بقلم/ السعداوي الكافوري
تعتبرالكاتبة الجزائرية أمال بشيرى واحدة من أهم الأصوات النسائية على مستوى المشهد الإبداعى العربى، فهى روائية وصحفية ، عملت في الصحافة العربية والأجنبية ومحاضرة في الجامعة ومدربة معتمدة كما أنها أيضا شاعرة ولديها بعض التجارب الشعرية باللغة الفرنسية …
أيضا صدرت لها مجموعة من الأعمال الإبداعية لاقت تجاوبا كبيرا من النقاد والقراء منها :
ديوان : “جزائري الممزقة”،١٩٩٥، باللغتين الفرنسية و الإيطالية، روما. ديوان:”حكمة واحدة وألف جنون”،٢٠٠٠، باللغة الفرنسية، باريس. ورواية” سفر الخطايا”٢٠٠٣، باللغة العربية ، دار ميريت، القاهرة. ورواية “فتنة الماء”،٢٠٠٥ ، دار عمون، عمان. ورواية “ العالم ليس بخير”٢٠٠٧، دارالحكمة ،الجزائر. ورواية “آخر الكلام”،٢٠٠٩، ميريت القاهرة. ورواية “لا تصدق ما يقال”،٢٠١٠ ، دار العين، القاهرة. ورواية” خفافيش بيكاسو”٢٠١٨،ميريت،القاهرة. أيضا لها رواية “آخر الكلام” ترجمت إلي اللغة الإسبانية دار كامورس، غرناطة.آسبانيا.
كل هذا من خلال لغة شفيفة تتماس مع تخوم الشعر وإسلوب عذب وسلس يحفر عميقا فى سراديب الروح وبناء سردى رصين ومحكم ومتماسك ورؤية تستلهم الماضى و تشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل إعتمادا على تقنيات سردية تضفر الشخصى مع العام وتمزج الواقعى بالمتخيل …
مجلة الرسالة إلتقت بها بالقاهرة وكانت لها معها هذا الحوار :
س: المتابع لمشروعك الإبداعى يدرك منذ الوهلة مدى تأثرك الكبير بالأدب الغربى بوجه عام وأدب أمريكا اللاتينينة بوجه خاص فماسر هذا التأثر وماذا عن النشأة ومصادر التكوين ؟
ج: بداية كانت نشأتى فى أسرة متعلمة تعتبر القراءة مصدرا مهما من مصادر التعلم الأمر الذى أتاح لى جوا مفعما بالكتب والمجلات التى تناسب مرحلتى العمرية كما أن وجودى كتلميذة بمدارس الجيزويت منحنى فرصة عظيمة لتعلم لغات أخرى إلى جانب العربية والفرنسية شكلت لى نوافذ مشرعة على ثقافات أخرى ومنحتنى فرصا للإطلاع المبكر على أداب وفنون ومعارف شكلت مخيلتى وصاغت رؤيتى للكون والمجتمع والإنسان ، وبمرور الوقت تحول فعل القراءة لدى من مفهوم التسلية إلى مفهوم القراءة الوظيفية التى ساهمت بقدر وافر فى تعلمى كتابة الشعر والرواية ولازلت أذكر روايات أورهان باموق ودورها فى تعليمى التكثيف والبعد عن الإطناب فى السرد كما تعلمت من إيزابيل الليندى كيفية إنشاء الجملة التصويرية … وهكذا كانت وستظل القراءة
س: بمناسبة الترجمة هل ترين أن الجهود العربية فى مجال الترجمة كافية وتفى بالغرض فى إشباع نهم المثقفين العرب للإطلاع على الأداب والمعارف الأخرى ؟
ج: كان لمصر دورا تاريخيا و رائدا فى مجال الترجمة من العربية وإليها منذ عهد محمد على باشا الذى أرسل البعثات التعليمية وأنشأ مدرسة الألسن بهدف معرفى يصب فى مصلحة التقدم والتحديث وهو التعرف على فكر وفن وثقافة ومعارف أوروبا للإستفادة منها فى وطننا العربى إلا أن المتابع للوضع الحالى يدرك أن جهود الترجمة حاليا بالوطن العربى جهود فردية تعتمد على جهد الكاتب وسعيه فى ترجمة عمله فى ظل غياب تام للعمل المؤسسى القائم على هدف وخطة وبرنامج
س: فى ظل التقدم التقنى المذهل وظهور أدوات حديثة للميديا هل مازلت تراهنين على الكتاب الورقى كوعاء مناسب لنقل المعرفة ؟
ج: في الآونة الأخيرة بدأنا نسمع ونقرأ عن هذا الموضوع وكيف أن القراءة في الكتاب أجمل وأمتع من غيرها وسيلة وكيف أن وسائل الميديا الحديثة قد أثرت على الكتاب وسحبت منه البساط لصالح تلك الوسائل .. في رأيي أن الجدال في هذا الموضوع جدال عقيم لا فائدة منه ترتجى لأن التغيير سمة من سمات أي عصر .. فالسابقون كانوا يكتبون ويقرأون بواسطة الألواح الطينية أو جلود الحيوانات قبل أن يُعرف الورق .. كل شعب في وقته اختار الوسيلة المتاحة له والمناسبة للكتابة .. أما عن رأيي فأنا أجد أن المهم في موضوع القراءة ليس الوسيلة سواء كانت الكتاب المقروء أو المسموع أو ما تنقله وسائل الاتصال الحديثة بقدر أهمية ما تحتويه تلك الوسائل .. وأخيرًا أعتقد أن الكتاب موجود لن تستطيع أية وسيلة أخرى القضاء عليه فقط على الناس أن تقتنع أن العلم قد أنجب أخًا للكتاب لا يقل أهمية عنه .. فمن رغب في اقتناء الكتاب سيجده ومن أراد أن يتزود بالمعلومات عن طريق النت فأيضًا يستطيع بكل سهولة الحصول على ذلك .. عن نفسي لا استغني عن الاثنين خاصة أنني هنا في هذه البلاد أعاني من شحة الكتاب الورقي لهذا أجد في الكتاب المحمل من النت خير بديل ..
س: ماذا عن الجوائز فى مشوارك الإبداعى ؟
ج: الجائزة تعني أن هناك من يقيم ما تكتبه وأنك محط اهتمام وتقدير وهي جرعة أمل تدفعك للمضي قدمًا وأيضًا تعني أن الكاتب يسير على الدرب الصحيح خاصة إذا كانت تلك الجوائز تمنح من قبل جهات لها ثقلها وسمعتها في هذا المجال ..لكننى رغم تعدد وتنوع الجوائز المطروحة أمام المبدعين العرب إلا أننى أعتبر أهم جائزة للمبدع هى الإعتراف به ودعمه وحمايتة وأرى فى دولة الإمارات العربية المتحدة خير نموذج للإحتفاء بالمبدعين وحمايتهم بل والإعتراف بأن الأدب صناعة والفن مهنة و بفضل سياستها الثقافية المستنيرة والمختلفة صار الكاتب مكفولا من قبل الدولة وبناء عليه فإننى أعتبر حصولى على الإقامة الذهبية بدبى وتدوين وظيفتى بالهوية كاتب أهم جائزة حصلت عليها فى حياتى .
س: عشت فترة من حياتك خارج الوطن فما هي تجليات تلك الرحلة في انتاجك الأدبي ؟
ج: أعتقد أن المبدع كائن قلق بطبعه تسكنه الأسئلة والهموم والهواجس والانتظارات ولايتحرر منها الا بالكتابة عنها .وأجد ان الغربة مناخ مميز للإلهام بحكم تواجد المبدع في مكان مختلف عن موروثه الثقافي. تواجدي بالغربة لفترة من الزمن أنضج تجربتي الإبداعية .كنت أبحث عن دفء الوطن بين حروفي وقد كتبت شعرا مترعا بالشوق ومفعما بالحنين للوطن الأم
وكتبت عن ايجابيات البلد المضيف . واهم ما شدني هو ثقافة الاحترام السائدة . احترام الاختلاف والخصوصية والوقت وتقديس المسؤولية وتبجيل الوطنية والإنتماء… هنافى الإمارات فعل لاقول فالجميع منخرط في البناء… فليس هناك أجمل من بلداننا العربية بروحها ومناخها وتاريخها وجغرافيتها لولا شيطان الفتن الرجيم ،أدعو ان نضع خلافاتنا جانبا وان نحضن بعض، فنحن كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء… عندنا كل المقومات لنكون في صدارة البلدان المتقدمة ،موارد بشرية ومصادر للطاقة وعقول وووو للأسف وقفت على حقيقة مرّة حضارة الغرب تبنى بعقول ابنائنا وسواعدهم..
أما بخصوص تجليات الرحلة في انتاجي الأدبي.. أما علينا في البدء التمييز بين الرحلة بوصفها فعلا بالحركة يتجسّد في الانتقال من مكان ما اي (هنا) إلى مكان آخر اي ما نسميه (هناك) والعودة منه، وبين الرحلة بالنص الادبي بوصفها خطابا في المتن يظهر ويغيب لكنه يحافظ على تعدد أبعاده. وبالنسبة لي ان الرحلة النصية ان تصور لقارئك الأمكنة وتفاصيلها كما لو كانت هي شخصيات الرواية أو الجنس الأدبي المأمول كتابته..
س: في ظل التفكك الذي يضرب الوطن العربي وحالة الوهن التى يعيشها العرب من المحيط الي الخليج كيف ترين القاهرة وماهو انطباعك عنها كحاضرة للثقافة ومنارة للمعرفة علي مدى التاريخ ؟
ج: مصر ام الدنيا والقاهرة مدينة حاضنة للثقافة والابداع وأهم مايميزها هو الحراك الثقافى فالفعل الثقافى بالقاهرة ليس موسميا بل أستطيع أن أجزم من خلال تجربتى بأنه على مدار الساعة .تحتفي بالمؤلف والناشر و تقدم الكثير للمكتبة العربية والعالمية..حضوري الفعاليات الادبية بمصر أضاف لي الكثير على المستويين الشخصى والإبداعى
ليس فقط ادبيا وحضاريا وانما ايضا اطلاعي على ما وصلت اليه صناعة الثقافة من تطور وخاصة اهتمام الدولة المصرية بالشأن الثقافي.. وكيفية دعمها لصناعة الثقافة والذي ارى الدولة المصرية قائمة عليه..ما من شكّ بتاتا أن التفاعل الثقافي و تبادل الخبرات والنقاش حول الاعمال الادبية المختلفة في المهرجانات والمؤتمرات الادبية يساهم بشكل كبير في بلورة العمل الثقافي الواعي وبالتالي التأثير على المجتمعات وتحقيق التغيير المنشود نحو الأفضل .فالحصانة الحقيقية ضد غباء الكبرياء والتعصب الديني والسياسي والعرقي والقومي تجدها في الأدب العظيم . به نرتقي ونسمو . وما يزرع التفرقة والاستغلال والفتن هو الظلم اذا تطهّرنا منه أصبح الجميع متساوون في الحقوق والواجبات. هناك قيم مجتمعية مشتركة مع البشرية جمعاء
فعندما تذوب الخصوصية المحلية في وحدة الأدب، وتتفاعل معها تفاعلا إنسانيا، محقّقة ب ذلك التوازن بين الانتماء للوطن، ومفهوم (الكوزموبوليتانية): أي المواطَنة العالمية، التي أشار إليها الإمبراطور الروماني (ماركوس اوريليوس)
تصبح الثقافة هي الخلاص للتنوير و التفاعل الثقافي كفيل أن يخرجنا من عنق الزجاجة وتبقى انسانيتنا هي الجنسية الحقيقية والوحيدة .