بقلم: تيماء الجيوش
في شهر أيلول/ سبتمبر للعام ٢٠٢٠احتفلت الامم المتحدة بمرور خمس و سبعين عاماً على انشائها. و هي احتفالية لها خصوصيتها هذا العام فهي تأتي مترافقةً مع وباء الكورونا و ما أفرزه هذا الوباء من نتائج انعكست سلباً على التضامن الدولي و زادت من حدة الضغط كما و أصابت قضية المرأة في الصميم بتصاعد عدم المساواة و أشكال جديدة للعنف و ظروف انعزالٍ غير مسبوقة. كما كان من نتائج موجة الوباء هذه تحديداً أن حدة النقاش استعرت و ارتفعت حول الأمم المتحدة، وجودها، مستقبلها و آلياتها. و هو ليس بالنقاش الجديد بل هو نقاش قديم ، إن كان من حيث التأييد للأمم المتحدة و الدفاع عما تقدمه على الساحة الدولية، أو معارضاً لبقائها ، او مؤيداً و مطالباً بذات الوقت بتحديث آلياتها أو طرح ما تبقى للنقاش.
يجدر القول هنا أن تواتر هذا النقاش بين الفينة و الفينة جعل الامم المتحدة تخرج اقوى دوماً مما مضى مستمرة ببذل العمل و تحقيق اهدافه التي تلتزم بها و بما يمليه عليه دورها كمنظمة أممية حافظت على مسافة واحدة في تعاملها مع الدول المختلفة و بالقدر المعقول الذي أتاحه لها الظرف الدولي هنا او هناك بل و بقدرٍ من العقلانية و العملية. تُرفع لها القبعات انحناءً لعملها الذي كان و لا زال عليه المرور بالكثير من الضوابط و المحددات و الخطوط دبلوماسياً و سياسياً و التماس المباشر و غير المباشر لمصالح الدول المختلفة . ليس سهلاً او هيناً أن تُقيم منظمة كالامم المتحدة التوازن في العالم و تعمل في محيطٍ يغلب عليه الاضطراب احياناً و الحروب في أحيانٍ اخرى و قد ينتشي بالسلم في بعض الاحايين. و ما بين هذا و ذاك شهد العديد منا امام شاشات التلفاز او وسائل التواصل الاجتماعي و في مناسباتٍ مختلفة صرخات الافراد تتعالى في الأقطار العربية كما في البلدان الاخرى أين هي الامم المتحدة ؟ أين هو المجتمع الدولي ؟
هذه الصرخات على وجعها تعكس بطريقةٍ ما ما سعت اليه هذه المنظمة لتحقيقه بأن تكون المنبر الذي تُطرح فيه الاسئلة الاشدُّ تعقيداً كالسلم و الحرب و حقوق الانسان. لن نُفاجئ كثيراً إن علمنا أن الأمم المتحدة بمنظماتها ووكالاتها و برامجها و موظفيها قد نالت جائزة نوبل اثنا عشر مرة. تحدٍ يتلوه اخر و هي تزداد رسوخاً في العمل السياسي و الديبلوماسي الدولي . في حياة المجتمعات اليومية بات مألوفاً أن تجد العديد من عاملي و عاملات الامم المتحدة يسعون حثيثاً لإحداث فرقٍ نوعي من خلال عملهم مع اللاجئين و خيامهم المتناثرة ، و بذات الدرجة يحافظون على السلام في مناطق متوترة و مناطق الحرب . لعل هذا الإلتزام الإنساني في ظل أقسى الظروف و أتعسها ينقل عدوى الحماس الى من يحيطيهم ، يُبرهن على الممكن البسيط وإن ابتدأ من تقديم رغيف خبز إلى قلمٍ لتلميذٍ على مقعد الدراسة الى الرعاية الصحية الى ردع الحروب و مقاومة العنف و جذب السلام بكل ما أوتوا من قوة. هذا كله لا يأتي بانسيابية بل هو عبارة عن رزمة بكل ما لها و ما عليها. بشجاعة تقدم العديد من ديبلوماسيي الامم المتحدة ينتقدون أوضاعاً لا إنسانية كرستها سياسات حكومات قمعية أو التفافاتٍ و اصطفافاتٍ سياسية لإفراغ بعض البرامج الأممية من مضمونها كما حدث مراتٍ عدة . على أية حال لا يمكن الحديث عن الامم المتحدة دون الحديث عما قدمته على الصعيد النسوي . في هذا الخصوص من اهم القرارات ، كان قرار مجلس الامن الدولي في العام ٢٠٠٠ وبرقم ١٣٢٥ باعتبار أن كل ما يقع من عنفٍ جنسي هو من اختصاصه و عمله و يقع تحت ولايته . هذا القرارهو حقيقةً نصر للمرأة ليس فقط بحثه على المساواة و احترام حقوق الانسان ودعوته الحازمة الى ايقاف استخدام المرأة كهدفٍ مباح في الحروب و الحروب الاهلية، إنما بجعل قضايا العنف ضد المرأة في النزاعات المسلحة أولوية لدى مجلس الامن . و على هذا فقد اعتُبِر تشريعياً قرار اً نوعياً بربطه بين العنف ضد المرأة لا سيما في مناطق النزاع المسلح من جهة و علاقته بدورها في عملية بناء الامن والسلام الدوليين. القرار الاخر الذي تلاه هو القرار ١٨٢٠ الذي أكد اهداف و محتوى القرار ١٣٢٥ وأضاف ان العنف ضد المرأة في مناطق النزاع هو جريمة حرب يُعاقب مرتكبيها أمام المحاكم الدولية و زاد عليه بانه ممهد لجرائم الإبادة الجماعية و هو بالتالي مستثنى من العفو. كان هذا جلياً في المادة الرابعة من نص القرار : (يلاحظ أن الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي يمكن أن تشكّل جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، أو فعلا منشئا لجريمة تتعلق بالإبادة الجماعية، ويؤكد ضرورة استثناء جرائم العنف الجنسي من أحكام العفو العام في سياق عمليات حل النزاعـات، ويطلب إى الدول الأعضاء أن تمتثل لما عليها من التزامات بمقاضاة الأشخاص المسؤولين عن هذه الأعمال، لضمان تمتع كافة ضحايا العنف الجنسي، ولا سيما النساء والأطفال، بالحماية المتكافئة بمقتضى القانون والمـساواة في فرص اللجوء إلى العدالة، ويشدّد على أهمية الحيلولة دون إفلات مرتكبي هذه الأعمال من العقاب في إطار منهج شامل يـسعى نحـو الـسلام المـستدام والعدالة والحقيقة والمصالحة الوطنية). توالت القرارت عن المرأة عبر السنين الماضية لكن أهمية هذين القرارين تحديداً تنبع من اهميتهما المطلقة فيما يتعلق بالمرأة و النزاع و بالتالي طرح الحماية كأمرٍ يستدعي الاهتمام الدولي و القانوني. هكذا هي الامم المتحدة تثير النقاش ، تتحدى ما هو قائم و تتقدم بما يثري الكرامة الانسانية و احترام الحقوق الاساسية. نحن نحتاجها ، نحتاج مؤسساتها و صناديقها، نحتاج عامليها، نحتاج قرارتها لترمي حجراً في المياه الراكدة. كل عام و الامم المتحدة بخير. كل عام و مجتمعاتنا الانسانية تنعم بالامن و السلام . كل عامٍ و نساء العالم عزيزاتٍ آمناتٍ كريمات.
اسبوع سعيد لكم جميعاً.