا الحالية، خصوصًا في إيطاليا وألمانيا. وكان الجنود الرومان يتعبدون لها كإلهة حامية وربة محلية في عدد كبير من المدن والمقاطعات في الإمبراطورية الرومانية. ويؤكد هذا على عظم الديانة المصرية القديمة والثقافة والحضارة المصرية وغزوها لأوروبا في العصر الروماني حين كانت إيزيس المصرية سيدة لروما وغيرها من مدن ومقاطعات الإمبراطورية الرومانية. وفي الفترة المسيحية تم تشبيه وتصوير السيدة مريم العذراء بالربة إيزيس والسيد المسيح بالرب حورس الطفل، خصوصًا في المشهد الشهير لجلوس حورس على حجر أمه الربة إيزيس والسيد المسيح على حجر أمه السيدة مريم العذراء عليهما السلام.
هرمان يواجهان الأهرامات
نشرت صحيفة «إكسبرس» البريطانية تقريرًا حول عالمة آثار أمريكية ادعت عثورها على موقعين لأهرامات غير مكتشفة في مصر، بفضل صور الأقمار الصناعية، وحددت العالمة الأمريكية الموقعين على طول حوض النيل، بفارق 90 ميلاً، كلاهما يحتوي على تلال ذات شكل غير عادى.
وادعت أنجيلا ميكول، باحثة في علم الآثار، بشكل مثير، أنهما موقعان هرميان ضائعان في مصر، بعد أن أمضت 10 سنوات في دراسة Google Earth، حيث تم قياس أحد الاكتشافات، والذي قالت إنه يبلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجم هرم الجيزة الكبير.
ويقع الموقع الأول إلى جانب النيل في صعيد مصر، على بعد 12 ميلاً من مدينة أبو سيدهم والثاني 90 ميلاً شمالاً، وتحتوي على شكل رباعي الجوانب يبلغ عرضه 140 قدمًا. وتضمن الموقع الثاني هضبة مثلثة يبلغ عرضها 620 قدما، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف حجم الهرم الأكبر في الجيزة، ما يجعله أكبر اكتشاف على الإطلاق، حسب ما جاء بـ RT، وكتبت ميكول على موقع Google Earth Anomalies في عام 2012: «بعد الفحص الدقيق للتكوين، يبدو أن هذا التل لديه سطح مستو للغاية وصاغ مثلثا متماثلا بشكل غريب تآكل بشدة مع مرور الوقت.
وتابعت: «يحتوي الموقع الثاني على مركز مربع مميز، وهو أمر غير معتاد للغاية بالنسبة إلى تل من هذا الحجم ويبدو شبه هرمي عند رؤيته من الأعلى، مضيفة من الواضح جدا ما قد تحتويه المواقع، ولكن هناك حاجة إلى إجراء بحث ميداني للتحقق من أنها في الواقع أهرامات مفقودة.
وقال جيمس هاريل، الأستاذ الفخري للجيولوجيا الأثرية في جامعة توليدو، لموقع لايف ساينس، إن هذه الاكتشافات «هي أمثلة على التكوينات الصخرية الطبيعية التي قد يتم الخلط بينها وبين السمات الأثرية شريطة ألا يكون هناك أي عبء على أي علم للآثار أو الجيولوجيا. وبعبارة أخرى، فإن أهرامها هي مجرد أمنيات من قبل مراقب جاهل بخيال مفرط.
والحقيقة العلمية تشير إلى أن هذا الكلام غير منطقي على الإطلاق، ولا نعرف عالمة الآثار هذه، وإن هذه التكوينات ربما تكون تكوينات جيولوجية أو صخرية من عصور جيولوجية سحيقة في القدم، ولا نعلم بوجود أهرامات في هذا المكان، وليس من المنطقي أن نطلق على أي تل أو جبل أو أي تكوين جيولوجي ضخم أو مرتفع لفظ «الهرم»؛ وذلك لأن الأهرامات المصرية ظهرت في عصر الأسرة الثالثة في هرم سقارة المدرج ثم تطورت في أهرام الملك سنفرو في عصر الأسرة الرابعة في أهراماته الأربعة في ميدوم في بني سويف ودهشور بمحافظة الجيزة وسيلا بالفيوم إلى أن وصلنا إلى هرم الجيزة الأكبر والأضخم والأشهر والأهم بين الأهرامات المصرية، ثم استمرت الأهرامات المصرية في عصر الأسرات التالية في عصر الدولة القديمة، ثم استمرت في عصر الدولة الوسطى، مع الكثير من الاختلافات بين هذه الأهرامات، واستمر الشكل الهرمي والفكرة الهرمية في عصر الدولة الحديثة أيضًا. ولا أعتقد أن ما أعلن عنه ينتمي لفكرة ووظيفة وشكل الأهرامات كما يعرفها علماء المصريات في العالم كله، وإن ما ذكرته الباحثة هو نتاج محض خيال خصب، ولا ينتمي ما تقوله إلى منطق العلم والعلماء وعلم الآثار وعلم المصريات كما ندرسها ونعرفها في الجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة في مصر والعالم كله.