بقلم: د. حسين عبد البصير
الملك مرنبتاح، أو «محبوب الرب بتاح»، هو ابن وولي عهد الملك رمسيس الثاني العظيم. لقد كان مرنبتاح هو الابن الثالث عشر للملك رمسيس الثاني، والذي خلف أباه المعمر على عرش مصر العظيم. وتولى حكم مصر وهو في العقد السابع من عمره. وحكم مرنبتاح حوالي عشر سنوات. وتم توثيق فترة حكمه في ثلاثة نقوش عظيمة: الأول عبارة عن حوالي ثمانين سطرًا على لوحة في معبد الإله آمون في الكرنك، والثاني عبارة عن لوحة ذات 35 سطرًا من منطقة أتريب، أو بنها، في الدلتا، والثالث هو لوحة الانتصار العظيمة التي وجدها عالم الآثار البريطاني الأشهر السير وليم فلندرز بتري في عام 1896 في المعبد الجنائزي المدمر للملك مرنبتاح في طيبة أو الأقصر، والمكونة من 28 سطرًا. وتشير اللوحات الثلاث إلى حملات مرنبتاح العسكرية وتكمل الواحدة منها الأخرى.
وفي سنوات حكم الملك رمسيس الثاني الأخيرة ساد السلام والهدوء على الحدود المصرية وبين الدول التابعة لمصر، غير أن الزمن قد تغير الآن في عهد الفرعون مرنبتاح. فهب تمرد في جنوب سوريا وسرعان ما تمت السيطرة عليه من قبل الفرعون القوي. وتمت مهاجمة حليف مصر الملك الحيثي في ممتلكاته الشمالية، وحدثت مجاعة في أرضه؛ نتيجة نقص المحاصيل الزراعية، فأرسل الملك المصري مرنبتاح إليه الحبوب؛ لأن مصر كانت سلة الغلال لبلاد الشرق الأدنى القديم، كما تذكر القصة التوراتية.
وكان هناك عدم استقرار على حدود مصر الغربية مع الليبيين الذين انتشروا في الدلتا المصرية في العام الخامس من حكم الملك مرنبتاح، وحاولوا غزو مصر وإحداث ثورة في بلاد النوبة وواحات صحراء مصر الغربية. فقام الملك مرنبتاج بتحرك سريع وهجوم شديد وقضى عليهم وذبح منهم ما يزيد على ستة آلاف فرد. وقام مرنبتاح بإخضاع النوبيين بعد القضاء على الليبيين. وعلى الرغم من كبر سن مرنبتاح، فإنه لم يتهاون مطلقًا في الدفاع عن مصر وتأمين حدودها وقهر أعدائها بقسوة وجعل منهم عبرة لمن يعتبر. وعلى لوحة انتصار مرنبتاح الكبرى، كتب الملك المنتصر مرنبتاح يفتخر بالقضاء على كل الأعداء. ومن بين ما تمت كتابته على تلك اللوحة، جاء الذكر الوحيد لإسرائيل في كل الآثار المصرية القديمة وقال :»تم القضاء على إسرائيل، وأختفت بذرتها، وصارت فلسطين أرملة لمصر». وهنا تم تصوير كتابة كقبيلة وليس كبلد له منطقة جفرافية محددة كمعظم البلاد من أعداء مصر التقليديين. وهذا ما جعل البعض يعتقد أن الملك مرنبتاح هو فرعون الخروج الذي خرج في عهده بنو إسرائيل من أرض مصر المباركة، غير أن هذا الأمر ما يزال محل جدال بين العلماء ولم يتم حسمه بعد وإلى الآن.
مرنبتاح ملك مصري عظيم هو خير خلف لخير أسلافه العظام: أبيه رمسيس الثاني العظيم، وجده الملك سيتي الأول المحارب العظيم، وجده الأعلى الملك رمسيس الأول. تلك ذرية بعضها من بعض، لا يهمها إلا نهضة مصر ومجدها ورفع رأسها عالية خفاقة بين الأمم.