بقلم/ أسماء أبو بكر
هناك أسئلة يطرحها الناقد لذاته عند قراءة النص، ومنها سؤاله عن الزمن بوصفه أحد أهم عناصر البناء الروائي والسؤال هنا عن بنية الزمن: هل حقق السرد التناغم بين زمن الحكاية وزمن الخطاب، وإلى أي مدى حقق النص تماسكه، لعلنا نشهد في رواية “نساء الكارنتينا “ الصادرة عن دار ميرت لكاتبها نائل الطوخي، إلى أي مدى حقق النص تماسكه، إذ اعتمد الزمن فيها على البناء التداخلي، والذي بدوره يشكل جدلية الحاضر والماضي كما أنه يترك النص منفتحا على المستقبل.
ونلاحظ هنا تجلي الماضي، إذ لجأ الكاتب إلى الماضي للكشف عن الشخصيات وسبر أغوارها، تضم الرواية أحداثا تمتد إلى ستين عاما، سرد فيهم الكاتب صورا عن الحياة في مدينة الإسكندرية من خلال ثلاثة أجيال متعاقبة، وتدور أحداث الرواية حول شخصيتي على وإنجي وهما أبناء عم، يتورطان في قضية قتل ويهربان بعد ذلك إلى الإسكندرية، وهناك يتعرفان على عائلة “أبو أميرة” ثم تتوطدت العلاقة بينهما ليشكلا عصابة لا تستطيع الشرطة القضاء عليها بسهولة، كما أنها تتواطئ معهما في أغلب الأحيان، وتنمو أحداث الرواية وهي تسرد لنا كيف تطور الفساد داخل هذه المدينة خلال هذه السنوات، إنها صورة كابوسية عن الفساد تكشف لنا ضعف الدولة في القضاء عليه فضلا عن تواطئها مع هذا الفساد، وصف لنا الروائي ذلك بقوله على لسان بطله: لم تكن الدولة المصرية بعيدة عما يحدث في النفق. كانت تراقب من بعيد وكانت تؤجل الصراع. كان ملف الكربنتينة يُطرح كلما ثار التساؤل عن حدود فساد وزير النقل ووزير الدخلية ومحافظ الاسكندرية الذين كان رجالهم يقبضون من الفريقين المتحاربين تحت الأرض وكانت أي محاولة لإقصاء هؤلاء الرجال ستنتهي بمذبحة لا يقدر عليها الوزيرين أو المحافظ.
كما نشهد هيمنة المفارقات الزمنية، فأما عن ابطاء السرد نلاحظ تجلي المشاهد السردية التي اعتمد عليها في بناء النص، وقد شكلت تقنية رئيسية، قدم من خلالها تاريخ الكارنتينا والشخصيات، فلم يعتمد في وصف الشخصيات على الوصف الكلاسيكي، بل جعلنا نتعرف على الشخصيات من خلال المشاهد السردية، مما ساهم ذلك في مرونة حركة السرد، فالإطالة في الوصف تشعر القارئ بالملل، ففي وصف إنجي وعلي لم يقدم لنا سوى معلومات بسيطة عنهما فمثلا يصف علي ويقول علي 22 عاما عنده شقة صغيرة إيجار قديم بعين شمس الشرقية إيجارها خمسة وعشرون جنيها، بنظارة سميكة، يسكن مع أخيه. لم يكمل تعليمه الجامعي للأسف درس سنة في حقوق ثم غادرها يعمل في محل ملابس يمتلكه هو وأخوه بجانب الشقة. نجده يركز على معلومات عن حياة البطل وليس مواصفاته الشكلية أو الداخلية، فهو يتركنا نكتشف الشخصيات مع تقدم السرد وذلك من خلال المشاهد الحوارية، ونادرا ما يقدم وصف للشخصية، نجد مثل ذلك في شخصية “سوسو” الذي يقول في وصفه: سوسو كان إنسانا، يشعر بالبشر، شاب في العشرينات، قصير القامة صوته مبحوح، يزك في مشيته لوجود ساق أطول من الأخرى ربما لهذه الإعاقة كان قلبه يتألم دائما للآخرين.
وعلى خلاف اتساع المشاهد السردية، نجده اجتاز في توظيف التلخيص والحذف وذلك في عرض تاريخ الشخصيات والمدينة التي منها أحداث ثورة 25 يناير وقتل خالد سعيد على يد الشرطة، وأيضا نجد تلخيص لقصة فضة المعداوي، وحادث قرار المحافظ بإعلان المدينة مدينة خالية من الدخان واحتجاج أهل المدينة واحتمائهم في علي وإنجي حتى فشل رجال الأمن في السيطرة عليهم، وفي كل قصة يطلعنا الكاتب على تعامل أهل المدينة خاصة مع السلطة وصراعهم الدائم تجاهها.
وقد شكل توظيف الحذف أيضا مهمة تسريع زمن الحكاية ونذكر منها مقطع سردي عن فترة زواج إنجي وعلى وحملها يقول: حدث هذا، تزوج علي وإنجي سكنا في شقة الشيخ حسن، وبدءا عملهما في محل ملابس الهدى، إنجي تقف على الكاشير وعلي يعتمد عليه الشيخ في كل الأشياء من أول جذب الذبائن وحتى الاتفاق على الطلبات. الأيام تمر وتفوت شهر يفوت، شهران، ثلاثة أشهر ، إنجي الآن حامل.
على وفق مما تم ذكره نستطيع أن نقول أن الكاتب قد وفق في توظيف الزمن والتناسب بين زمن الحكاية والسرد، فلم يحمَّل السرد عبء الاستطراد في الوصف بشكل غير مناسب ما يجعل بنية النص غير متماسكة، مما يكلف القارئ عناء ذلك ويزيد من رتابة فعل القراءة بل جعل الأحداث أكثر سلاسة تجعل القارئ ينتقل بين الأحداث بشغف وتحفز، ومن ذلك يتضح لنا تمكن الروائي من خلق عالم روائي ذا بنية محكمة.