بقلم: سونيا الحداد
يشهد العالم منذ بداية هذا القرن تحولات اجتماعية سياسية خطيرة تهدد الأنظمة الديمقراطية التي تتميز بقيم عديدة كانت ولم تزل الحلم المنتظر النموذج الملهم إلى العديد من المجتمعات المقعومة من قبل ديكتاتوريات تعود إلى الواجهة يوما بعد يوم تحت غطاء أما الدين أو العرق أو التاريخ والأغطية عديدة. مأساة يواجهها مناصري الحرية، المساواة والعدل تحيكها قوى تمتلك قدرات تخولها بناء السلام وإشعال الحروب، صناعة الأبطال وإسقاط الخونة، كتابة مصير الدول وتاريخها لا بل مصير العالم ككل. قوى تربعت عرش الغطرسة، لا رحمة ولا حدود لإجرامها. تحرق الأخضر واليابس، تشرد الملايين وتدمر الأرض والسماء، رافعة راية الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية وهم لصوصها.
أتساءل أحياناً هل أن الديمقراطية حقيقة أم أنها هي أيضاً احد اختراعات تلك القوى. هل هي تلك الجزرة التي يرمونها لنا، نزحف ورائها متخلين عن كل ما نملكه من أجل الوقوع في فخها وكم هو مؤلم السقوط وفقدانها بعد أن تذوقنا طعمها ولو كان لفترة قصيرة. كم هو مؤلم أن نشهد خسارة العديد من الحقوق الاجتماعية التي ميزت هذه الأنظمة. لم تعد حرية التعبير مضمونة في العديد من الأحوال لا بل يتعرض أهلها إلى المحاكمات إن لم اقل التهديد أو الاغتيال. نعم في الغرب الديمقراطي اليوم لا نتجرأ على التعبير بكل صراحة في العديد من الميادين خوفا من اتهامنا بالمتعصبين، المعاقين فكريا، المهلوسين أو المتآمرين!
نعم يا ساده، بتنا نتردد وبشدة قبل التعبير وبحرية كاملة كي لا نتهم بالتحريض، أو قلة الأدب أم الجهل. كي لا يتم الحظر علينا ومنعنا من الظهور هذا ان لم اقل تلفيق تهم علينا ورمينا في السجون. كلمات كثيرة وصور عديدة لا يجب استعمالها في أحاديثنا وكتاباتنا كي لا يطالنا قانون «الفوبيا» الذي دخل الأنظمة المسماة بالديمقراطية مؤخرا. الخطوط الحمراء تتكاثر ومعها غسل الأدمغة. كيف لآ وهذه الخطوط هي الباب الواسع إلى الاحتكار والجهل، إلى توليد الأحقاد وترسيخ وقائع جديدة تسمح بنقض الديمقراطية تمهيدا لأنظمة بديلة لا نرى منها اليوم ما يبشر بالخير أبدا. كيف نتغنى بالديمقراطية ساعة ننادي على المنابر الدولية بإسقاط أي دولة بأي وسيلة كانت، تعرف نجاحا وتقدما اقتصاديا واجتماعيا، كونها ستشكل خطرا علينا وتحل مكاننا في السيطرة على المناطق والدول التي نستغلها منذ عقود وقرون بأشرس الأساليب واخبثها؟
أي حقوق، أي إنسانية، أي ديمقراطية ملطخة بدماء العار والأبرياء ذنبهم أنهم صدقوا الأسطورة يوما!