بقلم: تيماء الجيوش
منذ التوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام ١٩٤٨ و كندا تحرص كل الحرص ان تكون حقوق الإنسان هي المرجع الأساسي لقوانينها و اعتمدت بناءً على ذلك آليات هي على التوالي على ١-الصعيد الفيدرالي ميثاق الحقوق و الحريات الكندية، قانون حقوق الإنسان، لجنة حقوق الإنسان الكندية٢-وعلى صعيد المقاطعات قوانين و تشريعات حقوق الإنسان.
وربما يُلحظ أن تاريخ حقوق الإنسان يختلف في كندا شكلاً عما كان عليه الحال في فرنسا او الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت الحقوق و دور القانون معمول بهما على الصعيد المؤسساتي. فالحقوق المدنية و السياسية كحق الانتخاب او التصويت والعمل و التنقل و التعبير و التجمع كانت تُمارس في كندا مع فارقٍ بسيط وهو أنه لم يكن من الهام للأفراد ان يتقدموا بدعاوى ضد الحكومة في حال حدوث خرقٍٍ لحقوقهم من قبلها.
إلى أن تم التوقيع على ميثاق الحقوق و الحريات في ١٧ نيسان من العام ١٩٨٢ خلال عهد بيبر ترودو PIERRE TRUDEAU
الذي كان بحق هو الراعي الأول له و الذي شكّل دفعاً سياسياً هاماً له .هذا الميثاق حلّ محل قانون حقوق الإنسان الذي كان معمولاً به قبلاً و منذ العام ١٩٦٠ . و هكذا بات ميثاق الحقوق و الحريات الصادر في عام ١٩٨٤ مصدراً للتقدم و التغيير و المحافظة على القيم في كندا ، حيث قام بإرساء القواعد للحقوق و الحريات التي يؤمن الكنديون انها ضرورية للأفراد في مجتمعٍ حرٍ ديمقراطي..
و بالتعريف فالميثاق هو:
وسيلة تحُدّ وتوقف الانتهاكات للحقوق والحريات الأساسية و ذلك من خلال دور القانون و جعل الكلمة الفصل للمحاكم في كندا.
و الحريات في الميثاق جاء ترتيبها فئوياً كالتالي: الحريات الأساسية ، والحقوق الديمقراطية ، وحقوق اللغة ، وحقوق التنقل ، وحقوق تعليم لغة الأقليات ، والحقوق القانونية ، وحقوق المساواة.
وعُدَّ مذ ذاك التاريخ الفصل الأول في الدستور الكندي وأُلحِقَ به ، فبات القانون الدستوري الكندي متضمناً ميثاق الحقوق و الحريات. و بات للأفراد الحق في اللجوء الى المحاكم في حال حدوث خرقٍ لحقوقهم الأساسية استناداً الى نص المادة ٢٤ من الدستور الكندي ، ليس هذا و حسب بل نصّت المادة ٥٢ من الدستور أنه لا يُمكن تطبيق أي قانونٍ فدرالي او قانون مقاطعات في حالة تعارضه مع الشرعة.
بالعودة إلى الميثاق نجده بادئ ذي بدء حرص على ألا تقوم أية حكومة لاحقة أو مستقبلاً بحد او حذف أي حقٍ من الحقوق، و إن كان لا بد من إحداث تغييرٍ ما و ذلك بما يتوافق مع الحاجات المجتمعية ، القانونية، السياسية …إلخ فيجب أن يوافق على التغيير في الميثاق مجلس العموم ومجلس الشيوخ وثلثي المقاطعات التي تمثل أكثر من 50 في المائة من الكنديين على أي تغييرات في الميثاق أو أي جزء من الدستور.
كما نجد الميثاق قد كرّسَ مبدأ التعددية و التنوع في المجتمع الكندي و المساواة و هذان أمران مفصليان في مجتمعٍ لازالت ابوابه مُشرعةً للهجرة ،فكانت حماية الأقليات و الاعتداد باللغات المختلفة و في الأمور الجزائية كانت محددات السلطة التنفيذية واضحة فيما يتعلق بالاتهام او المتهمين . كل ذلك يعكسُ جلياً القيم الأصيلة و المبادئ الكندية و هو المحور الذي تتبلور حوله هويتنا نحن الكنديين، الجميع يتمتع بذات الحقوق و الحريات بذات الدرجة سواء كانوا يتمتعون بالجنسية الكندية أم لا زالوا مقيمين دائمين باستثناء حق الانتخاب الذي يقتصر على حاملي الجنسية الكندية، كما و كرّسَ فصل السلطات و عزز من أهمية و دور السلطة القضائية وجعلها تتمتع باستقلالٍ تام عن السلطة التنفيذية أي الحكومة و عن السلطة التشريعية أي مجلس النواب و هذا يبدو جلياً عند دراسة دور المحكمة العليا و بناء أحكامها عند حدوث خرقٍ لحقوق الإنسان. احصائياً صدر عن المحكمة العليا المئات من الأحكام، و دستورية هذه الأحكام لا يُعتدُّ بها ما لم تطابق احكام ميثاق الحقوق والحريات الذي بات هو المعيار الأساسي و هذا بحق هو الاحترام الحقيقي للحقوق السياسة و المدنية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و أي حقٍ ضمنته للأفراد مجموعات المعاهدات و الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بأجيالها الثلاث. و من حيث التطبيق بات على العاملين في التشريع و القانون الكندي ان يتفحصوا الآثار أو النتائج المتوقعة للقوانين و سنّها وإن كانت من حيث النتيجة ستنعكس سلباً أم لا على الحقوق الأساسية للأفراد. هنا لا بد من ذكر أمرٍ هام أن الحماية الدستورية ليست هي بالأمر المطلق و هذا ما نصت عليه المادة الأولى في الميثاق:
(Canadian Charter of Rights and Freedoms guarantees the rights and freedoms set out in it subject only to such reasonable limits prescribed by law as can be demonstrably justified in a free and democratic society ).
فهي بالمبدأ تؤكد المساواة وتمنع التمييز بناءً على عرقٍ أو جنسٍ أو دين ، هذه الحماية تؤكد القيم الكندية في كل مفرداتها لكنها لا تسمح بحجة حرية التعبير جرائم الكراهية او استغلال الأطفال او عمالة الأطفال و على هذا و كما يُطبق في المجتمعات الديمقراطية حدود الميثاق هي الحدود المنطقية والمعمول بها في أي مجتمعٍ حرٍ ديمقراطي. . .
نحتفل هذا العام بذكرى توقيع الميثاق و معظمنا كأفراد نعلم تمام العلم أهميته في حياتنا اليومية فهو يحفظ حقوقنا جميعاً في ظل احترام القانون إن كان تعبيراً عن رأي او ممارسة عمل او الانضمام الى جمعية ما، او التنقل و الانتقال ضمن و خارج الحدود لدولة كندا. الميثاق احترم المساواة لم يميز بين مواطني كندا ، لم يسمح بانتهاك الحقوق و الحريات ، ورأى في التنوع الثقافي و المجتمعي و الديني و السياسي والاقتصادي مصدراً لقوة مجتمع كندا بل وفي التعريف عن أنفسنا كأبناء ل كندا.
أسبوع سعيد لكم جميعاً.