بقلم: د. خالد التوزاني
حرصت الأديان على بناء إنسان فاضل وكامل، وخاصة خاتم الأديان، دين الإسلام، ورسوله محمد صلى الله عليه، الذي أدهَشَ العالَمَ بالحث على مكارم أخلاقه وأشكال تعامله مع الموجودات، مصداقا للحديث الشريف: «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، فكان التتميم للأخلاق سبيلا لصناعة «إنسان كامل» يجمع بين التكمَّل والتجمّل بأنواع صفات الكمال والجمال؛ من علمٍ وتخلُّقٍ ومُخالفةٍ لهوى النفس، فإذا اشترك البشر جميعا في النشأة الأولى المرتبطة بصُنعِ الله للجسد، فَهُمْ ولا شك، اختلفوا في التكمل ونيل مراتب التفاضل ومقامات القرب من الحق، وكانت محاولة الارتقاء بالإنسان موضوعاً لكثيرمن الفلسفات والنظريات والمناهج، ولكننا في هذا المقال سنركز على ما له صلة بالأديان، وتحديداً مدرسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
نجحت المدرسة النبوية في صناعة إنسان كامل، بعد كمال التقويم، مصداقاً لقوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (التين:4)، هذا التقويم الذي يحتاج إلى التكمّل بالإيمان والعمل الصالح، كما قال سبحانه وتعالى: «ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» (التين: 5-6)، ولذلك، شاع تعريف البشر فيما بينهم ذكر تقويم الأذهان لا تقويم الأبدان، فالأول إذا ارتبط بالإيمان كان تكملا، أما الثاني فمهما تجمَّل بأنواع التزيّن الظاهري فهو لا يغادر وصف «أَسْفَلَ سَافِلِينَ»، ولذلك كان لابد من إخضاع «بناء الإنسان» لمقتضيات الإيمان، حتى يستكمل إنسانيته، ويصعد من درك السفلية، إلى سُلَّمِ الخُصوصية، وبما أنَّ الإيمان محلّه القلب، فإنَّ السلوك هو الذي يكشف عن صدق الإيمان ويختبر قوّته، فما أكثر الكلام ولكن ما أقلّ العمل، وهذا بيت الداء؛ ازدواجية الخطاب، أو التنافر بين الإيمان باللسان والعمل بالجوارح، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً يمشي على الأرض، لشدة مطابقة سلوكه وتصرفاته مع التوجيه الرباني ومقتضيات السلوك الأخلاقي المِثالي.
تملك المدرسة النبوية القدرة على الإسهام في تكوين إنسان اليوم، إنسانا متخلقا بأخلاق الكمال المحمدي الذي لا يضاهيه كمال بشري آخر، وذلك في ظل الحاجة المتزايدة لتخليق السلوك وربط الإنسان بالقيم والفضائل، ورده لأصله الأوّل المتمثل في صفاء فطرته ونقاء سريرته، تلك الفطرة التي جُبِلَ عليها، والتي يدرك من خلالها الخير والشر ويميّز الصواب من الخطأ استنادا إلى تجربة النفس الزكية في النفور الفِطريّ من الحرام وترك ما لا تملك أو ما لا يحق لها أن تتصرف فيه والاشمئزاز من ظلم الآخرين أو الاعتداء على الغير.
إن أهمية المدرسة النبوية، تكمن في حماية الفطرة، وهي الأساس في البناء النفسي والروحي للإنسان، وسلامتها عامل مهم من عوامل الاستقرار والثبات، وأيضا تمثل الفطرة أحد أهم أنواع الوازع الأخلاقي الذي خُلِق مع الإنسان، قال تعالى «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون» (الروم:30)، حيث تؤكد هذه الآية أنَّ الدِّين القيّم جاء ليحافظ على فطرة الله التي فَطَرَ الناسَ عليها، فلا تتعرَّضُ نفوسهم للمسخ والتشويه، فيختلط عليها الحق والباطن، وهذا توجيه ربانيّ لا تبديل له، قال تعالى: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» (الأحزاب: 62)، ولا شك أنَّ الفطرة التي تحدَّث عنها القرآن الكريم هي نفسها التي تؤكدها المدرسة النبوية في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، وهكذا، فإنَّ الإضافة التي جاءت بها هذه المدرسة الفريدة في التربية، هي ربط بَقَاء الفطرة الأولى بالتنشئة الوالدية، وأيضا جعل الفطرة مرادفة للإسلام، والإسلام نفسه مرادف للقيم والأخلاق في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ومعلومٌ أنَّ الأخلاق تتجلى في السلوك، باعتباره ظاهرا ملاحَظًا، يعبّر عن الباطن أو ما في القلب، ولمَّا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجا للإنسان الكامل، فقد كان سلوكه مطابقا لما في قلبه وفكره، وهذا التجانس بين الفكر والسلوك دليل الكمال في الصحة النفسية، تبعا لنظرية التنافر المعرفي في علم النفس الاجتماعي، حيث توجد علاقة بين المعرفة والسلوك أو طبيعة التصرف، ولذلك فقد مدح الحق تعالى نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق في قوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم:4)، وهو تأكيدٌ للتجانس الكلي والتطابق التام بين الإيمان والعمل، ولذلك كان خلُقه القرآن، بل كان قرآنا يمشي على الأرض.
إن لفتَ الانتباه لقيمة المدرسة النبوية ودورها في صناعة إنسان كامل، يمكن أن يفيد الباحثين المهتمين بالتنمية البشرية وخاصة أولئك الذين يقتبسون منهج التنمية الذاتية من برامج مستوردة من أقصى الشرق أو الغرب، مثل البرمجة اللغوية العصبية، ومثل فنون أخرى لها صلة بتنمية قدرات الذات الإنسانية، ولكنها برامج من إبداع بشري قاصر النظر ومحدود الأفق فضلا عن بعض المخاطر التي تتضمنها وخاصة تأثيرها في جانب العقيدة الإسلامية عندما تؤكد تلك البرامج على قوانين التغيير الداخلي، حيث قد تصطدم بما هو موجود في العقيدة عند المسلمين، حيث إنَّ القلوب بيد الله يقلّبها كيف يشاء، كما ورد في الحديث الشريف: « إن القلوبَ بين أصبعين من أصابع الرحمن، يُقلِّبها كيف يشاءُ»، فالتغيير مرتبط بإرادة الله وليس البشر، ولكن الله يعين المرء ويوفقه إذا كانت له نية التغيير الإيجابي في سلوكه وصاحَبها بالمجاهدة والمكابدة، قال تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ» (العنكبوت: 69)، في حين البرامج التدريبية المستوحاة من ثقافات بعيدة عن الإسلام، تنظر إلى العقل باعتباره الفاعل الأول، وتُقدِّسُ الذات إلى الحدّ الذي يجعلها ربّاً يُعبد بطريقة غير مباشرة، وهذا جزءٌ من الوثنية التي جاء الإسلام ليُخَلِّصَ الإنسانَ منها، فلا يتعلَّقُ إلا بالخالق وحده، كما تؤكد ذلك تفاصيل السيرة النبوية، وخاصة مشاهد الهجرة، في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وهما في الغار وقد اقترب أهل قريش منهم: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما»، كما وردت القصة في القرآن الكريم، فلا العقلُ ولا العِلمُ ولا الحِيلة، يمكن أن تنفعَ الإنسانَ في غياب العناية الإلهية، أو كما قال الشاعر:
إذا لم يكن من الله عونٌ للفتى فأوّلُ ما يجني عليه اجتهادُهُ
من هنا، ندرك أهمية العقيدة الإسلامية في تحصين الإنسان، وجعله يتعلق بمُسَبِّبِ الأسباب، الشيء الذي يؤدّي إلى إحداث التغيير الداخلي للإنسان بشكل عميق ودالّ، ولا شكّ أنَّ السيرة النبوية التي هي بمثابة دليل عملي نحو الكمال الإنساني المنشود، وما أحوج أهل التنمية البشرية لتوظيفها في برامجهم ومداخلاتهم التحفيزية.
الإنسان الآمن والناشِر للأمن توجد علاقة بين الإيمان بالله وصناعة الأمن ونشر الأمان وترسيخ السّلم، والمدرسة النبوية رائدة في هذا المجال، ولا غرابةَ أن يكون السَّلامُ هو تحيةُ الإسلام، ويأمرنا بإفشاء السلام، لأن إفشاء السلام يؤدي إلى نشر المحبة، فيكتمل الإيمانُ ويستحقُ المؤمنُ الجنةَ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أوَ لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتهم: أفشو السـلامَ بينكم»، علما أن إشاعة السلام ونشر السّلم يقتضي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أن تقرأ السلام على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تعرف»، فيشيعُ السّلمُ على العالم ويفيض على كل الموجودات، ولذلك حرّم الإسلامَ الهجر والقطيعة ودعا إلى المحبة والإخاء بين الناس، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان فيُعْرِضُ هذا ويُعرضُ هذا، وخيرُهُما الذي يبدأُ بالسَّلام»، كما أن السلامَ هو ما يستقبلُ به المسلم الناسَ بعد الفراغ من العبادة، فيقول بعد الصلاة: «اللهمَ أنتَ السلامُ ومِنك السلام، تباركتَ ذا الجلالِ والإكرام، ويبيّن لنا الإسلام أن الأصل في العلاقات بين المسلمين وغيرهم هو السلامُ وليسَ الصّدامُ، قال تعالى: «وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ» (الأنفال: 61)، ومن صفات عباد الرحمن أنهم يقابلون بهذا الاسم (أيّ السلام) مَنْ يجهلُ عليهم، قال تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا» (الفرقان: 63)، وينهانا القرآن الكريم عن حرمان الأمان لمن ألقى إلينا السلام، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ» (النساء: 94)، كما سُمّيت الجنةُ بدار السلام، قال تعالى «لَهُمْ دَار السَّلَام عِنْد رَبّهمْ وَهُوَ وَلِيّهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأنعام: 127).
وإذا كفر الإنسانُ بأنعُم الله، رفع الله أمنه وسِتره فسلّط عليه لباس الجوع والخوف، قال تعالى: «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» (النحل:112)، فللأمن صلة وطيدة بالإيمان وشُكرُ نِعم المَنَّان، مع الحرص على نقاء هذا الإيمان من كل ظُلمٍ، قال تعالى: «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» (الأنعام:82)، ومع أنَّ الإيمانَ مُستقرّهُ في القلب إلا أنه يتجلى في عمل الجوارح ويسري على سائر الجسد ليفيض على السلوك، انسجاما مع القاعدة المشهورة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». فنستنتج أن «الإيمان بالله هو الذي يحقق الأمن الداخلي للإنسان، والأمن الداخلي ينعكس على أمن الشخص الخارجي، وبالتالي على أمن المجتمع الخارجي»، ويؤكد هذا الفهمَ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أُخبركم بالمؤمن؟ مَنْ أمِنه الناسُ على أموالهم وأنفسهم، والمسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده». فيلتقي الأمنُ بالسّلم ليؤسسا معاً جوهر الإنسان الذي يريده الحق تعالى وتعمل السيرة النبوية على تنشئته.
أما السّلمُ في اللغةِ فيشمل مظاهر السّلامةِ الخارجية، في حين يرتبط الأمن بدلالات داخلية نفسية، ولذلك اختارت الشريعة مصطلحَ «الإسلام» للدلالة على الأفعال الظاهرة، بينما اختارت لفظ «الإيمان» للدلالة على التصديق الباطني، وقد سَمّى الحق تعالى نفسَهُ بــ «السلام» و»المؤمن»، قال تعالى: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (الحشر: 23)، أما اسمه تعالى المؤمن فمعناه كما يقول الإمام أبو حامد الغزّالي: «هو الذي يُعزى إليه الأمن والأمان بإفادته أسبابَه وسَدِّه طرق المخاوف، ولا يُتَصَوَّرُ أمنٌ وأمانٌ إلا في محلّ الخوف، ولا خوف إلا عند إمكانِ العدمِ والنقصِ والهلاك، والمؤمنُ المطلق هو الذي لا يتصور أمن ولا أمان إلا يكون مستفادا من جهته وهو الله سبحانه وتعالى»، والتعلّق بهذا الاسم الشريف له سبحانه رغبةً ورهبة، وطلباً للأمن وثقةً في حصوله، هو من أعظمِ أسبابِ الأمن الروحي والاستقرار النفسي المؤدي إلى أن يصبح المسلم أمانا لمن حوله وطاقةً للحب والإشفاق على الناس جميعا، وهدايةً لهم إلى أسباب الخير، وأعظمُ مَنْ تحقق بذلك الأنبياء عليهم السلام، وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزالي: «حظ العبد من هذا الاسم والوصف؛ أن يأمَنَ الخلقُ كلُهم جانِبَه، بل يرجو كل خائفٍ الاعتضادَ به في دفعِ الهلاكِ عن نفسه في دينه ودنياه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَأْمَن جارُه بوائِقَه»، وأحقّ العباد باسم «المؤمن»؛ مَنْ كان سببا لأمن العبد من عذاب الله بالهداية إلى طريق الله عز وجل، والإرشاد إلى سبيل النجاة، وهذه حِرفةُ الأنبياء والعلماء».
إن الإيمان بالله هي المادةُ التي تُثمر الأمن، وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبريلَ المشهور بأنه: «الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره»، ولذلك كان الإيمان بالله حقيقةً مطلقةً لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها، ثم يترقى المؤمن في منازل السير إلى الله تعالى حتى يبلغ مقامَ الإحسانِ، وهو « أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، ليعيش المؤمنُ حالاً أكثر من الأمْنِ، وهو الشُّعورُ بالقُربِ، ومظهره إتقانُ الحركاتِ والسكنات، وصاحبُه يستحقُ أن يكون خليفةً لله في الأرض، لأنهُ مَنْ سيتحمّل أمانةَ الاستخلافِ فلا يَظلمُ ولا يَجهلُ، قال تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً» (الأحزاب: 72)، إذ لا يؤدّي حق هذه الأمانةِ العظمى إلا مَنْ كان مؤمنا حقّاً مكتمل الإيمان، أو قل هو الإنسان الكامل الذي نزع من نفسه الرذائل وجمّلها بالفضائل، كما قال البني صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، وقد أمر الله بأداء الأمانات وحرّم الخيانة، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (الأنفال: 27).