بقلم / مسعود معلوف
سفير متقاعد
في الثامن من شهر شباط/فبراير الماضي، تم تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة من أربعة وعشرين وزيراَ برئاسة الدكتور نواف سلام. استبشر اللبنانيون خيراَ أولاَ بانتخاب فخامة الرئيس جوزاف عون رئيساَ للجمهورية، ثم بتكليف الدكتور نواف سلام برئاسة الحكومة وبعد ذلك بإعلان هذه الحكومة الجديدة.
الرئيس عون معروف بقدراته وكفاءته العسكرية، وبوطنيته وعزمه على قيادة البلد نحو الإستقرار والإزدهار، وفوق كل ذلك، هو معروف بنزاهته التامة إذ تسلم الجيش اللبناني أثناء قيادته له مئات ومئات الملايين من الدولارات كمساعدة ولم يكن هنالك حتى أي تلميح بفساد في استعمال هذه الأموال. والعماد عون هو موضع احترام وتقدير كما أنه مدعوم من الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة ومن الدول العربية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية.
من جهته، الدكتور نواف سلام معروف بكفاءته الدبلوماسية بعد أن كان سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة من 2007 حتى 2017 حيث أظهر كفاءة دبلوماسية كبرى، كما أن له خبرة واسعة وعميقة في القضاء الدولي بعد أن ترأس محكمة العدل الدولية، وهو معروف أيضا بنزاهته التامة وكفاءته الكبرى.
لهذه الأسباب يمكن القول أن اللبنانيين إجمالا فرحوا كثيراً بهذه التطورات وعقدوا آمالاً كبرى على هذه الحكومة الجديدة. ولكن هل هذه الكفاءات التي يتمتع بها كل من فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة كافية لإخراج البلاد من الأوضاع السيئة جدا التي تعاني منها منذ سنوات إن لم يكن منذ عقود؟ خاصة وأن خطاب القسم رسم خارطة طريق واضحة المعالم لبناء وطن حديث بعيد كل البعد عن الفساد المستشري حاليا، وطن له وجود فاعل بين سائر الدول. فهل ستستطيع هذه الحكومة تخطي التحديات الكبيرة التي تواجهها سواء على الصعيد الخارجي أو على الصعيد الداخلي؟ فيما يلي أهم هذه التحديات:
أولا: التحديات الخارجية
لا شك أن إسرائيل والحرب التي تشنها باستمرار على لبنان تشكل التحدي الأكبر للحكومة اللبنانية الجديدة. بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار ووجود لجنة خماسية للتحقق من تنفيذه، لم تتوقف إسرائيل عن قصف ليس فقط المناطق الحدودية، بل أيضاً الداخل اللبناني بما في ذلك البقاع والشمال، وتسير طائرات مراقبة دون توقف فوق بيروت والجبل، وتستمر في احتلال قرى في الجنوب اللبناني خلافا لما تقرر في اتفاق وقف إطلاق النار.
التحدي الآخر يأتي في الشرق اللبناني على الحدود السورية حيث يقوم مسلحون سوريون باعتداءات متكررة على قرى لبنانية واقعة على الحدود، مدعين أنها قرى سورية، ولذلك قد يكون من الضروري إعادة المطالبة بترسيم الحدود اللبنانية-السورية من أجل الحفاظ على علاقات جيدة قدر الإمكان مع النظام السوري الجديد.
ولا بد أيضاً من الإشارة الى التحديات الواردة من الولايات المتحدة حيث تتعرض الحكومة اللبنانية من قبل المسؤولين الأميركيين لضغوط من أجل البدء بمفاوضات مع إسرائيل في سبيل تطبيع العلاقات معها، وهذا أمر ما زال لبنان غير جاهز له إذ أنه متمسك بقرارات قمة بيروت 2002 التي تحدد شروط تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل. المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أعلن بوضوح تام الرغبة القوية لدى بلاده ببدء مفاوضات التطبيع مطالبا بتشكيل وفد من مدنيين لبنانيين وليس عسكريين للتأكيد أن المسألة سياسية وليست عسكرية بحتة، كما أن نائبة ويتكوف الدبلوماسية مورغان أورتيغس كررت هذا الطلب في اتصالات لها مع المسؤولين اللبنانيين.
هذه تحديات خارجية كبرى تواجهها الحكومة اللبنانية الجديدة وهي لا تقل أهمية عن التحديات التي تواجهها على الصعيد الداخلي والتي ذُكِر معظمها في خطاب القسم وفي البيان الوزاري.
ثانيا: التحديات الداخلية
1- التحقيق في تفجير مرفأ بيروت: نعرف جيداً كيف تعطل هذا التحقيق بعد أن تسلمه القاضي طارق بيطار وكيف تعرض هذا الأخير للتهديد. عاد الآن القاضي بيطار لمتابعة التحقيق ويبقى السؤال الكبير، هل سيستطيع الآن استدعاء المسؤولين الذين رفضوا الحضور سابقا، وهل سيكتفي بذكر رفضهم للإدلاء بشهادتهم في تقريره، وهل سيوجه التهم الى جهات معينة في التقرير المتوقع صدوره بعد أشهر قليلة؟
2- محاربة الفساد: لا أحد يجهل مستوى الفساد الذي وصلت إليه البلاد، ومحاربة هذه الآفة تشكل تحدياً كبيراً جداً للحكومة اللبنانية خاصة وأن وعوداً قد قُطِعت في خطاب القسم وفي البيان الوزاري لإنهاء الفساد، فهل ستتمكن هذه الحكومة من الوقوف في وجه مافيات الفساد وتفكيكها والقضاء عليها؟
3- الودائع في المصارف: بعد أن كان النظام المصرفي اللبناني معتبراً من أقوى الأنظمة المصرفية في العالم، شاهدنا انهياره التام وعدم تمكن المودعين من استرجاع أموالهم ما أدى الى فقدان الثقة تماماً بالمصارف اللبنانية وهي تشكل عصب الحياة الإقتصادية، فتوقف المغتربون عن تحويل الأموال الى لبنان، وفي ذلك خسارة ضخمة للإقتصاد اللبناني ناهيك عن المشاكل الإجتماعية التي يعاني منها المقيمون بسبب عدم تمكنهم من سحب ودائعهم من المصارف، فهل تستطيع الحكومة اللبنانية الجديدة مواجهة هذا التحدي الكبير وحل المشكلة لإعادة الثقة للنظام المصرفي اللبناني ومعاقبة الذين أوصلوا البلد الى هذا الوضع المريب؟ ولا بد هنا من التذكير أن دولة الرئيس نواف سلام أكد أن موضوع “شطب الودائع” وفق ما يروج له البعض، غير وارد، وفي ذلك تطمين للمودعين ولكن لن يطمئن أحد قبل أن يتمكن من استعادة ودائعه من المصرف.
4- النازحون السوريون في لبنان: منذ بداية الثورة في سوريا في العام 2010 دخل لبنان ما لا يقل عن مليوني مواطن سوري هرباً من موجات القتل التي اجتاحت بلادهم وما زالوا حتى يومنا هذا مقيمين في لبنان مع كل ما رافق هذا النزوح السوري من مشكلات أمنية واجتماعية واقتصادية. والآن بعد حصول التغيير في النظام في سوريا وانتفاء أسباب وجودهم في لبنان وانتهاء خطر إقامتهم في سوريا، هل يمكن للحكومة اللبنانية الجديدة إعادتهم الى بلدهم والتخفيف من أعباء هذا الوجود على الوضع اللبناني عامة.
5- الوضع الإقتصادي العام: يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة أدت الى تدني معدل الدخل الفردي وتراجع الإنتاج القومي وانهيار في البنى التحتية التي لم تتمكن الحكومات السابقة من ترميمها وتجديدها،
ولذلك يتعين على الحكومة الجديدة القيام بجهود جبارة لإخراج لبنان من هذه الأوضاع الإقتصادية السيئة جدا وهذا ما يشكل تحدياً كبيرا جدا لحكومة العهد الأولى.
6- مسألة السلاح خارج سيطرة الدولة: لا شك أن هذه المسألة هي من أصعب الأمور التي يتعين على الحكومة الجديدة معالجتها إذ لا يوجد توافق داخل البلاد على كيفية مقاربة هذا الموضوع كما أنه قد لا يوجد توافق داخل الحكومة نفسها على مقاربته. تطبيق القرار 1701 كان الأساس الذي توافق عليه الجميع من أجل وقف إطلاق النار، ولكن المشكلة تكمن في كيفية تفسير وتطبيق هذا القرار. هل سلاح حزب الله ممنوع جنوب الليطاني ومسموح شمال هذا النهر أم ان السلاح ينبغي أن يكون في يد الدولة اللبنانية وحدها دون سواها وعلى كافة الأراضي اللبنانية؟ هذه المسألة الشائكة ستأخذ وقتاً طويلاً ولن يكون من الممكن حلها إلا بالتوافق بين مكونات الشعب اللبناني وبمفاوضات لن تكون سهلة. ومصداقية الحكومة اللبنانية في هذا المجال هي قيد الإمتحان إذ أن المسؤولين اللبنانيين على أعلى المستويات اتخذوا مواقف واضحة جدا في هذا الموضوع سواء في خطاب القسم أو في البيان الوزاري وتبقى العبرة في تنفيذ هذه الوعود.
كانت هذه أهم التحديات التي تواجهها الحكومة اللبنانية الجديدة ولكن هنالك أيضا تحديات أخرى لا مجال لذكرها جميعا ويبقى علينا القول، بقناعة تامة، ان هذه الحكومة هي أفضل الحكومات التي تم تشكيلها في لبنان في العقود القليلة الماضية، وأن رئيس الدولة ورئيس الحكومة عندهما التصميم والإرادة والعزم على معالجة هذه الأمور بجدية تامة، فهل ستسمح لهما الظروف الخارجية والداخلية بالنجاح في هذه المهمة الوطنية العظمى.
ولا بد من القول في الختام بأن الآمال معقودة على حكامنا الجدد بإخراج لبنان من الأوضاع السيئة جدا التي وصل إليها في الفترة السابقة، وإن لم يتمكن العماد جوزاف عون والدكتور نواف سلام بكل ما أوتيا به من نزاهة وإرادة وخبرة واسعة من تحقيق تقدم ملموس أقلاً في قسم من هذه المشكلات، فإن اللبنانيين سيصابون بفقدان الأمل بمستقبل بلدهم وسنرى موجة جديدة من هجرة المقيمين الى الخارج وابتعاد المغتربين عن العودة الى الوطن والإستثمار فيه.
أملنا كبير جدا بنجاح هذا العهد، ونتمنى كل الخير والتوفيق لهذه الحكومة الجديدة التي نثق بها الى أبعد الحدود.