بقلم: أ.د. ناهدة العاصي
الكتابة باللغة العربية بطبيعتها لولبيّة، أي إنّ كاتبَ رسالةٍ ما قد يتحدّث عن عدة نقاط قبل أن يدخل في صلب موضوع الرّسالة الأساس. أما قارئ الرسالة فيفهم طبيعة الكتابةً ويعرف مكنوناتها ولا يزعجه الأمر. بينما أسلوب الكتابة الأميركي والأوروبي هو عكس العربي فهو مباشرٌ ويدخل في صلب الموضوع وكأنّه يرسم أقصر خطّ بين نقطتين، وهذا هو المطلوب في عصرنا، عصر السرعة وضرورة تلبية الحاجة في أقصر وقت ممكن وإلا فالخسارة واقعة.
كيف تتعاطى الفئة المتعلّمة والمثقّفة والناشطة من الجالية العربية كتابيّاً؟ دعونا نفترض أن هذه الفئة تودّ أن تقوم بنشاط جاليويّ تهدف، كما تقول، من ورائه إلى توسيع مدارك الحضور وتوطيد أواصر العلاقات ما بينهم. أسهل وسيلة للتواصل هو باستعمال التطبيقات الشائعة: الواتسأب والمَسِنجر. ماذا نلاحظ؟
ـ مضمون الدعوة مؤلّف من ٢١ سطراً: الموضوع وبعض العناوين الأساسيّة التي لا تخلو من الإطالة، ومن ثمّ أسم مُلقي المحاضرة والمشاركين فيها والعديد من الأدوار الأخرى: مَن يدير الحوار ومَن يقدّم النّدوة ومَن يفتتح الندوة وغيرها من التفاصيل الأخرى.
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: هل كان الحضور مرتبطاً بموضوع الندوة أم بألقاب مديريها ومقدّميها؟ وهل يجب أن تصبح هذه التطبيقات مدفوعة لكي تُختصر الدعوة لتتماشى مع متطلّبات هذا العصر؟ أليست الرسالة الأكثر تأثيرا هي الأقلّ كلاماً والأكثر منطقاً؟
ـ طريقة تلقّي الرسائل: هناك مَن يقرأ الرسالة ولا يُبدي أيّ ردّ فعل ظنّاً منه إنه هكذا يبيّن ثِقله. فيقوم مرسل الدّعوة بإرسال التذكير تلو التذكير طالباً من المدعوين تأكيد حضورهم. أيضاً، لا حياة لمن تنادي. إذاً من البديهي أن ينزعج مرسل الدعوة. وإن تكرر هذا التصرّف، يجد نفسه مجبراً على الردّ بالمثل فتصبح العمليّة عمليّة شدّ حبال كيديّة. في النهاية، مَن هو بحاجة للآخر هو الذي يرضخ أولاً ويلبّي دعوةً.
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: كيف يمكن للعمل الثقافي أن يحقّق أهدافه إن تأثر بالكيديّة وكباش العضلات؟ أليس من الأجدى أن تُقام ندوات حول السلوك الإجتماعي والإندماج وكيفيّة الإستفادة من خبرات الآخرين في مجال التطوّر قبل أي موضوع آخر؟
في النهاية، قد لا يقف أسلوب الكتابة باللغة العربية حجر عثرة أمام تواصلنا مع المجتمع المحيط بنا. لكن ما يحول دونها بالتأكيد هما الإستهتارً وقلّة الإحترام، الأمران اللذان لم ألحظهما من قبل، في الشعب اللبناني على الأقلّ. وبالطبع هذا الأمر يدلّ على أن سلوكنا ينقصه العقل المؤسّساتي والحِرفيّة المهنيّة. بدونهما سنميل دائماً لتفضيل العمل بانفراديّة، وإن صدف وعملنا ضمن فريق، يكون ذلك بهدف الوصول لغايةٍ محدّدة وآنيّة. وبما أن هذا لا ينفع في المدى القريب ولا البعيد، ما علينا إلّا أن نندمج في المجتمع لنتعرّف على الآخر ويتعرّف علينا ولنكتسب ما ينقصنا من مهارات.