بقلم / مسعود معلوف
تأسست مجموعة الدول السبع عام 1975 وكان عدد أعضائها في البداية ست دول هي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ثم انضمت اليها في العام التالي كندا، وفي العام 1998 اضيفت روسيا الى هذه المجموعة برغبة من الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلنتون أيام الرئيس الروسي بوريس يلتسن، فأصبحت تعرف بمجموعة الدول الثماني الى أن عادت واصبحت مجددا مجموعة السبع عام 2014 بعد اجتياح روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا حيث ألغي اجتماع القمة الذي كان مقررا عقده في مدينة سوتشي الروسية في ذلك العام ولم تعد روسيا عضوا في هذه المجموعة.
مجموعة الدول السبع ليست منظمة دولية لها أجهزة ومكاتب دائمة، بل هي تجمع لدول صناعية رأسمالية متقدمة اقتصاديا تهدف في الأساس الى معالجة المشكلات الإقتصادية العالمية مثل التضخم المالي والبطالة والركود، وقد تأسست على اثر حظر تصدير البترول الى الولايات المتحدة عام 1973 وما نتج عن ذلك من مشكلات اقتصادية في العالم.
انضم الإتحاد الأوروبي الى هذه المجموعة عام 1981 وأصبح يشارك في كافة اجتماعاتها على مختلف الأصعدة، وهو يعتبر بمثابة العضو الثامن في المجموعة دون أن يكون له حق استضافة او ترؤس اجتماع قمة، مع العلم ان اجتماعات القمة السنوية لهذه المجموعة يشارك فيها وزراء المالية والخارجية للدول الأعضاء وهؤلاء الوزراء يجتمعون أيضا فيما بينهم مرة أو أكثر في السنة، والبيانات التي تصدر عن القمة ليست ملزمة للدول الأعضاء.
مع أن مجموعة الدول السبع تأسست في البداية لمعالجة المشكلات والأزمات المالية والإقتصادية، إلا أنها مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وسعت محاور اهتماماتها لتشمل أمورا متنوعة مثل الأمن الدولي وحقوق الإنسان وعدد من المشاكل الدولية كالحرب العراقية الإيرانية، واحتلال الإتحاد السوفياتي لأفغانستان، ومسائل سياسية دولية متعددة أخرى.
تعقد هذه المجموعة اجتماعا سنويا على مستوى القمة برئاسة إحدى الدول الأعضاء بالمداورة، والدولة التي تترأس وتستضيف الإجتماع تتولى التنظيم وسائر تفاصيل الإعداد، وتدعو من تشاء من الدول الأخرى بصفة مراقب.
اجتماع القمة هذه السنة هو الإجتماع السنوي التاسع والأربعين للمجموعة، وقد استضافته اليابان من 19 الى 21 أيار/مايو في مدينة هيروشيما لما في ذلك من رمزية ضد السلاح النووي إذ أن هذه هي المدينة التي ألقت فيها الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية عام 1945 ما ادى الى مقتل عشرات آلاف اليابانيين، وقد تميز افتتاح القمة بزيارة الى المتحف التذكاري للسلام في هيروشيما ووضع أكاليل زهور تذكارية.
لقد دعت اليابان عددا من الدول لحضور الإجتماعات بصفة مراقب، وهذه الدول هي: أوستراليا، البرازيل، جزر القمر، الهند، اندونيسيا، كوريا الجنوبية، أوكرانيا وفيتنام، بالإضافة الى عدد من المنظمات الدولية من بينها الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة الدولية للتجارة.
بالرغم من تعدد المواضيع التي كانت على جدول أعمال هذه القمة، إلا أن الموقف من روسيا في حربها على أوكرانيا والتوسع الصيني في العالم كانا الموضوعان اللذان تصدرا اهتمامات الرؤساء في هيروشيما. كما أن مشاركة الرئيس الأوكراني زيلينسكي يومي 20 و21 كان لها وقع كبير على المشاركين وقد يكون حضوره ساهم في التشدد في البند المتعلق بالحرب الروسية على أوكرانيا في البيان الختامي وفي العقوبات الإضافية التي فرضت على روسيا.
أما فيما يتعلق بالصين، فقد أشار البيان الختامي لاجتماعات هيروشيما بصورة انتقادية مباشرة الى التوسع الصيني في المجالين العسكري والإقتصادي، مع انتقاد واضح لما تقوم به الصين من “تجييش” لمنطقة بحر الصين الجنوبي، وضغوط وتدخلات اقتصادية تهدف الى زعزعة سلامة المؤسسات الديمقراطية والإزدهار الإقتصادي. علما أن البيان نفسه أوضح أن مجموعة الدول السبع لا تهدف الى إيذاء الصين أو عرقلة تقدمها الإقتصادي، ولكنها تدعو الصين الى التعاون مع هذه المجموعة في مسائل المناخ وإعادة هيكلة الديون في الدول المحتاجة وفي أمور مشتركة أخرى، كما أنها تدعو الصين الى الضغط على روسيا لإيقاف حربها على أوكرانيا وسحب جيوشها من هذه الدولة.
جدير بالتوضيح أن البيان الختامي لهذه القمة والمؤلف من أربعين صفحة بدأ بالتأكيد على اتخاذ اجراءات عملية “لدعم أوكرانيا، مهما تطلب ذلك من الوقت، في وجه الحرب العدوانية الروسية غير المشروعة”، كما يتحدث البيان عن التوافق على أمور عديدة أخرى من بينها عدم انتشار الأسلحة النووية، والأمن الإقتصادي، والتغير المناخي، وتعزيز الشراكات مع دول أفريقية، ومسائل الطاقة، والصحة، والتجارة العالمية، والأمن الغذائي، والتربية والتعليم، والعلوم والتكنولوجيا، وموضوع “الجندرة”، ومشكلات حقوق الإنسان واللجوء والنزوح والديمقراطية، ومحاربة الإرهاب والتطرف، كما تطرق البيان في نهايته الى المشكلات الإقليمية القائمة حاليا في مختلف مناطق العالم وأهمها بالإضافة الى مسألة تايوان والصين ما يتعلق بتطوير كوريا الشمالية لأسلحة نووية، والأوضاع في ميانمار والقمع العسكري لتحركات المواطنين فيها، وما يجري في أفغانستان من تقييد لحقوق الإنسان، والتشديد على عدم السماح إطلاقا لإيران بتطوير أسلحة نووية، وكذلك دعم سيادة واستقلال دول آسيا الوسطى، والتعاون مع دول أميركا الجنوبية وأمور متفرقة أخرى.
وبالنسبة الى منطقتنا العربية، تطرق البيان بوضوح الى مسألتين هامتين:
- فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، دعا البيان كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين الى اتخاذ الخطوات اللازمة لبناء الثقة في سبيل تحقيق حل الدولتين، مطالبا الجميع بعدم اتخاذ خطوات أحادية ، بما في ذلك نشاطات استيطانية ودعوات للعنف، مع الإلتزام باستمرار تقديم الدعم للإعتماد الذاتي للفلسطينيين في المجال الإقتصادي وكذلك دعم منظمة الأونروا.
- فيما يتعلق بسوريا، أكد البيان الختامي على استمرار التزام مجموعة الدول السبع بقرار مجلس الأمن رقم 2254 مع التشديد على أن التطبيع مع سوريا من قبل المجتمع الدولي ودعم مشاريع إعادة الإعمار ينبغي أن تحصل فقط عند تحقيق تقدم حقيقي ومستدام في الحل السياسي، أي أن مجموعة الدول السبع لا تؤيد التطبيع بما في ذلك عودة سوريا الى جامعة الدول العربية إلا عند حصول تقدم ملموس في الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن.
تطرق أيضا البيان الى ضرورة إيجاد حل سياسي للوضع في اليمن وفي السودان، مع تشجيع للحكومة التونسية على تحقيق آمال الشعب التونسي في مجال تطبيق الديمقراطية في البلاد، ودعم الجهود الرامية الى تأمين الإستقرار في ليبيا برعاية الأمم المتحدة وبالتنسيق مع الإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.
كان ملفتا ما قامت به الصين بالتزامن مع انعقاد قمة الدول السبع إذ دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ رؤساء دول آسيا الوسطى أي كازاخستان وكيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزباكستان الى اجتماع قمة في إحدى مدن الصين الغربية حيث جرى البحث في سبل تعزيز التعاون المشترك عبر توسيع شبكات القطار فيما بين هذه الدول وتطوير مصادر الغاز والبترول بغية تأكيد الدور المتنامي للصين في هذه المنطقة من العالم.
من جهة أخرى، كان من المقرر أن ينتقل الرئيس الأميركي جو بايدن عند انتهاء القمة الى أوستراليا للمشاركة في اجتماع قمة الرباعية المؤلفة من كل من الولايات المتحدة وأوستراليا والهند واليابان، وهي مجموعة تهدف الى الحفاظ على أمن منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ في وجه أطماع الصين التوسعية في هذه المياه وخاصة في مضيق تايوان، ولكن مفاوضات رفع سقف الدين العام مع قادة الحزب الجمهوري وقرب انتهاء مهلة تمكن الولايات المتحدة من تسديد ديونها في حال لم يتم التوافق على رفع هذا السقف مع ما قد ينتج عن ذلك من أزمات اقتصادية ومالية في الولايات المتحدة وانعكاساتها على الإقتصاد العالمي، كل ذلك أدى الى اضطرار الرئيس الأميركي الى إلغاء زيارته الى أوستراليا وزيارة أخرى كانت مقررة الى بابوا وغينيا الجديدة ليعود مباشرة الى واشنطن، فتم عقد اجتماع الرباعية في هيروشيما فور الإنتهاء من اجتماعات قمة الدول السبع.
ردات الفعل على البيان الختامي لم تكن مفاجئة إذ انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف البيان بشدة متهما الدول السبع بأنها تحاول ردع روسيا والصين، أما ردة الفعل الصينية فقد كانت أقوى من المتوقع إذ أعربت وزارة الخارجية الصينية عن احتجاجها الواضح والقوي عبر استدعاء السفير الياباني في بيجينغ من قبل نائب وزير الخارجية فور انتهاء اجتماعات القمة وإبلاغه رفض الصين التام لمندرجات البيان المتعلقة بها، معتبرا ذلك تدخلا سافرا في الشؤون الصينية الداخلية، كما أن إحدى الصحف التي تعبر عن وجهة النظر الصينية الرسمية وصفت قمة الدول السبع في هيروشيما بأنها “ورشة عمل ضد الصين”.
وبالرغم من هذا الموقف الصيني القوي ضد قمة الدول السبع، اعتبر الرئيس بايدن انه يتوقع انفراجا في المستقبل القريب في العلاقات مع الصين، بالرغم من عدم وجود مؤشرات واضحة تثبت ذلك.