بقلم : خالد بنيصغي
منذ إعلان المغرب اهتمامه بالتنمية البشرية كقاطرة نحو التقدم والازدهار ، ونحن ننتظر دون أن نرى هذه الأهداف تتحقق على أرض الواقع .. فلماذا لا تتقدم دولنا العربية بما يليق بها من كيان ذي قيمة ورِفعة ؟؟
الجواب عن هذا السؤال يستوجب الحديث عن الإنسان ذاته الذي يمثل القطاعات المختلفة للدولة ، لأن التقدم يكون بالإنسان وليس بالموارد الطبيعية فقط ، فأغلب التفكير دائما يسير بنا نحو الحديث عن ثروة وغنى البلدان بمواردها الطبيعية فقط ، كالنفط والذهب والصيد والسياحة والماء والصناعات الكبيرة والهامة كالأدوية والأسلحة والطائرات والسفن والسيارات وغيرها … لكن في الحقيقة هذه الموارد وحدها غير كافية ليعيش أي مجتمع كيفما كان بالرفاهية اللائقة إن لم تتوفر لديه عدالة اجتماعية وتنمية بشرية وطنية حتى النُّخاع ..
في اعتقادنا إن الوزارات وموظفي الدولة في أغلب القطاعات يمكن لهم جميعا الإبداع وتحقيق مكاسب مادية ومثالية لبلدهم بشرط توفر الإخلاص في العمل والتفاني في سبيل نهضة الوطن ، لكن ما نراه اليوم في بلادنا العربية عامة وبالمغرب بشكل خاص على اعتبار أنه وطننا الأصلي الذي نحبه بكل صدق ، ونبكي لما نراه من شُحِّ في خدمته لدى العديد من مواطنيه الذين غلبت عليهم شقوة الحياة ، ولا يهتمون إلا بأنفسهم ولو على حساب الوطن ، ودون أي رقيب أو حسيب قانوني رادع حتى يستقيم الكل ، نحن لا ننكر هنا وجود مسؤولين وموظفين مخلصين ، إننا نؤمن بكل ما يقدمونه من تضحيات في جميع القطاعات لوطنهم ، لكن عددهم لا يكفي كي يزدهر الوطن ، لذلك لابد من العدالة الاجتماعية والمساواة ، واستقلال القضاء الذي من واجبه تطبيق القوانين على صغير المجتمع وكبيره ، فقيره وغنيِّه .. لأن قطاع العدالة كافٍ لإصلاح كل القطاعات الأخرى بسلطان المراقبة والقانون دون تمييز بين أفراد المجتمع ، فالعدالة مثلها مثل « المَعَّاز « عند راعي الغنم ، الراعي ولكي يتغلب على قطيع الغنم كله ، يربط على عنق « المَعَّاز « ناقوساً صغيرا ، ثم بعد ذلك فقط يراقبه بمفرده تقريبا ، ويقوده أينما أراد السير بباقي أغنام القطيع كله ، فيكفي أن يتحرك « المَعَّاز « ليُحْدِث ضجيجاً بالناقوس الذي على عنقه ، فتسمعه باقي الأغنام فتتبعه بكل سهولة وسلاسة .. وبذلك يسهل على الراعي قيادة ورعي كل القطيع ..
في اعتقادنا أن بلداننا العربية النامية لا تحتاج إلى البحث عن موارد طبيعية في الوقت الراهن ، بقدر ماهي مطالبة بالتنمية البشرية الصحيحة وصناعتها بما يليق وسمعة هذه الدول الإسلامية ، لأن الإنسان الصالح يستطيع أن يجلب الخير العميم بما يساوي مورداً من موارد الطاقة الهامة ، بشرط توفر العدالة الاجتماعية وتنفيذ القانون بالمساواة بين كل أفراد المجتمع ، فمثلا كما نرى في دولة متقدمة ككندا ، فهي بالإضافة إلى مواردها الطبيعة تتوفر على مواطنين مخلصين في عملهم ، وبالتالي فهم مخلصون لدولتهم ، ونأخذ على سبيل المثال قطاع الأمن الذي يُدِرُّ على الدولة مداخيل بملايين الدولارات ، فقط لأن رجل الأمن أو شرطي المرور لا يأخذ رشوة من المواطنين الذين يرتكبون الأخطاء أثناء السياقة ، وبالتالي فعوض أن يملأ جيبه بتلك الرشوة الممنوعة قانونيا وأخلاقيا ، فهو يملأ صندوق وطنه بما يكفي من ملايين الدولارات ، وقس على ذلك جميع القطاعات الأخرى ، في حين لا زالت الرشوة وتبذير واختلاس المال العام تنخر المجتمع المغربي وكل المجتمعات العربية النامية ، وخلاصة القول إن مثل هذه القطاعات الحيوية وبتوافر الإخلاص في العمل تصبح مربحة وكأنها دخْلاً قارّاً تعتمد عليه الدولة وكأنه مورد طبيعي مثله مثل النفط أو الذهب أو صناعة الأدوية ….
لا شك في أن مراقبة الغش ومحاربة الرشوة بالعدل والمساواة في تطبيق القانون سيدفع بلداننا العربية إلى التقدم الحقيقي ، ولو كانت موارده الطبيعية قليلة أو محدودة ، لأن الدولة لا يمكنها أن تكون قوية بدون رصيد مالي هام ، وعوض أن يذهب المال العام لجيوب المرتشين والمختلسين والمراوغين ، يجب أن يذهب لخزينة الدولة ، وسيكون الفرق صارخاً بيْن ما نراه اليوم من ضعف الدولة وفقرها إلى قوة الدولة وهيبتها .. دمتم بود