بقلم: تيماء الجيوش
حقوق الإنسان ليست انتقائية وغير قابلة للتجزئة في هذا الحيز او ذاك، بل هي مترابطة و تُشّكل مجتمعة لا سيما من حيث الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وفي مقدمتها حرية الرأي و التعبير الدعامة المحورية في بناء المجتمعات الديمقراطية وبالتالي فإن احترام هذه الحقوق و ممارستها هو ضرورة قانونية، تشريعية ، سياسية، اجتماعية لكرامة الأفراد.
قد تتعدد الأسباب الداعية الى حمايتها أي حرية التعبير والتي تتدرج من إدراك الرأي العام للحقائق او معرفته الحقيقة TRUTH الى نماء المعرفة العامة ، ومن ثم أيضاً أهميتها في النظام الديمقراطي و تحقيق الذات الفردية و استقلاليتها و ما يندرج هنا من حرية التعبير السياسي، الفني، العلمي ، الشخصي. لكن ما يُتفق عليه هو أنها أساس ديمقراطي لا جدال حوله.
خلال العقدين الماضيين تطورت تكنولوجيا ووسائل الاتصال و المعلومات. امتاز هذا التطور بعلاقة جدلية مع الافراد حيث دفع بهم الى امتلاك ثروة من المعلومات ساهمت في رفع وتيرة المشاركة على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية و الاجتماعية. لم تكن المرأة بمعزلٍ عن هذا بل انه مكنّها أي المرأة من تعزيز مشاركتها أيضاً.
شهدت مجتمعات بأكملها هذه المشاركة و قد ازداد زخمها كماً ونوعاً حين تقدمت المرأة تمارس حقها و بفعالية من أجل بناء الديمقراطية و تنادي بحكومات و برلماناتٍ تمثل حقاً شعوبها و تعمل وفق مبادئ الشفافية و المساءلة والمحاسبة.
لم تغب المرأة العربية عن هذه التجربة بكل ما تحمله التجربة من غثٍ أو سمين و مآلاتها، شهدها المجتمع الدولي و هي تساهم في مطالبتها ببناء مجتمع ديمقراطي ليس هذا و حسب بل بتضاعف العبء على كاهلها و هي تواجه كل يوم شرائط مجتمعية ثقافية لا تمت للحضارة المدنية بصلة حيث تعمل على دفع المرأة الى الظل فلا تخرج عن حدود أدوارها التقليدية التي لا تتجاوز أسوار منزلها من رعاية للزوج والأطفال بعيداً عن سوق العمل و المشاركة السياسية مع كل ما يحمله هذا من دونية وتمييز، حدث هذا في تونس، لبنان، سوريا، فلسطين، العراق، مصر، اليمن و السودان ، وبكل الاحوال دراسة ما قدمته المرأة العربية الاسباب و المعوقات و تحليلها سيكون له مساحات أخرى.
بالعودة الى حرية الرأي و التعبير تقدمت العديد من الصحفيات، المهتمات بالشأن السياسي و الناشطات المدافعات عن حقوق الإنسان لتدافع عن الحق في حرية الرأي والتعبير و بالرغم من كل المخاطر و الصعوبات الجسام التي واجهنها بشجاعة. وبالرغم من انها قد أدّت في أحايين كثيرة سلماً كان الظرف العام أم حرباً الى حلقاتٍ بالغة من التعقيد في وجه الصحفيات، الناشطات و النسويات اللواتي أصبحن هدفاً حيث خسرن ، عملهن، أسرهن، حياتهن ، حرياتهن، التغييب قسراً، الاعتقال، الاغتصاب، التمييز، التهميش والإساءة ، الترهيب، المضايقة و العنف عموماً لكنهن لم يتوقفن. ولعل استخدام الانترنت دفع الى رفع وتيرة التحرش و التحديات نذكر من ضمنها الفجوة الرقمية و التقنيات المنحازة، بروز التمييز التكنولوجي ناهيك عن تقييد المعلومة و عدم وصولها الى أيادي النساء.
هذا أدى الى نقطتين هامتين هما أولهما: منعهن من ممارسة حقوقهن الطبيعية و التي نصّ عليها القانون الدولي. و ثانيهما:من كون ممارسة هذه الحقوق هي ركيزة الشراكة و المساهمة النسوية السياسية ، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية و عند انعدام ممارستها ستؤثر سلباً على الشراكة وبناء المجتمعات إن لم نقل تنفيها.
دفع هذا بالأمم المتحدة الى انتقاد الدول في عددٍ من المرات نظراً لفشلها في تقديم الحماية للمرأة و صون حريتها في التعبير عن رأيها دون أن تواجه بكمٍ من الكراهية و العنف و قد ذهبت السيدة ايرين خان المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حرية الرأي والتعبير في العام ٢٠٢١
The Special Rapporteur on promotion and protection of freedom of opinion and expression.
الى القول : «يتم قمع أصوات النساء أو السيطرة عليها أو معاقبتها صراحة من خلال القوانين والسياسات والممارسات التمييزية ، وضمنيًا من خلال المواقف الاجتماعية والأعراف الثقافية والقيم الأبوية».
هذه الحزمة من الوقائع لم تلغي حقيقة الأهمية البالغة لمشاركة المرأة السياسية و دورها ، و لم تلغي أهمية دور حرية الرأي والتعبير في كونه حقاً يدفع المرأة الى المزيد من التفاعل المجتمعي الاقتصادي والسياسي مع احترامٍ لمبدأ المساواة و الشراكة الحقّة في صنع القرار بما يحقق اهدافاً بعيدة إن كان تنمية مستدامة ، سلاماً، ديمقراطية ….الخ
أفقياً حرية التعبير تقتضي شرطاً يتمثل في المساواة و منع التمييز ضد النساء لانهن نساء مما يعني اتساع مساحات العمل المدني، الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان.
برأيي المجتمع يحتاج الى نهجٍ مجتمعي سياسي تنص تشريعاته على احترام حقوق الإنسان عامة و حقوق المرأة لا سيما الحق في الرأي و التعبير ، المهمات هنا لا تقع على عاتق فريق دون الأخر بل تقوم به الحكومات و المؤسسات و القطاع الخاص بما يشمل من شركات و مؤسسات ووسائل إعلام ، و المجتمع بأسره الذي يقوم بالتغيير النوعي و يدفع بالتمييز بعيداً ليخلق عدالة للجميع يمارس فيها الكل حرية الرأي و التعبير. يخلق شرائط ثقافية جديدة تؤسس لعقودٍ قادمة من العدالة الجندرية ، لا تعمد الى قمع المرأة بشكل مباشر أم غير مباشر و تُبقيها هدفاً لمزيد من العنف بل تعمل من اجل العدالة للجميع.