بقلم: تيماء الجيوش
حاجة الإفراد للمجتمع هي حاجة أساسية فهي تُخرج الفرد من إطارٍ محدود الى إطارٍ أوسع و متنوع ، حيث هناك الاهتمام و الدعم المجتمعي. و حيث كل فردٍ هو مهم و له خصوصيته في مجتمعه من خلال مهاراته و مشاركته و ما يساهم به و التي يمكن وصفها بأنها حوار ثنائي يعكس تجارب الانسان و تعليمه و ثقافته و مدى تفاعله مع محيطه و خبراته التي اكتسبها و تبادلها و تأثير ذلك ونتائجه و مساهمته في تقديم الحلول . ينطبق على هذا ايضاً القول بأن العلاقة تبادلية طالما التجارب الفردية تثري المجتمعات والتي لولاها لتضائلت. على أن هذه العلاقة التبادلية تحتاج الى المساحة و الانتماء الحقيقي الذي يقتضي فرصاً حقيقية لهذا الانتماء . فالفرق شاسع ان تكون موجوداً/ةً في مجتمع ما أو أن تكون فاعلاً/ةً.
الأنتماء الحق في أن يكون لك صوتاً على قدم المساواة مع اقرانك بدون تمييز ، دون استعلاء او وصاية أياً كان شكلها او مضمونها.
في بلدانٍ ذات مجتمعٍ مدني و حضاري ليس من المقبول سياسياً و قانونياً أن يكون هناك بعضاً من فئاته معزولاً محاصراً بالإقصاء و ممنوعاً بأن يكون جزءاً من النسيج المجتمعي.
بينما هذا العزل هو حقيقة واقعة و يُمارس في بلدانٍ اخرى و قد يعود الى اسبابٍ تتعلق بالجندر، الثقافة، الدين، العرق . يبرز جلياً في مجتمعاتٍ تناهض التنوع و تحرص كل الحرص على ان تكون ذات نسيج اجتماعي واحد وذات لونٍ ثقافي واحد لا يقبل الاختلاف و مثالها الاقرب العداء ضد المهاجرين او اللاجئين او ذوي الاعاقات ….الخ. وإطلاق ما تيّسر عليهم من نعوت تبدأ بنظرةٍ دونية لاصولهم ، تكريس الصور النمطية عنهم ، إتهامهم بأنهم عالة ليس إلا، ولا ضرر في أن يُنظر اليهم على انهم أقل تقديراً وكفاءةً ،أو ليس لهم الحق في البقاء والشراكة الاندماج . على اية حال المسافة الفاصلة بين المجتمع و الافراد تقصر او تطول بحسب احترام الحقوق و التنوع و احتضان و مشاركة الافراد او كما يُطلق عليها بالانكليزية Inclusion .
و من يقرأ تاريخ الإنسان و الحضارة سيجد من المجدي أن يُفهم دور الفرد بأبعاده و أن يكون المجتمع مجتمعاً حقيقياً لديه الذكاء و الحصافة التي تدفعه لأحتضان الافراد بمن فيهم المهاجرين و اللاجئين و فتح الابواب على مصراعيها امامهم للمشاركة و المساهمة المجتمعية.
فهم دور الفرد و إمكانياته بعمق و تحليله للعب دورٍ في المجتمع يُمّكن هذا المجتمع من خلق فرصٍ و شراكةٍ لا تُنافس.
والفهم المنطقي و العلمي بآن يُقّر أن التنوع و الاختلاف وتبادل الخبرات أفرز الابداع و التطور و دفع الحضارة الى الامام لا يما في بلدانٍ بعينها هي قائمة على الهجرة الدائمة و اجيال لا منتهية من المهاجرين. في أيامنا هذه طبيب من أسرة مهاجرة تركية هو البروفسور اوغر شاهين Uğur Şahin المدير التنفيذي لشركة بيونتيك الالمانية BIONTECH كان له فضلاً مع زوجته في اكتشاف لقاح COVID-19 ملأت صوره الاعلام و ذاكرتنا و هو يقف طفلاً الى جوار والديه و اخوته في ايام اللجوء الاولى.
الإندماج الحقيقي ليس رقماً أو جيوباً صغيرة مسموحة هنا او هناك ، الأندماج يعني شراكة فاعلة صادقة على مستويات تبدأ أفقياً من قاعدة اجتماعية ثقافية صعوداً نحو السياسي و القانوني و الاقتصادي . كل هذا يبدأ بخطوة تدع الخوف ممن يختلف في نسيجه الثقافي و الاجتماعي ، تدع الخوف من الاختلاف جانباً و يتم الارتقاء بالوعي و المعرفة ، و إدراك اهمية الفرد و ما يمكن ان يضيفه لمجتمعه الحاضن الجديد له و المضي قدماً نحو مجتمعٍ مدني إنساني حقيقي.
التنوع هو الاختلاف و هو بجوهره يعترف بالقواسم المشتركة و فرادة الاختلاف و تقييمها بشكلٍ ايجابي ما كان ظاهراً منها او غير بادٍ للعيان. و كل ما يدخل تحت هذا العنوان منها ما هو خصائص فردية و عامة من خلفية اجتماعية، ثقافية، شخصية، دين ، عرق، جنس، عمر، او معتقد.
كندا اليوم هي مثالاًفي احترام حقوق الانسان ، في احترام التنوع و الشراكة و الاحتضان، هي بلد مهاجرين قامت على مبدأ الديمقراطية و احترام الانسان. ونحن اليوم في كل مجتمعاتنا الانسانية بحاجة الى مزيدٍ من الاطباء و الممرضين والكوادر الطبية و في كندا الكثير من الاطباء International doctors.
أي من كانت دراستهم الاكاديمية و تخرجهم من جامعات ليست كندية او امريكية حصراً . وهم ينتظرون الاعتراف بهم اكاديمياً و مهنياً فهم لم ياتوا من فراغ بل من جامعات علمية عريقة معترفٍ بها و لها تاريخ بهي و إنساني. هم ينتظرون الفرصة لرد الجميل لوطنهم الثاني كندا و العمل في مهنتهم على قدم المساواة مع اقرانهم ممن سبقهم في ذلك . سيكونوا رصيداً لمجتمعهم الجديد الكندي. ستكون لهم الفرصة في المساهمة . هو حديث ليس بالمُعقّد إن أدركنا الحاجة الحقيقية لهم في هذا الظرف الاني و ما تطالعنا به الاخبار العلمية كل يوم من الحاجة الى مزيد من الاطباء و قصور الارقام ، إذاً لما الانتظار؟ نحن في بلد التنوع و الشراكة و احتضان الجميع. أجزم أن أطباء كندا و العاملين في القطاع الصحي و بمختلف الاختصاصات لهم دور هام و فاعل في إحراز التقدم المرجو من حيث ضم الاطباء خريجي الجامعات غير الكندية و دعم الطلب بمنحهم الرخص و بالتالي العمل في القطاع الصحي الكندي مما ينعكس و بشكلٍ إيجابي و جميل على صُعدٍ عدة. هذه الحاجة الانسانية يدركها تماماً اطباء كندا . ولا يجادل أحداً فيما يتميز به اطباء كندا من حسٍ إنسانية عالٍ ، فمنذ شهور تسابق الاعلام لتغطية رفض اطباء كندا الزيادة في رواتبهم. و لعلنا جميعاً ندين لهم انهم هم كانوا و لم يزالوا الخط الاول في حمايتنا من الوباء و تقديم اجمل صورة انسانية في رعايتهم الصحية و التي لا تتسع السطور لذكرها ، إذاً هل من الممكن ان يتقدموا و يطالبوا بمنح الرخص لاطباء كنديين ايضاً لكنهم نالوا شهاداتهم من خارج كندا؟
لا أبتعد كثيراً في هذا المقال عن المرأة و قضاياها ، فهناك العديد من النساء و الرجال الان في كندا بانتظار الفرصة للعمل في القطاع الصحي و بحسب اختصاصاتهم و مهنهم . فقد بدا جلياً ما بعد الوباء كم نحن بحاجة الى مزيد من العاملين في القطاع الصحي و الاطباء اصحاب الاختصاص دمتم جميعاً بصحة وسلامة .