بقلم: هيثم السباعي
١. وكالة الإستخبارات المركزية: نتابع اليوم علاقة لي هارڤي أوزوالد بوكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إي) وعلاقة الأخيرة باغتيال “چي إف كي”.
ذكرنا في العدد السابق أن أوزوالد قام قبل اغتيال الرئيس بحوالي الشهرين بزيارة إلى مدينة مكسيكو عاصمة المكسيك ومكث فيها ستة أيام إجتمع خلالها بمسؤولين من سفارتي كوبا والإتحاد السوڤييتي، محاولا في الحقيقة الحصول على تأشيرة دخول الى كوبا ومنها الى الاتحاد السوڤييتي، الا ان طلبه قوبل بالرفض من قبل السفارتين.
يعتبر الكوبي ‘أنطونيو ڤيشيانا’ البالغ من العمر ٨٨ عاماً والذي يقضي تقاعده حالياً في ميامي بولاية فلوريدا آخر عميل من عملاء ‘السي آي إي’ الأحياء الذين عاصروا الإغتيال وكان في قلب الأحداث الهامة في تاريخ الولايات المتحدة الأميريكية الحديث. من ضمن تلك الأحداث عمليات وكالة المخابرات المركزية السرية ضد كاسترو وضد الشيوعية في أميريكا اللاتينية.
بدأ ‘أنطونيو ڤيشيانا’ حياته كمصرفي مؤيد لفيدل كاسترو عندما قلب نظام حكم الديكتاتور ‘فولجينسيو باتيستا’ بالقوة العسكرية عام ١٩٥٩ وانقلب عليه عندما اتجه كاسترو إلى المعسكر الشيوعي بعد رفض الولايات المتحده التعامل معه لأنه قلب نظام حكم حليفها وعميلها ‘باتيستا’. بدأت أجهزة الأمن الكوبية بمراقبته وملاحقته ما أجبره على الهرب بقارب إلى فلوريدا بمساعدة وكالة الإستخبارات المركزية وعلى نفقتها وجندته للعمل لحسابها وبدأت حربها الشعواء ضد كوبا إقتصادياً وصناعياً وإرهابياً.
كان ‘ڤيشيانا’ قد تعهد بإلقاء الضوء على قضية الإغتيال التي تعتبر من أكثر القضايا غموضاً في العصر الحديث ومشاهدته، عن طريق الصدفة، إجتماع أحد كبار مسؤولي الوكاله مع ‘لي هارڤي أوزوالد’ قبل اغتيال الرئيس ‘چون إف كينيدي’.
كتب ‘ڤيشيانا’ مذكراته تنفيذاً لتعهده بمشاركة الصحفي ‘كارلوس هاريسون’ الحائز على جائزة “پوليتزر” بعنوان “دُرِّبَ لِيَقْتُلْ”. نشر تلك المذكرات في مؤتمر عقد عام ٢٠١٤ بمناسبة مرور الذكرى الخمسين على صدور تقرير لجنة “چون وارن” التي شكلها الرئيس “ليندون چونسون” للتحقيق بالإغتيال وتوصلت إلى إستنتاج مثير للجدل بأن أوزوالد عمل لوحده دون مشاركة أحد. إن هذا الإستنتاج غير واقعي على الإطلاق لأنه من غير الممكن إطلاق ثلاث طلقات من بندقية يدوية، كالتي استخدمها أوزوالد خلال ثماني ثواني فقط، إذ لابد من وجود شخص آخر ساهم بعملية الإغتيال. هذا من جهة، من جهة أخرى، كيف يمكن تفسير قيام رصاصة واحده باختراق رأس الرئيس والخروج منه لتخترق صدر حاكم تكساس وتعود من جديد لتصيب رقبة الرئيس؟؟
في عام ١٩٧٥ شكل مجلس النواب (الكونغرس) لجنة جديدة للتحقيق بالإغتيال على أثر فضيحة ‘ووتر غيت’ الشهيرة. تمكن عضو الكونغرس ‘غايتن فونزي’، وأحد المحققين في اللجنة المذكورة من تتبع أثر ‘أنطونيو ڤيشيانا’ دون أن يكشف عن دوره الحقيقي في اللجنه، بل اكتفى بتصريح واحد عبر فيه عن دوره بالتحقيق بالعلاقة بين المجموعات الكوبية اللاجئة ووكالات الإستخبارات. شرح ‘فونزي’ على صفحته الخاصة تحت عنوان ‘التحقيق الأخير’ بأن ‘ڤيشيانا’ كشف له عن نفسه وعن الإسم الحركي لمدربه في ‘السي آي إي، موريس بيشوب’ وأنه شهد إجتماعاً غير عادي في دالاس في إيلول/سيبتمبر ١٩٦٣، أي قبل شهرين من إغتيال الرئيس كينيدي. ضم الإجتماع المذكور بيشوب ورجل آخر قدم له على أنه ‘لي’ ولم يكن سوى لي هارڤي أوزوالد المتهم باغتيال الرئيس.
أدرك ڤيشيانا أنه من الحكمة أن يبقى حذراً وأن لا يتحدث عن ما رَآه. حاول فونزي أن يظهر بمظهر اللا مبالي ولكنه اعترف فيما بعد بأن ڤيشيانا كان يؤكد تماماً شكوكه القديمة جداً بالعلاقة المباشرة لوكالة الإستخبارات المركزية باغتيال ‘چي إف كي’.
في العدد القادم سنكمل الحديث عن الأدلة التي تؤكد علاقة وكالة الإستخبارات المركزيه بالإغتيال ثم نناقش بعدها مساهمات الجهات الأخرى بعملية الإغتيال ودوافعها.
حتى ذلك الحين وبمناسبة قرب حلول أعياد الميلاد المجيد ورأس السنه الميلادية ٢٠١٨، أتمنى للجميع وبدون استثناء ميلاداً مجيداً وعاماً جديداً ملؤه الصحة والسعادة وكل عام وأنتم جميعاً بالف خير.