بقلم: عادل عطية
في القرية الوادعة، القائمة فوق أكتاف تلال اليهودية: حيث بكي يعقوب زوجته راحيل، وحيث كانت المحبة بين بوعز وراعوث، وحيث رعى داود خرافه، وأغنامه، وحيث أقتحم الشجعان الثلاثة خطوط الأعداء، وحملوا إلى قائدهم جرعات من الماء المقدس!
قُتل أطفال بيت لحم!
أستشهدوا في اليوم الثالث، من الشهر الخامس، من السنة الثانية لميلاد الطفل المسيح!
*** *** ***
وفي كل ذكرى من كل عام، يتراءى لى: هيرودس الملك، في قصره، وهو يستقبل المجوس المنحدرين من المشرق!
تصعقه المفاجأة، وهو يسمع منهم، انه ولد ملك لليهود، وأن مُلكه بلا تخوم، أو حدود، وأنهم جاءوا من بلادهم يحملون الهدايا؛ لكي يسجدوا له مقدمين فروض الولاء والطاعة!
وفي هدوء الماكرين، يستدعى الشيوخ العارفين، يسألهم، سؤالاً لفه بكل البساطة والبراءة: أين يولد هذا الملك؟
فإذا بهالليل، أحد ثقاتهم يجيبه، قائلاً: في بيت لحم اليهودية، وقرأ عليه نبوءة ميخا النبي: “وانتِ يا بيت لحم، لست الصغرى بين مدن يهوذا؛ لأن منكِ يخرج مدبّر يرعى شعبى إسرائيل”!
طلب هيرودس من المجوس أن يعودوا إليه متى وجدوا الصبي، بخدعة: “لكي آتى أنا أيضاً واسجد له”!
ولكنهم، بوحي من السماء، أنصرفوا إلى كورتهم في طريق أخرى!
غضب جداً، وأضمر في نفسه أن يقتل الصبي!
ولتحقيق غايته الأثيمة، احتال هذا الوحش الحافل سيفه بدماء الابرياء حتى من ذوى قرباه، بأن أرسل إلى هذه القرية، قائلاً لهم: بحسب أمر قيصر، يجب إحصاء كل أطفال بيت لحم، وتخومها من ابن سنتين فما دون!
فجمعوا له آلاف من الأطفال على أيدي أمهاتهم!
حينئذ أرسل قائداً ومعه ألف من الجنود، قاموا بذبحهم جميعاً في يوم واحد على أحد الجبال بالقرب من ثرى راحيل، معتقداً أن الطفل الملك في جملتهم، وليتم قول النبي ارميا: “صوت سُمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير، راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى؛ لأنهم ليسوا بموجودين”!
*** *** ***
ولا تزال هذه النبوءة جارية على كل من ينتسب للمسيح، الذي جاء ليحمل أحزاننا، ويكمل حبنا، ويزكّي جهادنا، ويكلل مغامراتنا في سبيل الحق!
فكما صدرت الأحكام بالقتل على هؤلاء الأطفال؛ لأن المسيح كان وليد ديارهم، وساكن بلدهم، وكما عانت العذراء مريم ما عانته؛ لأنها مختارة لتكون أمه، وكما أن يوسف البار، عاش الغربة طالت سنيناً في بلاد لم يعلم عنها غير اسمها؛ لأنه كان خطيباً لأمه!
هكذا نحن الذين دعينا باسمه، كتب علينا: أن نُضطهد، وأن نعاني، وأن نُقتل.. ليس خدمة لكل هيرودس في كل عصر وحسب، بل وخدمة لله، كما يظن المتسيّفون، وكما تنبأ عنهم السيد المسيح!…