بقلم: المطران ميلاد الجاويش
كيف بدا ذلك اليوم، يوم رفعكَ الجنود على الصليب خارج أسوار أورشليم؟
كيف تجرّأتِ الشمسُ أن تُشرق في ذلك اليوم، في حين أنّ شمسَ الدنيا معلَّق على خشبة؟
كيف لِوَهَج النور أن يسطعَ فجرًا في ذلك اليوم، ومَن هو نور الأعين يُطفَأ النورُ من عينَيه ويغفو مائتًا على الصليب؟
نهض جيران الجلجلة، في ذلك اليوم، كما ينهضون كلّ يوم: هذا ذهب إلى عمله وذاك إلى متجره، راحت هذه تشطف باحة منزلها وتكنس تلك غبارَ الطَلَع الذي يهبّ في نيسان… في ذلك اليوم، لم يَدرِ جيرانُ تلك التلّة أنّ الله يُغيّر التاريخ على بضع خطوات منهم.
في ظهر ذلك اليوم، استرخى بعضُهم في قيلولة، بينما ابن الله مُسترخٍ من الوجع على خشبة الفداء!
الله يُحبّ العالم إلى الغاية، والعالم لاهٍ مُتلهٍّ. الله يفدي الناس وهناك من ينام ويشخر…
لم يكترث أحدٌ لألمه وما سمعَ أحدٌ أنّةَ صراخه: «أنا عطشان».
مبالاة ما فتئت تتكرّر، من ذلك اليوم إلى اليوم!
في ذلك اليوم والنهار في عزّ شبابه، خجلتِ الشمس واختفتْ وَرَعًا. أمّا البشر فلم يُرْعَوا، بل أكملوا ملهاة الصلب وبرعوا فيها.
هل درى ذلك الجنديّ الرومانيّ أنّ قطرات الدم التي سقطت على وجهه، وهو يطعن جنب يسوع بالحربة، إنّما كانت أثمنَ قطراتٍ لأطهر دمٍ على الإطلاق؟ على الأغلب أسرع ذلك الجنديّ واغتسل، لاعنًا اللحظة التي وُجدَ فيها على تلك التلّة في ذلك اليوم. سرحَ بذهنِه بعيدًا وتمنّى لو قضى ظهرَ ذلك اليوم في موطنه مع زوجته وأولاده، يأكلُ وينام قيلولةَ الظهر، تمامًا كما يفعل جيران الجلجلة!
ربّي، غدًا عندما أقف أمامك في العيد، هبني ألاّ أنام نومة الموت، ألاّ تشرق عليّ شمسُ ذلك النهار وأنا متغرّبٌ عن حبّكَ المصلوب.