بقلم: عادل عطية
حاول أن يفتح أجفانه المُتعَبة، على صوت اقترابي من سريره، الذي يحمل رائحة المرض. وبكلمات متعثّرة، أشار إلى نفسه، وقال: «لم يتبق لي سوى كلمات قليلة، وأُنهي صفحتي الأخيرة، من كتابي هذا، الذي تراه»!
ـ كتابك!
«كتابي الأقرب إليّ، الذي أكتب صفحاته، منذ وهبني الله حياة الجسد: بأعمالي، وأفكاري، وسلوكي. إنّه كتاب الأيام، فصوله هي: علاقاتي بنفسي، وبالآخرين، ثم علاقتي بالله. إنّه الكتاب الذي لم يطّلع أحد على كامل فصوله، ولا أعلم بعد تفاصيل فصله الأخير. هذا الكتاب تؤلفه أنت وأنا، حتى ولو لم يعرف أحدنا القراءة والكتابة، ونمليه على ملائكة السماء، ليسجلوه في صفحات بيضاء أو سوداء، تشهد لنا أو علينا. نكتبه من نسخة واحدة، لكن هذه النسخة هي أفخر الطبعات، وأخلدها، وأغلاها ثمناً. فقد يكون ثمنها ناراً حارقة في درك الجحيم، أو فردوساً وارفاً يمتد في أعماق السرمدية»!
ـ لا بد انك سجلت في كتابك، فصولاً كثيرة رائعة. وأنت تحتاج الآن أن تفكر في قمة أحداث رواية العمر!
أغمض عينيه لبرهة، كأنه يجعل من الماضي حاضراً، ومن ثمّ خرج من صمت الأبجدية، وأفصح لي: «لقد ملأت كتابي بالكذب، ولكن الله حررني بالحق. وملأت كتابي بالزخارف الشكلية، فجمّلني بغفرانه وكماله. غسل كتابي من الخطيئة، وبّيض صفحتي بالصفح المضيء، وقبل توبتي، ووجهني إليه. كان ذلك وقت الإثارة والتحوّل في حياتي، واللحظة الحاسمة التي أخرجتني من سياق الأعداد الزاحفة على أرض الفناء؛ لأنطلق فيها إلى أجواء الوعي الروحي المتطلع إلى السماء».
وصمت بعمق، فقد أغلق الموت كتاب عمره، بينما بدت على مُحيّاه، ما يشير إلى أنه أحسن خاتمته، وأنه تحقق من أن أيامه المقبلة ستكون أبدية. ومازال حضوره الأبويّ، يحتلّ المكان، كأنما خرج في مشوار، ولن يلبث أن يعود!