بقلم: عادل عطية
لما كان الإنسان هو أعمق الموجودات ألماً؛ فقد كان لا بد من أن يخترع الضحك.. هكذا قال نيتشة!
والأدب الساخر، آخر الملاذات لقهقهة مديدة مُغمّسة بالألم!
لكن، لماذا أصبح الضحك، نادراً ندرة الابداع، وندرة الابتسامة المشرقة على الشفاة المجروحة، وصار تحقيقاً لنبوءة “اميل سيوران”، الفنان.. والكاتب.. والفيلسوف، عندما قال: “بضعة أجيال أخرى، ويغدو الضحك ـ الذي هو حكر على بعض النخبة ـ، مستعصياً على الممارسة، تماماً مثل النشوة”!
لماذا توقفنا عن صناعته، في صحفنا، ومجلاتنا، وكتبنا؟
ما الذي أصاب ادباءنا، حتى قاطعوا الأدب: الضاحك، أو: الباسم، أو: الساخر، وخف نتاجه؟!..
.. أهو: جفاف في القريحة، و”نشاف” في العبقرية، وعدم خفة في الروح؟
.. أم: هي الحالة المضطربة، التي يعيشها العالم من أقصاه إلى أقصاه؟
.. أم: هو استهتار بهذا النوع الهام من الأدب الذي يروح عن النفس، ويزيل عن القلب ما علق فيه من هموم يغص بها هذا العالم الفسيح؟
.. أم: هوالزهد في الحياة؛ “فمن يحب الضحك فهو بالفعل يحب الحياة”، كما قال بيرجسون؟
.. أم لأن الأدب الساخر يضحكنا أحياناً، لكنه ما يلبث أن يحزننا، فالسخرية الحزينة هي أشدها مرارة؛ لأنها تعبر عن الواقع المرير بالضحكة وأحياناً بالضحكة المرة الناتجة عن المعاناة والإحباط؟
الأسئلة، وهي تحثنا إلى المستقبل، تعود بنا إلى الماضي القريب منه والبعيد، حيث كان هذا اللون من أهم أبواب الأدب، وأربابه، الذين رأوا: اننا اذا فقدنا القدرة على الضحك، فقدنا كل شيء!
فمن كل ضحكة، تُصنع لك “سلة مهملات عقلية”، تترك فيها: همومك، وأحزانك الحقيرة!
وفي كل ضحكة، المزيد من: العزم، والثقة، وروح التحدي، والمغامرة، تمكّنك من قهر العوامل المثبطة، وتحقيق ذلك الحلم الكبير، الذي هو: السعادة الحقيقية، والأبدية!
وبكل ضحكة، تنسف التسلط، والقسوة، وكل أمراضك، وأوجاعك!
كم أتحرّق تطلعاً إلى ذلك اليوم الذي أجد فيه: صحيفة تضحك، ومجلة تضحك، وكتاب يضحك؛ لنستمتع بأوقات إنسانية رائعة!
أعترف بأن اضحاك الناس، عمل جاد وشاق، ويحتاج إلى جهد كبير، فليس هناك أصعب من إضحاك إنسان بائس، لكن معجزة الضحك، تستمر قابعة في الابجدية، أصل الابتكار والتجدد!…
ويطلق الفلسطينيون، على الشهر كله، هذا الاسم الحزين: “ايلول الأسود”!…