بقلم: إدوار ثابت
ملخص العدد السابق
أحبها رغماً عنه ومن غير أن يتحكم في نفسه ودون أن يدري أو يحتاط فهي متزوجة وقد أطلع على كتاب أستاندال الأديب الفرنسي (عن الحب) الذي تحدث فيه عن نشأة الحب وتطوره فوضع لذلك سبع مراحل . أما هو فقد مر بكل هذه المراحل معها .
وتتطور مشاعره إليها فتبلغ تلك المرحلة التى تسمى التبلور الأول التي تتطور فيها مشاعر العاشق فتبلغ بعض ذروتها فإذا هو دائم التفكير فيها وكأنما ترافقه وتلازمه في كل وقت مكان عندما يقرأ ويكتب وعندما يأكل ويشرب وعندما يسير ويتمهل وكأنها معه لا تتركه ولا يتركها بل قبل أن ينام وكأنها معه وبعد أن يصحو وكأنه يلقاها بل ما أكثر ما يحلم بها في نومه فيستمتع بشكلها وهي إلى جانبه تناجيه ويناجيها وإذا هو يضفي عليها خصالاً ومميزات يستهويهما فيها وجمالاً شكلياً وحسياً لا يشعر بهما إلا فيها ولا يراهما في غيرها قد أثر فيه وأثرت هي فيه بهما فبدا لا يمتعه إلا هي ولا يأنس إلا بها ولا تروقه غيرها فهي التي يلتذ بها ولا يلتذ بسواها حتى بدا يتمنى أن يفعل لها ما يستطيع حتى يرضيها وحتى ترضى فيغتبط إذا أحس ذلك بها أو لاح ذلك عليها حتى أضحى يحصر سعادته في إرضائها وفي رضائها فليتها ترغب في شئ تسأله عنه حتى يسعى إليه مستمتعاً لا يتخاذل ليحقق لها ما ترغب فيه ولكنه مع كل ذلك يشعر بالأسى والإلتياع من هذا الحرمان الذي يتأصل بينه وبينها . أما مرحلة الشك التي يشك فيها العاشق حتى يعرف أن لحبه صدى في نفس من يحبها فيشتد ليتأكد مما يدل عليه فهي مختلفة عما يشعر إليها به ومضادة له ، فالأنسان قد يسعى إلى الشك كما يقول (ديكارت) ليعرف اليقين وليتأكد من الحقيقة أما هو فكيف يشك وهو يعرف اليقين ، بل لماذا يشك وهو يعرف قبل أن يشك فهي لاتعي ولا تعرف شيئاً عن حبه وعشقه وهي لا تفهم ولا تبالي ولا تهتم ولا تأبى له بل ولا تدري ولا تعتقد ولهذا لا يطمح إلى أن يلحظ منها صدى لحبه في نفسها فكل ما يطمح إليه منها شيئاً أو شيئين لا أكثر منهما وهما لا يكثران لرقتها عليها وهما التقدير لشخصه أولاً ثم التقدير لحبه الذي تملك منه رغماً عنه ولم تكن له طاقة على أن يتنصل منه لو عرفت أو أعتقدت إذا خانه حرصه يوماً على إخفائه عنها بل يكاد يقول – وأن تعرف هي – أن المبرر له ولعشقه ذلك القوى الملتاع ليس هو وإنما هي ، نعم .. هذا المبرر هي المسئولة عنه فهو الذي سيطر عليه بل هي التي سيطرت عليه به وهو شخصيتها الرقيقة وجمالها الفتان . وتظل تلك المرحلة التي يسميها ستاندال في كتابه (عن الحب) التبلور الثاني والتي يبلغ فيها الحب والعشق أقساهما فإذا هو ، وقد نشأ حبه ونما وتتطور حتى تملك منه فأشتد وقوى وبلغ أقصاه ، يلمس فيها كل المزايا المغرية ، ويكشف كل يوم مزايا جديدة فيها في شخصيتها وخصالها وفي سلوكها وجمالها فيلتذ بما يلمح عليها ويروقه ما يرى فيها منها فملك كل ذلك على نفسه وأضحى يصرفه عن كل شئ إلا هي بل ويصرفه عن كل فتاة و كل إمرأة مهما تتميزا به غيرها فظل يرغب بل يتمنى أن يفعل لها شيئا تحتاج إليه حتى يسعى إليه في سرعة وهمة فإذا هو يستدني الوقت الذي تسعى هي فيه إليه بشئ تحتاجه ليحققه لها على الفور حتى جاء ذلك اليوم وكان المبرر له سيارتها مرة ثانية فقد رأها على الطريق إلى جانبها وقد بدا عليها بعض الأرتباك والقلق تنظر فيهما إلى ساعة يدها وأمام السيارة عامل يفحصها في دقة وكأنما يصلح عطلآ بها فما أن لحظته حتى ألتفتت وتطلعت إليه في أهتمام بدا عليها فيهما وكأنما سينقذها من مما بها فما أن يحييها حتى تومئ له في سرعة وتقول له في حيرة أن عليها الأن أن تذهب لإحضار أبنها الصغير من مدرسته وقد تأخرت ولا تستطيع أن تترك العامل وسيارتها فأستأذنته هو في حرج أن يحضره فلم يتأنَ بل أستمتع لإحتياجها إليه وتفكيرها فيه حينذاك وأحس أن ذلك أمراٌ عليه أن يؤديه بلا تمهل تمثل فيه قول أمرئ القيس في معلقته : « وإنك مهما نأمري القلب يفعل فذهب بسيارته مسرعاً وهي لا تغيب عن خياله فأحضر لها الصبي فتبتهج وتبتسم له وتشكره في شئ من الحنو أحسه منها فيومئ لها هو في هدوء وقد ألتذ ببهجتها وأستمتع بأبتسامتها ولكن من الحق رأى شكرها ناقصاً فقد كان عليها أن تفعّلَه بشئ يلتذ له ويشتاق إليه ولكنها لم تفعل . هكذا تحدث الأديب ستاندال في كتابه « عن الحب « عن نشا’ الحب ونموه وتطوره حتى يبلغ أقصاه ووضع بذلك سبع مراحل ولكن الشاعر أحمد شوقي يوضح مراحله في بيت فقط من أبيات قصيدة له يقول فيه : « نظرة فأبتسامة فسلام .. فكلام فموعد فلقاء . وقد كانت بينهما النظرة فرنا إليها ورنت إليه فأستمتع ببريق عينيها الناعستين اللتين تزيدانها جمالاً . وكانت بينهما الأبتسامة فراقته أبتسامتها الحانية الشيقة . وكان بينهما السلام فحيته وحياها وصافحته وصافحها فأحب تحياتها الرقيقة وهوي مصافحتها الغضة التي يتمنى ويخجل فيها من أن يضم كفها . وكان بينهما الكلام فالتذ برنة حديثها وبحة صوتها العذبة ، فلو ضحكت فضحكها يترقرق في دلال ولو صاحت أو أنفعلت فعليهما رقة تمتزج بهما . كل ذلك وغيره أثر فيه فمسه الحب وتملكه العشق فلم تغب عن باله ولم تبرح خياله دون أن تعرف ومن غير أن تلحظ . أما الموعد واللقاء فكان بينهما ، رآهما هو هكذا رغماً عن أحمد شوقي فليقل كما يشاء ولكنهما كانا بينهما فقد جاءت إليه يوماً وقد تأكدت من قدراته اللغوية وأيقنت معرفته بالشعر والأدب فسألته عن شاعر مصري معاصر هل يعرفه فيبتسم ويومئ لها بنعم ويقول لها بيتاً من أبيات قصيدة له ويحدثها عنه قليلاً فتبدو عليها أبتسامة راضية حانية تأكدت فيها من تحقيقه ما ترغب فيه فتمتعه أبتسامتها وعندما يستفسرها توضح له أن على أبنها أن يكتب عنه ببحث عليه ولكنها لا تعرف أين تحصل على المصادر التي يطلع عليها ويستخدمها
لذلك فيقول لها غداً سيحضر لها بعض المصادر التي تتحدث عن هذا الشاعر فتنظر إليه وتشكره في حنو ورقة ، فكانت هذه هي المرة الأولى التي تنظر إليه في هذا الإعجاب الذي تخيله وكأنما قد عرفت مكانة شخصيته ومقدار ثقافته اللتين لا يبخل بهما عنها ولا يمتنع بهما عن أرضائها بما تحتاج إليه ، واللتين بدا عليها قد عرفتهما من قبل ولكنها تأكدت منهما في ذلك الوقت ، ولكنه لم يعرف حقاً هل أوضحت نظرتها هذه عن إحساسه بمكانته وتقديره وبعطائه الذي لا يبخل به عنها وهل تخيلت أو أحست بحبه وعشقه أم هو الذي تخيل نظرتها هكذا أو أشتاق أن تكون هكذا قد صدرت منها . ولم يكن أستمتاعه بأحتياجها إليه وبنظرتها التي أشتاق مضمونها فحسب وإنما قد رأى أن ذلك اليوم هو الموعد بينهما وأن الغد هو لقاؤهما رغماً عن أحمد شوقي في رؤيته إلى الموعد واللقاء بين العاشقين . وإذا هو يذهب من الغد إلى المكتبة العامة التي يذهب إليها كثيراً ليقرأ ويكتب فيبحث عن ذلك الشاعر وعن بعض الوثائق والمصادر التي تتحدث عنه وعنه بعض كتبه وأشعاره التي نظمها ، وهو في ذلك يستدني لقاؤهما الذي رأه لقاء عاشقين فما أن ترى ما أحضره لها من هذه المصادر يقدمه إليها وقد أستمتع بما فعل حتى تبتهج وتبتسم له في حنو ورقة وحتى تشكره فيهما فتروقه بهجتها ويلتذ من أبتسامتها ولكن من الحق كاد أن يكره شكرها ، وهل يكره الإنسان الشكر ؟! قد يخجل منه تواضعاً أما هو فقد أوشك أن يكرهه فقد رأه ناقصاً بل غير ما ينبغي أن يكون !!! وما الذي ينبغي أن يكون ؟ أن تحتضنه وتقبله وتتركه يحتضنها ويقبلها ، هذا ما تخيله وأشتاق إليه ولكنها لم تفعل .
البقية في العدد القادم .