بقلم: سليم خليل
قال الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك ١٨٨١ – ١٩٣٨ مؤسس الجمهورية التركية الحديثة بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى : الأفضل أن نعتبر تركيا في شرق أوروبا ولا تركيا في غرب آسيا . وبناء على هذا القول عمل طيلة فترة رئاسته على تعميق أسس الحضارة الغربية لتحل محل أساليب الحكم والحياة الاجتماعية التي استمرت طيلة أربعة قرون في إمبراطورية شملت بلدان ما يقارب نصف اليابسة على الكرة الأرضية؛ من أبرز تلك الإصلاحات إلغاء الأبجدية التركية واستبدالها بالأبجدية اللاتينية .
استمرت المبادئ الإصلاحية طيلة القرن الماضي لغاية نمو أحزاب دينية إسلامية أعادت البلاد إلى التشدد في الدين وتنفيذ المبادئ الإسلامية والمظاهر ولباس النساء إلخ…
وتوضحت هذه الإجراءات في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان الذي استغل الشعور الديني لتقوية زعامته في حكم وإدارة البلاد .
نعود إلى قول أتاتورك إنه يفضل أن يعتبر تركيا في شرق أوروبا بدلا من غرب آسيا لنجد أن موقع تركيا الجغرافي إستراتيجي بامتياز لأن الغرب وحلف الناتو يصرون على وجود تركيا ضمن خريطة الحلف وفي ذات الوقت تحاول قوى الشرق وروسيا في الشمال أن تكون تركيا دولة صديقة وإذا أمكن حليفة في الصراع السياسي والمنافسة مع الغرب .
بذلك جعل موقع تركيا الإستراتيجي من الرئيس أردوغان طاووسا في حديقة نسور وصقور يفرد ريشه على إيقاع هذه المنافسة ؛ يتصالح مع روسيا لأن بعض أنابيب النفط والغاز الروسي المصدًر إلى أوروبا يمر في تركيا وهذا ما يريد حلف الناتو إيقافه لحصر إحتياجات أوروبا بعيدة عن النفوذ الروسي.
في مطلع الربيع العربي وعد نفسه أردوغان بمرور أنابيب النفط والغاز العربي عبر سوريا ثم تركيا إلى أوروبا فتزعم حركة تدمير سوريا بكافة الوسائل ؛ ولما شعر أن هذا الحلم لن يتحقق في المستقبل القريب إنقلب وأخذ يدغدغ السلطة الحاكمة في سوريا ليشارك في إعادة إعمار سوريا وإحياء إزدهار المنطقة كما كانت قبل الربيع العربي . كما أنه عاد ليرفرف أمام الصقر أو الدب الروسي لأن الروس عرضوا مشروع بناء مركز عالمي في أرض تركيا الأوروبية لتوزيع نفط وغاز روسيا وبلاد آسيا الوسطى الحليفة لروسيا.
أما ثروة غاز شرق المتوسط ولتركيا حدود متشابكة على سواحل عدة دول لا مصلحة لها في موقع تركيا الإستراتيجي؛ فقد باشرت هذه الدول بأعمال الاستثمار غير آبهة بنفش ريش الطاووس التركي الذي أخذ يحسن سلوكه مع دول أساء التعامل معها سابقا ليجد من يقف بجانبه في هذه المجابهة .
كما لا يمكن أن نتجاهل نفش ريش الطاووس التركي وتدخله العسكري في ليبيا وإرسال حامية عسكرية إلى قطر عندما اشتد الخلاف مع الجوار .
أما الحرب التركية المستمرة منذ عقود طويلة ضد الميليشيات الكردية وإنشاء دولة كردية على مقاطعات في شمال العراق وإيران وسوريا وفي شرق تركيا أيضا فهذا صراع مزمن لا تعرف نهايته والله يكون بعون الشعب الكردي .
هكذا تستغل تركيا موقعها الإستراتيجي بين الغرب والشرق بأقصى حدود الإستفادة ؛ وإذا كان أتاتورك موجودا الآن فلا شك أنه سيقول تركيا في شرق أوروبا وفي غرب آسيا بامتياز وبالتأكيد كان سيحذر الرئيس أردوغان بأن صبر الصقور والنسور سينفذ .