بقلم: ابراهيم شير
آذار/ مارس عام 2011، شهرُ الكارثةِ السّوريّة حيث الحرب مفروضةٌ على البلاد، فخلال السّنوات الماضية شَهِدت “دمشق” تحدّياتٍ كبيرة، لكن أكثر ما آلمَ الشّعب السّوريّ هو الموقف العربيّ المتخاذل غير المتوقّع نهائيّاً، فالفترة الأخيرة كانت مليئة بالأخبارِ التي تؤكّدُ أنّ هناك مساعٍ حقيقيّةً لعودةِ سوريّة إلى “جامعة الدّول العربيّة”، التي انتهكت لوائحها الرّئيسيّة، ونظامها الدّاخليّ، ودستورها، بإيقاف عضوية دمشق فيها. هذا الأمر يدفعنا للتّفكيرِ بكلمةِ ممثّل سوريّة التي سيلقيها في حال العودة إليها، ويبدو أنّ الأمرَ لم يعد بعيداً أبداً.
في البدايةِ لنتوقّعَ من ممثّل سوريّة في هذه القمّة، والشّخصيّة الأرجَح بحسب وجهة نظري هو وزير الخارجيّة الدّكتور “فيصل المقداد”، فالكلمة لن تكونَ مقتضبةً أبداً بل وعلى العكس ستكونُ مفصّلةً ووافيةً لعددِ سنوات الحربِ، وربّما قد تُقسّم إلى أربعةِ محاورٍ، الأوّل: هو مخاطبةُ الدّول التي حاربت سوريّة، وهنا نستطيع استذكارَ خطاب السّيّد وزير الخارجية الرّاحل “وليد المعلّم” -رحمه الله- إلى نظيرِه الأميركيّ السّابق “جون كيري” في مؤتمر “جنيف 2” عام 2014، وذلك عندما لوّح بإصبعه في وجهه وقال له: “سيّد كيري.. لا أحدَ في العالم.. له الحقّ في تدميرِ الشّرعية أو التّدخّل في سوريّة، ولن يقرّر مصيرَ سوريّة إلّا السّوريّون أنفسهم”. فهذِه الكلمات قد تتكرّرُ بطريقةٍ شديدة اللّهجةِ، وذلك بعد انتصارِ “دمشق” في حربِ يوسفَ وإخوتِه. حيث ستذكّرُ الدّولَ الّتي خاصَمتها وشاركَت بالتّجارة بها، أنّها لم تقابل أزماتِها بالمثل، فلم تعلّق على حصارِ الأخوة الأعداء لقطر، أو على المزادِ الدّوليّ الذي فُتِح على رأس النّظام السّعوديّ بخصوص قضيّة مقتلِ الصّحفي “جمال خاشقجي”، ولم تعاود إرسالَ “الإرهابيّين” المقبوض عليهم إلى دولهم دون التّنسيقِ معها؛ حتّى لا يقوموا بالأعمالِ الإرهابيّة ذاتها. وفي النّهايةِ ستغفرُ دمشقَ ولكن لن تنسى، خصوصاً وأنّ عودة “سوريّة” هو انتصارٌ بحدّ ذاتهِ، ولسانُ حالِ القادةِ العرب في مخاطبتهم الرّئيس بشار الأسد: “أخٌ كريمٌ ابن أخٍ كريمٍ”.
المحور الثّاني سيكونُ موجّهاً للدّول الّتي وقفَت إلى جانبِ سوريّة، وساعَدتَها في مواجهةِ الحرب الظّلاميّة وأدواتها، مثل: العراق، وعمان، والجزائر، والسودان، والرّئاسة اللّبنانيّة، ومصر بعد سقوط نظام الإخواني “محمد مرسي”، وتونس في السّنوات الأخيرة، حيث ستحتوي الرّسالة لهم على شقّين: الأوّل وهو الشّكر، مؤكّدينَ أنّ “دمشقَ” لم ولن تنسى هذه الوقفة، فأذرعُها مفتوحةٌ لجميعِ المشاركين في صمودِها، كما أنّها لن تمنعَ دخولَ أيّةَ دولةٍ منهم مرحلةَ “إعادة الإعمار”. وأمّا الثّاني فسيكون بدعوتِهم إلى تعزيزِ العلاقاتِ أكثر فيما بينهم للوقوف في وجهِ أيّة محاولةٍ لإشعالِ الحروب سواء في هذه الدّول أو غيرها من قبل الأشقّاء العرب.
المحور الثّالث سيُخصَّصُ للجامعةِ العربيّةِ نفسَها، وللتّأكيدِ علناً بأنّ الإخراجَ التّعسفيّ لدولةٍ مؤسّسةٍ لها لن يلغيَ عروبتَها أبداً، فتعليق عضوية “سوريّة” لم يكن شرعيّاً نهائيّاً، مؤكّدةً بفعلتها تلك أنّها لا تمتّ للوحدة العربيّة بِصلَة، وبأنّ العملَ العربيّ المشترك متوقّف منذ سنوات إن لم نقلْ منذ عقود. بالإضافةِ إلى إثباتها لضعفِها؛ من خلالِ عدم دفاعِها عن دولةٍ عربيّةٍ، من دولها الأعضاء عندما وقعت الحروب فيها، بل فعلت عكس ذلك فقد سهّلت العمليّات اللامنطقيّة، بداية من ليبيا وصولاً إلى سوريّة ثمّ اليمن. كما أنّها شرّعت تلك “الحروب”، فكانت أوّل من سنّ السّكاكين لتطعنَ بها هذه الدّول.
المحور الرّابع سيركّزُ على مستقبلِ الجامعة؛ لأنّ
“دمشقَ” ستدعو صراحةً إلى إعادةِ بنائِها من جديد على أسسٍ واستراتيجيّات أكثر متانة، بعد تحوّلِ هذه “الجامعة” في السّنوات الأخيرة إلى فأسٍ بيدِ المستعمرِ يستخدمُهُ لضربِ أمنِ وبنيةِ الدّول العربيّة. كما سيتمّ العمل على إعادة القضيّة الفلسطينيّة إلى سلّم الأولويّات بعدما وصلت إلى حدودِ الأرشيفِ، إضافةً إلى رفضِ كلّ أنواع السّلام المذلّ “أحادي الجانب” مع الاحتلالِ الإسرائيليّ، واستعادة حقوق الشّعب الفلسطينيّ المسلوبة.
العودةُ إلى “الجامعةِ العربيّةِ” ليسَت أمراً ملحّاً لدى دمشق، إضافةً إلى أنّه علينا التّمييز بين الشّعوبِ والحكومات، فالشّعوب وقفت إلى جانبِ سوريّة طوال سنواتِ الأزمة، والشّاهدُ على ذلك الوفود الشّعبيّة العربيّة التي زارتها، وقابلَت السّيّد الرّئيس “بشار الأسد”، لذلكَ هي ليست على عجلةٍ من أمرِها فيما يخصّ العودة، ولكن إن حصلَ هذا الأمر ستقومُ بترتيبِ “البيت العربيّ” من جديد ليكونَ أكثرَ صموداً؛ لأنّ بوجودِها ستحيَا العروبةُ والهويّة العربيّة من جديد، فلطالما كانَت وستبقى “القلب النّابض”.