بقلم: سليم خليل
تعاني العولمة حاليا من جمود بسبب إنتشار فايروس الكورونا وتتأثر من هذا الجمود الدول التي تتكل على الصين ؛ لكن المراقبين يتوقعون أن التجارة العالمية ستنشط بسبب الأسعار المغرية والكلفة الزهيدة .
بفضل العولمة تعاونت شركات كثيرة وتشابكت بقوة في توزيع الإنتاج ؛ وعلى سبيل المثال : في ألمانيا شركة صغيرة من فيزيائيين من أصل تركي قطعت مرحلة هامة في إنتاج لقاح ضد فايروس الكورونا جذبت مستثمرين من الصين لينضموا إلى مجموعة شركات جبارة أميركية للأدوية يرأسها مدير تنفيذي من اليونان ؛ وتنتج المادة الأساسية لصنع اللقاح شركة صغيرة في قرية نمساوية.
بعد التأكد من فعالية اللقاح باشر الإنتاج في الولايات المتحدة وبلجيكا بملايين الجرعات لأعظم إبتكار في العام الماضي وهو لقاح ضد الكورونا في مصانع بفايزر العالمية.
أولى التجارب جرت في إنكلترا على أشخاص مسننين تتراوح أعمارهم بين تسعين ومئة عام وفي إنجلترا تمت الموافقة على إستعمال اللقاح لفعاليته ضد الكورونا.
هذه المشاركة الدولية في إنتاج اللقاح وبوقت قصير نسبيا كانت ضربة قوية ضد الذين ينادون بإلغاء العولمة ومحاربتها .
سبًب منع التجمعات لمكافحة إنتشار الفايروس إغلاق المتاجر والمطاعم وكثيرا من المصانع وهرع المستهلكون لتفريغ المتاجر من البضائع الضرورية بما فيها الأدوية ؛ هذا الفراغ أجبر الشركات والحكومات على الإتكال مجددا على الصين لتوريد الحاجات الضرورية بما فيها الأدوية ؛ أولا لسرعة التسليم وثانيا لرخص التكلفة.
توقع الكثيرون أن تتراجع العولمة وأن تعود المصانع المحلية إلى الإنتاج ؛ بعد عدة أشهر لم تدور عجلات المصانع بل بالعكس شهدت العولمة قفرة هائلة بحاجة البشرية إلى أدوات الوقاية وتجهيزات للعمل من المنازل بدلا من المكاتب ؛ وكان أكثر تلك الأدوات مستوردة .
إنها شهادة إعتراف بفعالية التجارة الحرة وإيجابياتها في تلبية الحاجات الضرورية والملحَة .
لقد أعلن رئيس منظمة التجارة العالمية – روبيرت كوبمان -: تعترف الدول بأن وجود عدة مصادر لتوريد الحاجات أمر جيد ويساعد على الإستفادة من خبرة وإمكانيات البلدان الأخرى ومواردها لحل المشاكل المحلية .
تتوقع منظمة التجارة العالمية هبوطا كبيرا في التبادل التجاري بسبب الكورونا ؛ لكن الحالة الإقتصادية الدولية ستبقى أحسن بكثير من أزمة الأعوام ٢٠٠٨- ٢٠٠٩ . أما قطاع الخدمات والسياحة سيعاني من صعوبات بسبب توقف السفر والتنقلات .
تسرًع معارضوا العولمة في استنكار نتائج العولمة ؛ لكن جائحة الكورونا أثبتت ضعف الشركات في الأزمات وخاصة إذا لم تخطط لإستيراد منتظم لحاجاتها. يقول الخبراء يمكن أن تدفع جائحة الكورونا الشركات لتخزين أكبر لحاجاتهم والإتكال على مصادر محلية أو من بلاد مجاورة ؛ إن قرارا كهذا لن يكون عمليا لأنه يمكن لأي شركة عالمية أن يكون لها آلاف الموردين من مختلف بقاع الأرض ؛ والإتكال على مصادر محلية يمكن أن يشكل صعوبات هائلة في حال الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والحرائق والجفاف أو جائحة مثل الكورونا إلخ… يقول -روبيرت كوبمان- طالما لا يمكن معرفة الأزمات مسبقا تكون العولمة مفيدة لحل المشاكل بسرعة.
إن إعادة تصنيع كل شيء مكلف خاصة إذا كانت الإمكانيات محدودة ؛ يمكن أن نصنع موادا لا نحتاجها لمكافحة جائحة في المستقبل ؛ يقول -كوبمان- المشكلة أننا لا نعرف ماذا سيحدث وماذا سيكون نوع الجائحة القادمة .
لقد عاشت الكرة الأرضية تبادلا تجاريا خياليا في الفترة ١٩٩٥-٢٠٠٥ إذ تضاعف التبادل وارتفع بذات النسبة الدخل القومي للكثير من الدول وذلك بإنفتاح أسواق الصين والهند والسوق الأوروبية المشتركة وتأسيس منظمة التجارة الدولية وعقد معاهدات تجارية .
لقد تعرضت العولمة لإنتقادات وفقدت من سمعتها بحجة أن ثمار العولمة لم توزَع بعدالة؛ ووصفها بعض الخبراء بالمدمِرة. يقول – كوبمان – إن الصعوبات التي واجهت العولمة ستزول بانفتاح فرص كبيرة في أسواق جديدة تًفتح على العولمة . ويؤكد -كوبمان- أنه بعد زوال جائحة الكورونا ستعود التجارة العالمية و سيخرج إقتصاد العالم من أكبر أزمة إقتصادية عالمية حدثت بعد الحرب العالمية الثانية .
أخذ إقتصاد الصين ينطلق بقوة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وستواجه طلبات هامة لمنتجاتها.
في الأعوام القادمة لن تكون الصين – مصنع العالم- لأن جائجة الكورونا دفعت الدول لتنويع مصادر توريد حاجاتها بالإضافة إلى التوتر الحاصل في العلاقات التجارية الأميركية-الصينية ؛ لكن إرتفاع أجور اليد العاملة وكلفة الإنتاج خارج الصين سيعيد الإستيراد من الصين وسيجدد إختلال الميزان التجاري وسيعيد التوتر في العلاقات .
يقول الخبراء إن رخص الأسعار سيجذب الشركات والمستهلكين لصالح العولمة وتوضح السيدة – ديبورا هيلمز- مديرة مكتب التجارة الأسيوية ؛ بأننا سنعود بعد الكورونا ببيئة نقية خضراء ولن نعمل على خفض التكاليف ؛ لكن هل يمكن أن يتقبل المستهلك والشركات إرتفاع الأسعار بعد الكورونا ؟ وما هو مقدار مساهمة الدول لتغطية الحد الأعلى للأجور المرتفع مقارنة مع الأجور في الدول المصدٍرة .
يقول -كوبمان- ماذا ستكون نتيجة العودة إلى العولمة ؟ إننا في مرحلة إعادة العولمة حيث المجاذفة تلعب دورا أكبر من النتائج .