بقلم: ابراهيم شير
كاتب واعلامي سوري
كما كان متوقعاُ ودون أي تأخير ورغم الضغوط الخارجية القصوى أعلنت الدولة السورية السادس والعشرين من الشهر القادم موعداً لإجراء الإنتخابات الرئاسية. قرار سيادي اتخذته دمشق يثبت مرة اخرى أن القرار الأول والأخير في البلاد هو للدولة السورية فقط وليس لأي شخص آخر سواء كان حليفاً أو عدواً، لأن الجميع حاول تأجيل هذا الاستحقاق الدستوري وتأخيره تارة بزعم الإنتظار للإنتهاء من اعمال اللجنة الدستورية وتارة اخرى بالحصار والضغوطات الإقتصادية ووصلت الى حد التهديد العسكري، ثم خرجوا بإسطوانة الوضع الإنساني بسبب وباء كورونا، متجاهلين أن الولايات المتحدة نفسها أجرت الإنتخابات بظل كورونا. ورغم جميع ما سبق اصرت دمشق على إجراء الإنتخابات بموعدها وبذلك أكدت على سيادة الدولة رغم محاولة تصويرها على أنها قد ضعفت.
الإنتخابات الرئاسية في هذا الوقت ترسم معالم المرحلة المقبلة التي تختلف تماماً عما سبقها. ففي انتخابات عام 2014 كان مطلب الشارع الرئيسي إنهاء حالة الحرب التي تعيشها البلاد خصوصاً وأن أغلب مناطق البلاد تحتلها الجماعات الإرهابية، لذلك كان خيار الدولة الأول هو محاربة الإرهاب وإعادة الأمن والأمان الى المدن السورية، وفعلاً هذا الأمر تحقق منذ الانتخابات الماضية وحتى اليوم، فقد حرر الجيش السوري نحو 70 بالمئة من أراضي البلاد والآن بات لا يحارب الإرهاب فيما تبقى من أراضي بل يحارب الدول الأجنبية التي مولت ودعمت الارهاب مثل اميركا وتركيا وفرنسا واسرائيل.
أما الانتخابات الآن فقد تبدل كل شيء وبات مطلب الشارع الأول تحسين الوضع الاقتصادي والتغلب على الحصار، الذي يجب أن يكون بدعم مباشر وقوي من الحلفاء وخصوصاً روسيا، لأن دولة مثل سوريا تتعرض لمثل هذا الحصار من جميع دول العالم لن تستطيع التغلب عليه بمفردها، لأن هذا الحصار حرب اقتصادية لا تختلف عن العسكرية، بالإضافة الى القيام بإصلاحات اقتصادية من شأنها مساعدة في تعزيز صمود رؤوس الاموال الوطنية. أما المطلب الثاني للشارع هو مكافحة الفساد ووضع حد للتهرب من العقاب. وجميع ما سبق لا ينفي وجود مطلب حقيقي لتحرير ما تبقى من اراضي البلاد حتى وإن وصل الأمر الى حد الاشتباك مع الدولة المحتلة.
الحرب على سوريا منذ نحو عقد كان هدفها الأول ضرب مؤسسات الدولة واسقاطها بالإرهاب ثم ضرب ومشروعية النظام السياسية في البلاد عبر استهداف رأسه، وعندما فشلوا في هذا الامر توجهوا للمرحلة الثانية وهي الحصار وذلك للضغط على الدولة اقتصادياً لضرب مشروعية النظام السياسي الشعبية ومحاولة إخراجه من المعادلة في الحاضر والمستقبل، لكنهم فشلوا في هذا الامر ايضا فالشعب السوري اختار أن يعيش بطوابير يصل طولها لخمسة كيلومترات واختار أن يعيش على ساعة كهرباء واحدة يومياً ولا يخرج ضد دولته ما أفشل الهدف من الحصار الغربي.
الانتخابات في موعدها سابقاً كان هدفها الحفاظ على مشروعية النظام السياسي في ظل ضراوة الحرب وبحث الغرب وقتها عن أي مأخذ سياسي أو دستوري ليحاولوا أن ينزعوا الشرعية عن الدولة السورية لكنهم فشلوا في ذلك. أما الانتخابات الآن هدفها هو الحفاظ على المشروعة السياسية والشعبية ومشروعية الأداء السياسي بعبارة أخرى مشروعية الإجراءات الجذرية التي اتخذها ويتخذها وسيتخذها السيد الرئيس بشار الأسد في مكافحة الفساد ورموزه وإدارة عملية إعادة إنتاج النظام السياسي وإدارة الأزمة، وهذا الأمر يدخلنا الى القسم الآخر من المقال وهو لماذا من المهم انتخاب الرئيس الاسد للمرحلة القادمة؟
الرئيس الأسد وبعيداً عن العواطف والشعارات اتخذ خطوات مهمة نحو مستقبل سوريا، وأنا هنا لا انظر الى الأزمة الحالية وآثارها لأن لكل حرب ندوب تتركها في وجه الدول، فمن ينظر الى ونستون تشرشل في ظل الحرب العالمية الثانية يقول أنه دخل في الصراع العالمي ومن سوف ينتخب حزبه ليبقى في الحكم، ولكن فعلياً تشرشل انتخب وبقي في الحكم وهو من صنع نهضة المملكة المتحدة، والأمثلة كثيرة تضرب على هذا السياق وبالتالي الرئيس الأسد الآن وضع أساس المستقبل لسوريا سواء بتحالفات مهمة من الصين شرقاً وحتى روسيا غرباً مروراً بإيران ومعظم دول آسيا، وهذا في منطقتنا فقط ناهيك عن التحالفات المهمة مع الدول الافريقية ومعظم دول اميركا الجنوبية وكل هذه التحالفات تم بناءها وسوريا في حالة حرب وهو ما يؤكد أن السياسة الخارجية للدولة كانت تسير بطريقها المرسوم لها رغم الحرب وظروفها وصعوبتها.
انتخاب الرئيس الأسد في هذه المرحلة سيساهم بصنع الاستقرار في البلاد فالحنكة السياسية والعسكرية التي يملكها استطاعت أن تساهم في صمود البلاد لعقد من الزمن لذلك وجوده في المرحلة المستقبلية سوف يعزز من المطلب الرئيسي وهو تحرير أراضي البلاد بكل الوسائل المشروعة سواء عسكرياً أو سياسياً.
قبل نحو شهر كنت في اجتماع مع مسؤول سوري رفيع المستوى وتحدثنا عن الانتخابات الرئاسية ووقتها قال لي حرفياً أن هذا الاستحقاق هو أشبه بترمومتر لقياس الحالة الشعبية ولوضع الخطط المستقبلية للدولة، بالإضافة الى أنها مقياس حقيقي للتعامل مع قسد في الشرق، فإن كانت جادة بأنها تسعى للحوار مع الدولة السورية وأنها تريد العودة إليها والاندماج معها، فيجب أن لا تمنع اجراء الإنتخابات في مناطقها، وإن مانعت فهي التي ترفض الحوار مع الدولة وتقف ضدها في كل مناسبة.
الحملة الإعلامية للدول المعارضة لدمشق ضد الانتخابات تؤكد أن هذا الاستحقاق يؤرق هذه الدول، وهنا يجب أن نقول للإخوة السوريين في اوروبا وخصوصاً للاجئين لا تسمعوا لبعض الإعلاميين المغرضين الذين يزعمون أن مشاركتكم في الانتخابات سوف تؤدي لترحيلكم من اوروبا، هذا الكلام خاطئ وغير صحيح لأن اولاً الانتخابات سرية ولن يتم اخراج أسماء من اتى الى القنصليات والسفارات للانتخاب، وثانياً بالقانون الدولي والأوروبي لا يوجد شيء اسمه ترحيل اللاجئ لأنه زار سفارته، وإن كان هذا صحيحاً لتم ترحيل الآف السوريين اللاجئين في اوروبا وزاروا القنصلية في المانيا وبريطانيا لإخراج جوازات سفر سورية وسافروا فيها الى ماليزيا ولبنان وايران والتقوا هناك بذويهم الذين جاءوا من سوريا.
الإنتخابات القادمة مهمة بقدر اهمية الحرب المفروضة على سوريا، وخوضها مهم بقدر أهمية خوض الحرب، والانفراجات السياسية والعسكرية والإقتصادية على سوريا سوف تبدأ من بعد انتهاء الاستحقاق الدستوري