بقلم: سونيا الحداد
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس المنظمات الدولية للسلام، عرف العالم جميع أنواع المجازر والجرائم بحق الانسانية من قبل من يحدثنا اليوم، وبكل وقاحة، عن جرائم ضد الانسانية وحقوق الانسان. طبعا ومن دون أدنى شك أن الحرب أمر مرفوض كليا وأنها اللعنة التي تحل على كل من يمر بها ولقد وضعت قوانين دولية هدفها الرئيسي هو العمل الجاد والدؤوب على حماية السلام بين الأمم لكن الواقع وللاسف الشديد هو عكس ذلك تماما. كم من الد ول لم يحترم سلامها ولآ أمنها ولآ حتى تواجدها كأمة مستقلة في كيانها وأنظمتها، تمّ التدخل بها مباشرة ودون استئذان، وتم حتى اجتياحها، تقسيمها ورسم حدود لها دون أي اعتبار إلى مسارها التاريخي الذي دفعت الأثمان الغالية من أجله. كم من دول سحقت وتم اجتياحها اقتصاديا بعد أن أصبح سكانها عبيدا لا يجدون القوت لهم، البنك الدولي هو أكبر دليل على انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية حنى الاستعباد الكلي والأمثلة عديدة. ها نحن اليوم أمام أزمة دولية تهدد العالم بانفجار كبير قد تزول معه جميع القواعد والأعراف الدولية والإنسانية والوجودية أيضا. أزمة لا علاقة لها بحقوق الانسان وحماية الانسانية وجميع العناوين الرنانة الطنانة والفارغة، التي يصمون آذاننا بها ليلا نهارا وعلى جميع وسائل الإعلام. الحقيقة الوحيدة، والتي لم تعد مخفية على أحد، هي المصلحة الفردية لكل دولة في البحث عن مصالحها الخاصة في تقاسم الثروات التي تزخر بها هذه الكرة الأرضية. الفردوس الذي جعل منها الإنسان جحيما حيا لآ مفر منه بعد اليوم.
ساعة تدخل الحرب القاعدة الوحيدة التي يسري مفعولها هو أنك «إما قاتل أو مقتول». إنها حقيقة جميع الحروب عبر التاريخ والتي لن تتغير أبدا، ومن يحدثك عن غير ذلك هو إما أنه يستهبلك لغايات في نفسه أو أنه هو الهبيل الذي يتفلسف ويحلم في عالم لم ولن يتواجد أبدا. كم من دول أرغمت على دخول حرب لم تردها أبدا، لآ بل عملت جاهدة على تجنبها لكنها فشلت لأن اللآعب الأكبر وراء الكواليس هو اللآعب الأول والأخير، يمهد الطريق من خلال أساليب عديدة منها السلمية المنمقة التي تحتل النفوس وتغويها مؤقتا من خلال تقديم حقوق ومنافع اجتماعية واهية بمكن خسارتها في اي وقت كان، ومنها الخبيثة المخفية التي تزرع الحقد في النفوس من خلال أعمال دموية ارهابية تجعل من الحرب أمرا مقبولا لا بل مطلوبا والنتيجة جميعنا يعرفها. من لآ يقرأ التاريخ بتمعن لن يحمي نفسه من الحاضر ولن يرسم مستقبله أبدا. حتى الحياد بات أمرًا مرفوضا، وكل من يتجرأ على المطالبة به يتم اضطهاده واسقاطه وحتى فرض العقوبات عليه. ونحن هنا في كندا ابتلينا برئيس وزراء فخور جدا بأنه حجر على رقعة شطرنج يمرّر بين الأقدام وهو يلبي نداء معلمه. لا أدري ما هو موقفه ممن انتهك جميع حقوق الإنسان وقوانين الحرب الدولية في العراق، أفغانستان فلسطين سوريا ولبنان واللآئحة لآ تنتهي. ألا يدري هذا الرئيس أن العديد من التهم في استعمال المواد الكيماوية والاسلحة الممنوعة دوليا يشتبه بها معلمه الأكبر وأن الثوابت على هذا الكلآم يغض النظر عنها دوليا؟ هل نسينا ما قدمته حينها وسائل الإعلام من حقائق وفضائح تجعل ممن يحدثنا اليوم عن انتهاك القانون الدولي، هو المنتهك الأول والمتسبب الرئيسي لما وصلت إليه الأمور اليوم؟ جميعنا علي دراية بأن العديد من المجازر يشتبه بأنها اخراج سينمائي موجّه، وهذا الاسلوب الاعلامي هو احد اخطر الاسلحة المستعملة في يومنا.
اللعبة خطيرة جدا، والدول الصغيرة المتعطشة إلى سلام وحرية وهميين باتت ترسانة حية تدفع من لحم أبنائها ومن كنوز تراثها وحضارتها، المبالغ الباهظة على طاولة الذئاب. ما هي مسؤولية حكام هذه الدول في اداراتها تجاه التاريخ؟ ماذا سيقول التاريخ في المستقبل عما حصل مع أهل الفن والعلم والرياضة الروس؟ عن أي حقوق انسان وكرامة وقيم يتحدثون وايديهم مغمسة بدماء الابرياء؟ الحكام والمستشارون العاقلون عبر التاريخ أقاموا علاقات طيبة و تزاوجوا مع الجوار وعملوا على احترام العقود التي تم عقدها بين الاطراف منعا للحروب وليس العكس. يوم تشهر سلاحك في وجهي سأشهر سلاحي وأمحيك، فلا تبكي بعدها بل فكر جيدا قبل الاقدام على خطوتك. لكن العالم اليوم، الذي يتثقف من خلال اعلام يقول له كيف يفكر وماذا يفعل، يمر في نقطة تحول جذرية ستغير وجه التاريخ الى الأبد والنهاية لآ أريد التفكير بها الآن!