بقلم: بشــير القــزّي
نشأ كلٌّ منا وهو يسمعُ، بين الحين والآخر، عن انقلاباتٍ في الميادين السياسية في بلداننا، أو البلدان المجاورة لها، وقد أدٌت تلك الانقلابات إلى سفك الكثير من الدماء البريئة في معظم الأحيان، كما نتج ظهور زعماء جدد كانوا أحياناً أسوأ من الذين قامَ زعماء الإنقلاب بالتخلّص منهم!
إلّا انه في الميدان الثقافي لست على علمٍبأيّ انقلاب حدث في الماضي القريب أو البعيد، لتغيير رئيس مجموعة نظراً لاختلاف بالرأي بينه وبين أعضاء من مجلسِ المجموعة! وهذا مع لفتِ النظر أن من يصبح عضواً في تجمّع ثقافي لا يعني أبدا أن ذاك الشخص أصبح يُعدُّ مثقفاً مهما مكث في مركزه! المعضلة في مجتمعاتنا أننا نتباهى أكثر ممّا نستحق ونجعل من الكراهية سبيلاً لإفشال مشاريع غيرنا دون ان يكون لدى الانقلابيين أيّ فكرة جديدة! خلال السنوات الأخيرة عجز أيٌّ من أعضاء المجلس عن تقديمفكرة واحدةتؤدّي إلى عمل ثقافي جديد! أمّا إذا قرأنا نصاً كتبه أحدهم فنتساءل: هل غيّروا اسم المنتدى من ثقافي إلى غير ثقافي؟
“ولا تَظُنَّنَ الذين احتلّوا مراكزَقد أصبحوا أهلاً لها
فكم من السفُنِ التي استوليَ عليها غرقت بخاطفيها”
وهنا لا بدّ من طرح بضعة أسئلة:
• هل يجوز تجاهل رأي الأعضاء لدى إجراء تغييرات في المجلس الإداري؟
• هل من الجائز تنحية رئيس المنتدى دون توجيه تهمة له؟ وهل يجوز إصدار حكم عليه دون السماح له بالدفاع عن نفسه؟
• هل يجوزتغيير رئيس المجلس دون دعوة الرئيس الى جمعية عمومية أو حتى اجتماع للمجلس الإداري؟
• استناداً إلى أي قانون يجوز لبعض أعضاء المجلس الإداري التنقّل خٍفية والذهاب ألى “مسجّل الشركات “لإجراء تعديلات في المراكز وتغيير الرئيس دون إعلام الرئيس نفسه؟
• هل من المقبول اعتبار الأعضاء مجرّد ارقام لا يوجد لهم أي حق في الإعلان عمّا يرغبون به؟
وتعود بي الذاكرة إلى واقعةٍ حدثت منذ قرابة العقدين. صاحب هذه الواقعة هو صديق كريم تربطني به علاقة مميزة تعود إلى سنين طويلة!
كنت وقئذٍ نائباً لرئيس إحدى الجمعيات الكبيرة والهامة في مونتريل. تمّ الإعداد لسهرة عشاء هامة في وسط المدينة وكانت بطاقة الحضور تصل إلى قرابة الثلاثمائة دولاراً. أمّا عدد الحضور فكان يفيض على الستمائة شخص! وكان الكثير من المدعوين من الشخصيات البارزة في البلاد وبينهم وزراء ونواب وغير ذلك!
كنت أجلس على طاولة قريبة مما يسمى بطاولة الشرف. وكان بين الذين كانوا على تلك الطاولة شخصٌ يمثّل الجهة التي ينتمي إليها على الصعيد الكندي، بينما تمّ إجلاس من يمثّل تلك الجهة على صعيد كيبيك على طاولة قريبة جلس عليها عدد من النواب!
بعد ان جرى الترحيب بالشخصيات الرسمية، انسحب صديقي من طاولته وترك الاحتفال!
ما ان جاء نهار الاثنين حتى وصلني اتصال من مكتب صديقي. ما ان أخذت المكالمة حتى انهال عليّ بكلامٍ قاسٍ لم أسمعه من قبل! قال لي: “تمّ إعلامي أنك كنت المسؤول عن إجلاس المعازيم!” أجبته بالنفي وبأنني لم أتدخّل بالأمر إلّا أنني على علم أنهم استشاروا البروتوكول! قام بلعن البروتوكول وقال:” ليتكلم معي مسؤول البروتوكول ويشرح لي موقفه!” وإذ وجدت أني أمام حاجز لا أستطيع تجاوزه، توجهت نحو صديقي قائلاً: “صاحب السعادة، انت من تُشرّف الطاولة، وليست الطاولة التي تُشرفك! “ ثمّ استطردتُ قائلاً بعد ان توقّف عن الحديث: “والطاولة التي تجلس عليها تصبح طاولة شرف أينما كانت!”
أجابني أنه لا يريد أجوبة دبلوماسية، إنما تمكنت من تجاوز المحنة وانتهى النقاش!