بقلم: ﭽاكلين جرجس
معلوم أن المواطن القبطي ــ شأنه كشأن أي مواطن ــ عندما يستشعر أنه حاضر وغير مغيب أو منتقص الحقوق، فإنه يشارك بكل قوة في حماية وطن شعر في حماه بكل مشاعر الولاء والانتماء و لن نجد أهم من ذكرى حرب أكتوبر لنعرض بعض نماذج من بطولات وأدوار وطنية قدمها أبناء مصر من الأقباط للتأكيد على أن روح أكتوبر كانت دافعة لكل المصريين لإحراز بطولات عبقرية، بكل شرف، لرفع راية النصر فالضابط باقي زكى- كان عمره 35 عاما آنذاك- هو من قدم فكرته العبقرية التي أهدت النصر لمصر، عندما قال : “الحل فى خرطوم المياه للتخلص من خط بارليف المنيع” كان قائد الفرقة هو سعد زغلول عبدالكريم فاجتمع مع الضابط «باقي» الذي طلب منه تسجيل فكرته باسمه، ليتصل به فيما بعد: «أنا مضيت النهارده على أشرف وثيقة، وأنت أديتنا مفتاح بوابة النصر».
أما اللواء «شفيق متري سدراك» المولود فى أسيوط عام 1921، فكان ضابطا مقاتلا فى سلاح المشاه، وهو أول ضابط شهيد فى حرب أكتوبر. خاض شفيق حروب مصر فى أعوام 1956 و1967 و1973، وكان بطلا فذا فى معركة «أبوعجيلة» عام 1967 وتعد من أرقى معارك الجيش المصري، كان وقتها قائدا لكتيبة مشاه، وكبد إسرائيل خسائر فادحة نال بسببها ترقية استثنائية من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
ونقرأ عن البطل الفذ الطيار سمير عزيز، فى سيرته البطولية آراء، مثل: «كسر العديد من النظريات العلمية حول عمل الطائرات المقاتلة»، وبحسب رأى العميد طيار أحمد المنصوري: «قمم الأشجار تئن من طائرته التي تطير ملامسة لها بسرعة كبيرة جدا، طائرة سمير عزيز لابد أن يكون بطنها مشوه الطلاء بفعل قمم الأشجار التي تمسح الطلاء من عليها»، و«قادر على تطويع الطائرة لتلبى ما يريده».
كان الموت رفيق الطيار سمير عزيز خلال فترات حياته فى الخدمة العسكرية حتى إنه “اختصت طائرة إسرائيلية مطاردته على الأرض يوم النكسة المشئوم، أما فى أثناء حرب الاستنزاف فأقلع بمفرده من مطار الغردقة وبدون أوامر وبدافع الغيظ تجاه أحد مطارات العدو جنوب سيناء «رأس نصراني – شرم الشيخ حاليا» كى يبث الرعب والفزع فى نفوس الإسرائيليين، ودرس بطلنا الموقف تماما ورسم لنفسه خط سير ليفاجئ الإسرائيليين مفاجأة تامة، ويعود لقاعدته بدون أن يخبر أحدا” .
أما البطل النقيب مجدي بشارة ابن الـ27 عاما حين قاد معركة «الجزيرة الخضراء»،، وكانت موقعا للدفاع الجوى الذى يحمى مدينة السويس، وأرادت إسرائيل احتلالها قبل حلول ذكرى ثورة 23 يوليو لـ«كسر أنف جمال عبدالناصر»، بدأت العملية فى الساعة الثانية عشرة ليل 19 يوليو، وكانت قواتنا نحو مائة جندى و5 ضباط، و30 صندوقا لقنابل يدوية بالإضافة إلى قذائف لهب وذخائر وألغام بحرية تم زرعها تحت المياه لمواجهة ضفادع إسرائيل البشرية. واجهت هذه القوات إنزال حوالى 800 جندي إسرائيلي حاولوا التسلل بصمت لذبح كل الجنود المصريين، لتبدأ مواجهة عنيفة عجز الإسرائيليون خلالها عن دخول الصخرة بدماء شهدائنا. استنفدت الذخيرة، وأصبح عدد جنودنا 24 فقط، وطلب مجدي بشارة إمدادا من قائد الجيش الثانى، فأرسل له 40 جنديا عبر لانش بحري لكنهم استشهدوا بغارة إسرائيلية قبل وصولهم، وبعدها رفض قائد الجيش تكرار الإمداد قائلا لـ«بشارة»: «حارب بما هو موجود لديك»، فقال له بشارة: «أرجوك بعد 10 دقائق افتح كل مدفعية الجيش الثانى على الموقع لإبادة كل من فيه»، فرد قائد الجيش: «أنت مجنون»، فقال بشارة: «نموت أفضل من سقوط الموقع»، أعطى بشارة أوامره لجنوده بنزول المخابئ، وتم فتح النيران ليحدث ما توقعه، فالقوات الإسرائيلية لم تتحمل وانسحبت، وفى أثناء الانسحاب طاردهم أبطالنا بمدفعين فأغرقوا لنشات إسرائيلية، وقتل 62 وأصيب 110 إسرائيليين، وهذا ما أعلنته إسرائيل، وفى الساعة السادسة صباحا حطت ثلاث طائرات إسرائيلية على سطح المياه لانتشال خسائرهم.
فى قائمة البطولات أسماء، مثل اللواء مهندس نصرى جرجس، الذي قاد وحدة الرادار المسئولة عن اكتشاف الطائرات المعادية والإبلاغ عنها، واللواء طيار مدحت قلادة صادق صاحب لقب «أفضل قائد قاعدة جوية»، والعميد ميخائيل سند ميخائيل الذي كان مسئولا ضمن قوات الردع الصاروخى، وكانت مسئوليته المحددة هى سحب الصواريخ الموجودة على الناقلات الخلفية بالقصاصين، واللواء فكرى بباوى الذى أصيب فى حرب أكتوبر إصابة بالغة فصمم رفاقه المسلمين، ومنهم زكريا عامر ومحمد مصيلحى، أن يحملوه رغم المخاطر الهائلة لمسافة ثلاثة كيلومترات، واحتموا بساتر حتى وصلوا به إلى موقع الإسعاف، وهناك أبطال آخرون مثل اللواء أركان حرب طيار جورج ماضى عبده الذي وصل إلى منصب رئيس أركان الدفاع الجوى، واللواء طيار نبيل عزت كامل، واللواء نعيم فؤاد وهبة أحد قيادات الدفاع الجوى فى حرب أكتوبر، واللواء أركان حرب صليب بشارة رئيس هيئة البحوث العسكرية من مايو 1971 حتى أكتوبر 1973.
أما البطل الفولاذي الذي حين تأتى سيرة حرب أكتوبر يقفز اسمه على الفور هو اللواء فؤاد عزيز غالى الذي حصل على رتبة فريق بعد الانتصار، قاد «غالى» الجيش الثاني فى أثناء الحرب، وكان صدى صوت وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل يرن في أذنه: «مكتوب على جبهتك القنطرة، وأتركك الآن حتى تحررها، وسوف تعود إلى قيادة الفرقة 18 مشاه»، وفعلها غالى، وقام بتأمين منطقة شمال القناة من القنطرة إلى بورسعيد، ومعه فرقته وجيشه الثاني بمسلميه وأقباطه، ومنهم اللواء ثابت اقلاديوس رئيس غرفة عمليات مدفعية الفرقة الثانية.
كانت حرب أكتوبر ملحمة خالدة وبطولة لكل المصريين، مسلمين وأقباط، وإلى الآن في حربها ضد الإرهاب وقوى الشر لم تعرف مصر التفرقة أو العنصرية أو التمييز ينصهر الجميع فيها لرفع راية النصر. وتحيا مصر رغم المحن والصعاب وتبقى راية الوطنية هى الأعلى والأقوى بالرغم من بعض حوادث الكراهية التى تطل علينا بظلالها من حين لآخر لإفساد روح المحبة المتأصلة بين أبناء الوطن، لكن يظل البقاء للوطن وللإنسانية.