بقلم: حسّان عبد الله
ما إن تظهر موجة تكنولوجيّة جديدة حتّى يهلّل أهلها زاعمين أنّها الحلّ الحاسم للمشكلات التي نجمت عمّا سبقها من تكنولوجيّات ، فمع ظهور تكنولوجيا الصناعة راج الكلام على أنّها هي التي ستخلّصنا ممّا خلّفته تكنولوجيا الزراعة ، ولكن تبيّن لنا فيما بعد أنّ تكنولوجيا الصناعة قد نجم عنها مشكلات كثيرة تفوق في حدّتها تلك التي وعدت بحلّها من تدمير للبيئة واستنفاد للموارد الطبيعيّة وسوء استغلال للعمالة وزيادة الفجوة بين طبقات المجتمع ،فضلًا عن الاغتراب النفسي وتفشّي السلبيّة وتدنّي القيم الروحيّة وتضخّم النزعة الاستهلاكيّة . وها هو المشهد نفسه يتكرّر مع ظهور تكنولوجيا المعلومات ،فهي التكنولوجيا النظيفة ،الودود مع البيئة التي ستخلّصنا من سلطة المؤسسات وتتيح المعرفة للجميع وتطلق القدرات الإبداعيّة للفرد وتخلّص العالم من أسباب النزاع ليهنأ بسكينة دائمة ،وليتحوّل عالم اليوم الزاخر بالصراعات والتناقضات إلى قرية كونيّة وديعة يسودها السلام والوئام بين جميع الأنام . لقد نسي مبشّرو عصر المعلومات هؤلاء أنّ التكنولوجيا على مدى تاريخها قد انحازت دومًا إلى صفّ القويّ على حساب الضعيف واستحالت سلاحًا تمادت القلّة القادرة في استغلاله من أجل إحكام قبضتها على الأغلبيّة المستضعفة ، ولقد نسي هؤلاءالمبشّرون أيضًا أو تناسوا أنّ الظواهر السلبيّة لأيّ تكنولوجيا لا تظهر إلّا بعد مرور وقت ليس بقصير .فما فعلته عوادم السيّارات بالبيئة وما فعله غيرها بطبقة الأوزون لم تظهر آثاره إلّا بعد عدّة عقود من التراكم التدريجي . وليس من شكّ في أنّ لتكنولوجيا المعلومات مثلها في ذلك مثل التكنولوجيّات الأخرى ،وجهها القبيح الذي أخذت ملامحه تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم ، وبتنا نسمع عن عنف عصر المعلومات وإرهابه ،وقد اتّخذ صورًا مختلفة أشدّ الاختلاف عمّا سبقها سواء من حيث الأساليب أو وسائل التّصدّي ، والأهم من هذا وذاك آثارهما المباشرة وغير المباشرة في الفرد أو في المجتمع الإنساني بصفة عامّة وهكذا فإنّ التكنولوجيا وجدت دائمًا في خدمة القويّ على حساب الضعيف الذي كان يطمع في خيرها لا شرّها ،وهذه التكنولوجيا كانت دائمًا خدّاعة بمعنى أنّها تظهر أوّلًا بوجهها الإيجابي الحسن ولا ينكشف وجهها القبيح إلّا بعد فوات الأوان .