رغم كل شئ سيظل للكتاب الورقى ألقه وأهميته وبريقه كوعاء ناقل للفكر والمعرفة والثقافة
الحركة النقدية العربية جيدة وتساير حركة النشر
لاتزال القاهرة هي حاضرة الثقافة العربية
نصيحتى لشباب المبدعين هي الاهتمام بتحصيل المعارف من خلال القراءة
من خلال لغة شفيفة تتماس مع تخوم الشعر ؛ وبناء قصصي رصين ومحكم ومتماسك جاءت قصص وروايات الكاتبة السورية مريم ملا وكأنها مكتوبة بحبر القلب حيث أحالت عبر كتابتها نثر الحياة اليومية إلى شعر حقيقي يحفر عميقا فى سراديب الروح كاشفا عن جوانب مهمة مسكوت عنها فى بنية الثقافة العربية، إعتمادا على أسلوب بسيط وسهل وعبارات قصيرة متماسكة وموجزة ورؤية تستلهم الماضى وتشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل … جريدة الرسالة إلتقت بها بالقاهرة وكانت لها معها هذا الحوار:
بقلم/ السعداوي الكافوري
س: القارئ لأعمالك الإبداعية يدرك من الوهلة الأولى ان لديك ولعا مدهشا بحياة البسطاء والمهمشين فما هو السبب في هذا الولع وسر هذا الاهتمام ؟
ج: لقد جاء هذا الاهتمام والولع منذ طفولتي فقد كنت أرى هؤلاء الناس من حولي وكان بالنسبة عالم غريب انا لست منه وكنت اضع نفسي دائما مكانهم رغم سني الصغيرة واراقب كل شيء بدقة حياتهم ملبسهم طعامهم بيوتهم اشاؤهم وكنت احزن كثيرا وأيضا استطيع ان انوه ان لامي وابي كان لهم دورا كبيرا في تفتح عيني عليهم فأمي كانت ترسل بي بصحون مملؤه بالطعام الى الفقراء من اهل الحي وكان ابي يعطيني نقودا أخر كل شهر لأعطيهم لأحد البيوت كمساعدة لهم هناك عرفت معنى الحياة البسيطة والناس المهمشة والغير قادرة على ان تحيا حياة كريمة ابي وامي كانوا يتصرفون قاصدون عمل الخير ولم يدركوا أنهم ارسوا بأعماقي أشياء كبيرة حملتها من طفولتي الى الان وكتبتها وعبرت عنها بكل اعمالي الأدبية فانا لازلت اذكر تماما الوان الأبواب التي كنت اطرقها لأمدهم بأطباق الطعام وكنت لم اتجاوز السابعة من عمري كنت اركن الطبق جانبا لأتمكن من دق الباب او اضع حجرا لاقف عليه واتمكن من الضغط على جرس الباب او الساقط لأدقه ولازلت اشعر بحرارة الطبق في ايدي ولازلت اذكر البسمة التي كانت ترتسم على وجوه من امدهم ببعض النقود اخر كل شهر اذكر ذات مرة دخلت منزل احدهم فقد كان رب الاسرة مريضا وادخلتني زوجته إليه يومها رأيت المعنى الحقيقي للفقر ربما او الأكيد ان كل هذه المشاهد رسخت في اعماقي وبقيت ابحث عنها في وجداني في كل زمان ومكان وبعد طفولتي كنت كبرت قليلا كان والدي يرسل بي الى منزل جدي وارضه الزراعية في منطقة سياحية تابعة لدمشق بعد ان تغلق المدارس أبوابها لأقضي شهرين عنده وعند عمتي رحمها الله كنت أرى حياة الفلاحين البسطاء التي لاتختلف كثيرا عن من هم في الحي الذي شهد ولادتي .
س: ماذا عن نشأتك الاجتماعية ومصادر تكوينك المعرفي وبمن تأثرت من الكتاب ؟
ج: لقد ولدت و نشأت بحي جميل جدا من احياء دمشق وقد لعب دورا مهما في مخيلتي ببيوته وناسه والبائعين والمحلات وأصحاب المهن الحرة كل شيء كان في ذلك الحي كما كان يقطن فيه الأغنياء والفقراء جنبا الى جنب وقد كان والدي رحمه الله ميسور الحال ووفر لنا حياة كريمة جدا كما انه كان يخصص لي مصروفا ايضافيا لكي اشتري الكتب والمجلات من ذات الحي نفسه وكان يشجعني على القراءة وقد اطلعت على المجلات كمجلة أسامة التي لاتزال تصدر إلى الآن واحتفظ بأعداد كثيرة منها ومجلة تانتان ومن ثم الكتب والروايات وكنت اقرأ رغم صغر سني لروائيين الكثير من الادب المترجم الروسي والامريكي والانجليزي والصيني اما الكتاب العرب قرات لهم وانا في 25 من عمري ومابعدها قرأت الكثير للكاتب المصري عبد الحميد جودة السحار الذي شغفت بكتاباته ومن ثم نجيب محفوظ وحنا مينه ويوسف السباعي ويوسف ادريس وكثيرون كما كنت اتابع مجلة حواء المصرية وكنت اقرأ لسعاد حلمي اتابعها واقرأ لها واخر ساعة والكواكب ومجلة الهلال والالغاز لمحمود سالم الذي كانت تصلنا الى دمشق بشكل مستمر وكنت شغوفة بها ولازلت احتفظ بالأعداد كاملة واشتري منها كلما زرت القاهرة وهناك كتاب كثيرون قرأت لهم وكاتبات مصريات أيضا كما كنت اتابع بشغف مجلة المختار . لا استطيع القول انني تأثرت بأحد بل كنت مطلعة على كتابات كثيرة متنوعه لكن استطيع بل أؤكد ان شيخ الرواية السورية حنا مينه وجهني لكتابة الرواية والتركيز عليها رغم تنوع كتاباتي مابين القصص القصيرة والشعر والتاريخ والدراما والتراث الخليجي ودمجه في الرواية .
س: ماذا عن الجوائز في مسيرتك الإبداعية وماهي اهم الجوائز التي فزت بها ؟
حصلت على جائزة دولية واحدة هي جائزة عوشة بنت حسين الثقافي من امارة دبي عن عملي الروائي الأول امومة وغربة كرمتني بهذه الجائزة الدكتورة موزة غباش ولكن احب ان انوه انني مقصرة في مشاركاتي لنيل الجوائز لأسباب كثيرة من هذه الأسباب هو إنني اكتب الرواية وتأخذ مني وقتا ومجهودا يستمر لسنوات ويضيع علي وقت التقديم واحيانا كثيرة هم يضعون شروطا لاتناسبني مثلا أن لا تكون منشورة او يحددون الوقت او سنة الإصدار او الفئة العمرية وهكذا لهذا لا اتابع ولا اقدم على جوائز الا نادرا اذا صادف ان عملي الروائي حديث ولم يقدم لجائزة أخرى وهكذا فوجدت ان هذه الشروط لا استطيع اللحاق بها كما حصلت على الوسام الذهبي من نادي تراث الامارات مؤخرا اما من ناحية التكريمات فهي كثيرة ومهمة فقد كرمت مرتين من قبل الشيخ هزاع بن حمدان بن زايد آل نهيان مؤسسة دار زايد العليا للأعمال الإنسانية مطبعة المكفوفين لان اغلب اعمالي اسلمها للمطبعة عندهم واحرص ان اقدم كل مؤلف جديد ان يطبع لهؤلاء الفئة من أصحاب الهمم
س: ماذا عن متابعة الحركة النقدية لإبداعاتك؟ وماهي رؤيتك ككاتبة لدور النقاد العرب في متابعة الإصدارات الأدبية والكتابة عنها ؟
ج: في فترة ما كان هناك نقاد كثيرون في التسعينيات وبداية الالفين يتابعون كل نتاجنا الادبي ثم خفت تلك الحركة التي كنا ننتظرها من ناقد متخصص ليصول ويجول في نتاجنا الادبيلقد اصبح النقاد قليلون جدا في الوطن العربي وليس في الامارات فقط عن نفسي كان هناك فعلا من يتابع اعمالي ويكتب عنها كنقد او يكتبون بزاوية أخيرة من الصحيفة عن اعمالي دون ان يكون بيننا معرفة ما ومع ندرة وجود النقاد أصبحت اعمالي تطلب للترجمة وليس للنقد ومنها زمن الصبر الذي ترجم الى 3 لغات الإنجليزية وبرايل بعد ان صدر بالعربية والان ترجم الى اللغة الرابعة وهي الاسبانية وسوف يرى النور قريبا .
انا ككاتبة احترم جدا النقاد المحترفين المنصفين واكون بحالة شغف كبيرة لأسمع نقدهم لأنه دائما يكون بناء واستمتع جدا وهم يتحدثون عن افكاري كيف صغتها وكيف جعلت منها رواية او قصة والنقاد لهم دور كبير ومهم في متابعتنا ولا غنى لنا عنهم وارى ان على المؤسسات الصحفية تعيين متخصصين بالنقد لمتابعة كل ما يصدر لنا ككتاب ومبدعين .
س: ماذا عن المناخ الثقافي العام بدولة المهجر الامارات العربية المتحدة والمناخ الثقافي بوطنك الام من ناحية توافر مقومات الفن والابداع ومتطلبات العملية الإبداعية ؟
ج: في الإمارات هناك كتاب وكاتبات وشاعرات وكتاب قصة قصيرة وروائيين وروائيات كلهم ممتازين انا اتابعهم بشكل او باخر واسمح لي ان أوجه لهن او لهم كلمة بان لا يبتعدوا عن الكتابة مهما كانت الظروف واعتب جدا على من يكون لها قلم جميل وتبتعد عن الساحة سواء كانت شاعرة او كاتبة قصة قصيرة او روائية اما بالنسبة لسوريا تبقى أيضا لها مساحة كبيرة في التواجد بكتابها وكاتباتها لكنني للأسف غير متابعة لهن بشكل كبير او لهم بحكم تواجدي في الامارات لما يزيد عن أربعة عقود .
س: في عصر الميديا ومواقع التواصل العابر للقارات هل مازلت تراهنين على الكتاب الورقي كوعاء ناقل للفكر واداة وسيطة تقليدية للمعرفة ؟
ج: نعم مازلت اراهن لابديل ابدا عن الكتاب الورقي فهو الوحيد الذي ان امسكناه نشعر بدفء خاص وحنين كبير في طياته فالكتاب ليس فقط ناقل للفكرة واداة بل هو المشاعر الجميلة نفسها التي نحملها معنا عبر القارات وانا ممكن يقطني الكتب القديمة واشحنها معي دائما وادفع وزن زيادة كما حصل معي في سفرتي الأخيرة ملئت حقيبتين كبيرتين وعدت بهم الى الامارات .
س: على هامش زيارتك للقاهرة ماذا عن انطباعاتك عنها كحاضرة قديمة للثقافة والفنون وهل لايزال دورها الرائد قائما أم تراجع لأسباب ما؟
ج: مصر أم الدنيا وستبقى ام الدنيا وحاضرة في فنها وثقافتها مهما مر عليها من صعوبات انا زرت القاهرة 5 او 6 مرات كان أولها عام 2004 احببتها حبا كبيرا واحببت ناسها في بساطتهم وحب المساعدة ولهفتهم المميزة وحبهم للضيف واستيعابهم لنا،يحتوون كل زائر بضحكة ببسمة بترحاب ،تصحبه حرارة كبيرة لديهم شغف كبير ليقدموا لنا كل المساعدة مصر هي ام الفن والثقافة وتستحق هذا بجدارة وستبقى طالما الاهرامات واقفة شامخة لقد زرت اسوان والاقصر في 2018 وهناك رأيت عظمة مصر والنيل العظيم رايته من منبعه دعني أقول لك شيئا اخر في احدى سفراتي دخلت مقهى صدفة لاحتسي فنجان من الشاي (الكشري) كان يجلس فيه كل الجنسيات العربية تقريبا والكل منسجم ويتحدثون تارة بلهجاتهم وتاره أخرى باللهجة المصرية تركت فنجان الشاي من يدي واخذت اراقب الجميع واستمع لهم قلت صحيح والله يا مصر انك أم الدنيا .
س: ككاتبة كبيرة ومتحققة بماذا تنصحين شباب الادباء خاصة هؤلاء الذين يخطون خطواتهم الأولى على طريق الابداع الوعر ؟
ج: هو طريق متعب ووعر هذا صحيح انصح الموهوبين بالاستمرار في القراءة أولا القراءة الكثيفة والمتنوعة بكل المجالات ومن ثم الكتابة باستمرار ولا يتوقفون ابدا حتى لو لم ينشروا وان يحتفظوا بكل ما يكتبونه في الادراج لا لكي تبقى فيها بل ليعودوا اليها بعد سنوات سوف يجددون منها او سيرون ماذا كتبوا من سنتين او ثلاثة سيكتشفون تطور أفكارهم وقلمهم مع تقدم العمر ومع الممارسة الدائمة في الكتابة كما انصحهم بعدم التردد في اطلاع من سبقوهم في الكتابة من باب المشورة لان من سبقهم هم فقط الذين يميزون موهبتهم كما انصحهم بعدم الخوف لقد قابلت ذات مرة كاتبة سورية تكبرني عمرا و كنت في بداياتي في الكتابة وهي كانت قد كتبت بعض القصص وأخفتها استيحاءا وخجلا وخوفا وقد قرات لها واحدة اذكر كان اسم القصة شجرة البرتقال او حدائق البرتقال وكانت رائعة كم حزنت على هذه الموهبة التي لم تجد من يشجعها فدفنتها في ادراج مكتبها ولم يقرأها احد غيري .