يقلم: رياض نعمة الله
نستكمل معك عزيزي القارئ بقية احداث العدد الماضي.
نبيه في طريقه إلي مكتبه عرج علي كلية الهندسة بالجيزة والتي تخرج منها ليقابل زميله الدكتور رمزي الأستاذ في قسم العمارة في عمل خاص بشركات الإنشاءات التي يملكها، عندما إنتهت المقابلة سأل نبيه رمزي :
– هل تتذكر يا رمزي عندما كنا طلبه في الكلية وكنا نهرب من المحاضرة لنتنزه في حديقة الحيوان الملاصقة للكلية .. هل تصدق إني لم أدخلها منذ تخرجت، هل عندك وقت لنكرر ما مضي؟!!!
– بالتأكيد فقد أنهيت محاضراتي ,هيا بنا نذهب !.
بناءا علي طلب نبيه، توجها علي الفور لمشاهدة أقفاص القرود، قال نبيه لنفسه :
– هل إذا نجحت تجربة إستنساخ لوسي ورجل كينيا سيعيشان حياة طبيعية أم يتم إحتجازهما في أقفاص كهذه مكتوب عليها إنسان ما قبل التاريخ !!
لم ينام نبيه بعد عودته إلي المنزل تلك الليلة , كثيرون من الأثرياء يمتعون أنفسهم بالسياحة حول العالم , ولكن ما يفكر فيه شيئ مختلف .. ماذا لو صرف بضعة ملايين من الدولارات لمراكز البحث العلمي في أوروبا وامريكا ليقبلوا إستنساخ لوسي ورجل كينيا ؟
في اليوم التالي إستدعي نبيه إبنه في مكتبه بواحدة من شركات الإنشاءات التي يملكها ..
– لقد قررت يا دكتور كمال أن أحقق حلمك برؤية لوسي ورجل كينيا أحياء .. يمكنك الأن أن تشكل فريق من الباحثين المصريين يتولوا الإتصال بمراكز الأبحاث في الولايات المتحدة التي تحتفظ بعظام لوسي ورجل كينيا ليجروا في سرية عمليتي الإستنساخ المطلوبه .. لك كل ما تطلبه مراكز الأبحاث من تمويل .
بدأ الدكتور كمال وفريقه الإتصالات المطلوبة .. رفضت جميع مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة إجراء عمليتي الإستنساخ علي الأراضي الأمريكية بسبب القوانين الصارمة بهذا الخصوص .. ولكن أحد المراكز طلب 80 مليون دولار لإجراء العمليتين بشرط أن يولد الطفلين المستنسخين خارج امريكا .. ويغطي هذا المبلغ تكلفة الحصول علي عينات من عظام لوسي ورجل كينيا وإستئجار إمرأتين ليتم زرع الجنينين في رحمهما ، كما يغطي هذا المبلغ إنشاء مركز بحوث في الدولة التي يتم إختيارها لتسافر اليه السيدتين الحاضنتين مع فريق من خبراء المركز للإشراف علي الولادة والعناية بالطفلين حتي يبلغا سنة واحدة بعدها يتم تسليمهما لممول العمليتين .
وافق الملياردير نبيه علي العرض , وإختار أديس أبابا عاصمة أثيوبيا موطن لوسي لإستئجار وتجهيز مبني البحوث ليولد به الطفلين .
تم إجراء العمليتين بنجاح . وحضر نبيه وأسرته ولادة إبن رجل كينيا وإبنة لوسي في مركز الأبحاث في أديس أبابا أطلقوا علي إبن رجل كينيا إسم براون لبشرته الملونة ، وإسم سوزي علي إبنة لوسي وكانت بشرتها ملونة أيضا. وضع كل منهما في غرفة منفصلة وخضعا لمراقبة طبيه مكثفة وقياسات دورية مع تسجيل كل تحركاتهما بكاميرات مراقبة موضوعه في غرفتيهما . بعد عام, تم تعيين معلمة لكل طفل وكانت سوزي أكثر تجاوبا في التعلم عن براون .. كان يسمح للوسي وبراون عندما كانوا أطفالا” باللعب في فناء مركز الأبحاث لمدة نصف ساعة يوميا فقط قبل أن يعودا إلي غرفتيهما ..
نشأت صداقة متنامية بين سوزي وبراون، وعندما كبرا قليلا , كانت سوزي معجبه ببراون فهو ليس كالرجال البيض أو حتي السود الحليقي الذقون الذين يمرون أمامها ويحدقون فيها بإعجاب..هو أقرب منها أكثر من أي إنسان آخر ..
كان نبيه واسرته يسافرون إلي إثيوبيا كل عام للإلتقاء بلوسي وبراون ومتابعة نموهما وتقدمهما في التعليم ،عندما وصلا إلي سن الخامسة عشر، قرر الميلياردير نبيه عقد مؤتمر صحفي عالمي في فندق هيليتون بأديس ابابا ، موطن لوسي ودعا اليه أساتذه وعلماء في هذا المجال، وسيشاهدون براون ولوسي امامهم ، وستعرض أفلام الفيديو التي تصور مراحل نموهما ونتائج فحوصتهما . خطط نبيه لسفرهما إلي مصر بعد المؤتمر الصحفي ليقيما تحت الرعايه المباشرة لإبنه الدكتور كمال ..
لاحظت سوزي حركة غير عادية في مركز الأبحاث إستعدادا للمؤتمر الصحفي ولم تعرف بالطبع سبب ذلك .. ولكنها خافت أن يتم نقلها بعيدا عن براون ..
في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، وقبل موعد عقد المؤتمر الصحفي بيوم واحد، حلت المسامير المثبتة لصندوق خشبي مثبت في حائط غرفتها ووضعته بجانبها علي الفراش ، بدأت تغني بصوت عالي ونادت علي الحارس الجالس في الردهه، هرع الرجل ونظر من خلال نافذة حجرتها ليجدها واقفة مستندة علي الجدار تنظر إليه بإغراء ..أشارت له بأصبعها أن يدخل الحجرة .. شعر الرجل بالإثارة فتح باب حجرتها بالمفتاح وإقترب منها وهو مشلول التفكير مسلوب الإرادة ، قبلته علي خده وطلبت منه أن يغطي كاميرا المراقبة ، إستدار ومشي نحو الكاميرا فعاجلته بالصندوق الخشبي علي رأسه فسقط علي الأرض مغشيا عليه فاقد الوعي ، إندفعت في الردهه إلي مائدة الحارس حيث عثرت علي مجموعة المفاتيح الخاصه بحجرة براون والباب الرئيسي ، أخرجت براون من حجرته ، إستولت علي سكين وجدته علي مائدة الحارس أعطته لبراون ليدافع بها إذا تعرضا للخطر .. وهربا في شوارع أديس أبابا تحت جنح الظلام ..بحاسة شمهما القوية أحسا بإقترابهما من الغابه فهرعا إليها، وإختفيا بين أشجارها … تسلقا بمهارة غير عادية شجرة ضخمة ليقضيا فيها الليل خوفا من الحيوانات الضارية، ضم براون سوزي في حضنه , وناما حتي الصباح ..
في اليوم التالي، أحضر براون فرع شجرة طويل ثبت في نهايته السكين بواسطة الياف النباتات .. وأصبح معه بذلك رمح يدافع به عن نفسة ، ويستخدمه أيضا في صيد الحيوانات وحصلت سوزي وبراون علي شعلة نار بإحتكاك قطعتي خشب بملامسة الياف النبات الجاف وبدأت رحلتهما إلي عمق الغابة حاملين شعلة النار لإخافة الوحوش التي قد تقترب منهما .
توقف البحث الشاق ، الممول من الملياردير نييه ، في الغابات المحيطة بأديس أبابا، وبعد مرور عام ونصف علي واقعة هروب سوزي وبراون ، أصبح من المرجح أن وحوش الغابة قد أكلتهما أو انهما قد إنضما إلي إحدي القبائل الإفريقية البدائية التي تعيش في أغوار الغابات.. ولم يعلم نبيه وإبنه كمال وفريق المتابعة أن سوزي وبراون قد رزقا بطفل وأصبحوا عائلة صغيرة تسكن في مكان نائي في أعماق الغابات الشاسعة بافريقيا.. لقد ولدت سوزي طفلها الأول وحدها بدون مستشفي أو قابلة ولا حتي بمساعدة براون الذي خرج إلي البحيرة القريبة لصيد الأسماك ..
كانت سوزي جالسة بجوار عشها الصغير المشيد من فروع الاشجار بجوار نيران مشتعلة دائما للطهي ولإبعاد الحيوانات الضارية ويجلس بالقرب من الطفل كلب أليف عثرت عليه ويلازم الأسرة اينما ذهبت.. تحتضن سوزي إبنها وتنظر إلي وجهه ، بالتأكيد سيصبح رجلا قويا ، أكثر ذكاءا” وقادرا” علي الكلام ، تغني له سوزي أغنية تعلمتها من معلمتها عندما كانت في مركز الأبحاث، يتابع الطفل بإهتمام الأغنية ويضحك بصوت عالي في وجه أمه …