بقلم: فـريد زمكحل
كانت من أولويات حاكم مصر الألباني محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة خلال فترة حكمه لمصر من سنة 1805 وحتى 1848، القضاء على كافة مظاهر التفرقة والتمييز التي كانت حاضرة بقوة بين أقباط مصر من المسيحيين وبين أقباطها من المسلمين من خلال بسط وتطبيق مبدأ المساواة التامة بينهما في كل الحقوق والواجبات بإلغاء الزي الذي كان يتحتم على الأقباط المسيحيين إرتدائه للتمييز بينهم وبين غيرهم من المسلمين مع رفعه لكل القيود التي كانت مفروضة عليهم وتحد من حرية ممارستهم لطقوسهم الدينية مع تعيين العديد منهم «كمأمورين» لمراكز برديس والفشن بالوجه القبلي، وديرمواس وبهجورة والشرقية، وهي وظيفة تُعادل أو توازي منصب المحافظ في عالم اليوم، كما أنه لم يعترض أو يرفض لهم أي طلب تقدموا به له شخصياً لبناء أو لترميم وإصلاح بعض الكنائس، وهو أول حاكم مسلم قام بمنح رتبة البكوية لبعض الموظفين من المسيحيين المصريين وذلك وفقاَ لما جاء في كتاب الدكتور مصطفى الفقي بعنوان «الأقباط في السياسة المصرية».
والمهم والأهم في نظري هو استمرار أبناؤه وأحفاده على ذات النهج والمنهجية بعد وفاته، وكان أولهم سعيد باشا الذي حكم مصر من سنة 1854 حتى سنة 1863 الذي قام بإلغاء الجزية التي كانت تُفرض على المسيحيين وقام بتطبيق قانون الخدمة العسكرية عليهم أسوة بالمواطنين المصريين من المسلمين، وفي عهده دخل المسيحيين للمرة الأولى بالسلك العسكري والقضائي وسافر بعضهم للدراسة في أوروبا، وفي عهده أيضا تم تعيين أول حاكماً مسيحياً مصرياً على مصوع بالسودان.
الأمر الذي سمح للنُخَب القبطية بالتعاطي إيجابياً مع النظام السياسي، وقد وصف البعض العهد الخديوي بالعصر الذهبي للأقباط في تاريخ مصر الحديث حيث حدث التحول من نظام الملل إلى نظام المواطنة الحديثة في الدولة الحديثة، وقد استمر تحسن الأوضاع في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية بعد أن جرى العُرف على تعيين قبطي مسيحي في كل وزارة منذ سنة 1883 حتى ارتفع العدد إلى قبطيين ولأول مرة في سنة 1924 عند قيام الزعيم الخالد سعد زغلول بتشكيل وزارته.
وخلال العهدين الملكيين للملك فؤاد والملك فاروق من بعده تم تعيين قبطيين في منصب رئاسة الوزراء، الأول هو بطرس باشا غالي الذي اغتاله الشاب ابراهيم الورداني في 20 فبراير سنة 1910، أما الثاني فكان السيد يوسف وهبة باشا الذي تم تعينه رئيساً للوزراء من سنة 1919 حتى سنة 1920 والذي لم يعين أي قبطي مسيحي من بعدهما وإلى اليوم لشغل هذا المنصب الرفيع في الدولة مرة أخرى، بينما استمر تبوأ الأقباط كوزراء لبعض المناصب الوزارية قرابة 12 مرة في فترة حكم الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان وهو يعتبر الرقم الأكبر في تاريخ مصر الحديث، بينما تراجع الوضع منذ قيام ثورة يوليو سنة 1952 حيث تقلد العدد القليل من المسيحيين بعض الحقائب الوزارية غير المؤثرة أو المهمة منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر مروراً بالرئيس السادات ثم الرئيس مبارك وحتى اليوم ما أدى إلى تراجع وانسحاب المسيحيين من المشاركة المجتمعية بالتدريج في كافة المجالات بعد اعتماد الدولة لإستراتيجية «المسيحيون في جيب البابا والبابا في جيب السُلطة» بحسب ما جاء في كتاب المفكر القبطي ميلاد حنا وبخطه في كتابه «أزمة الأقليات في الوطن العربي».
ما أدى إلى تراجع الدور المصري شيئاً فشيئاً حتى أضمحل في عهد الرئيس السيسي وفي طريقه للتلاشي إن لم تحدث معجزة إلهية بظهور زعيم وطني مصري يتمتع بما كان يتمتع به محمد على باشا غير المصري الأصل من حكمة ورؤية وانضباط في إدارة شئون الدولة بعيداً عن الفساد السائد منذ قيام ثورة يوليو إلى اليوم وأطاح بثروات البلاد وبرخائها الاقتصادي، الزراعي والصناعي، وبتاريخها الثقافي والفني والتعليمي والصحي والرياضي إلى آخره وأولاً وأخيراً بالقيم والأخلاقيات والضمير المجتمعي العام.
من فضلكم أعيدوا مصرنا للوراء .. لأنها كانت أكثر تقدماً ورائدة لوطننا العربي الكبير من المحيط إلى الخليج في جميع المجالات!
ربما عادت تيران وصنافير لحدودنا المعروفة وعادت حصتنا المشروعة في مياه نهر النيل العظيم إلى ما كانت عليه!