حوار بقلم: السعداوي الكافوري
- أكتب لإعادة تشكيل العالم
- الحركة النقدية بالوطن العربى لاتساير الإنتاج الأدبى لمبدعيه ولاتليق
بحجم كتاباتهم - الحوائز دافع مهم للكاتب والأديب
تعتبر الكاتبة الروائية المغربية د. زهرة عز واحدة من أهم الأصوات السردية علي مستوي المشهد الثقافي العربى حيث عرفت قصصها القصيرة الطريق الى كبريات الصحف والمجلات العربية وحازت العديد من الجوائز وتم تكريمها في أكثر من ملتقي أدبي كما صدرت لها العديد من المجموعات القصصية والروايات منها “ سرير الألم “ و مرآةوخبزوقمر “ و “ من سرق حذائي “ وغير ذلك جاءت في مجملها وكأنها مكتوبة بحبر القلب حيث عمق الفكرة والبناء القصصي الرصين المحكم المتماسك والاسلوب السهل السلس واللغة الشفافة التى تتماس مع تخوم الشعر إنطلاقا من رؤية تستلهم الماضي وتشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل … الرسالة إلتقت بها بالقاهرة علي هامش مشاركتها في مهرجان “ همسة للفنون “ وكانت لها معها هذا الحوار :
س: القارئ لأعمالك الإبداعية يدرك منذ الوهلة الأولي أن لديك ولعا مدهشا بحياة البسطاء والمهمشين خاصة النساء منهم … فما هو السبب في هذا الولع وهذا الإهتمام ؟
ج: إنها الديستوبيا..
إذ انخرط كثير من الأدباء بالمشرق او المغرب في الحدث الثوري والكتابة عنه، سواء في شكل شعري او قصصي او يوميات أو أعمال روائية، لكن خيبات الواقع ألقت بظلالها على الكثير من الأعمال مما جعل كُتَّابها يلجؤون إلى ثيمات “الديستوبيا” تعبيرا عن خيبة أملهم، ربما من واقع يزداد سوءا وليسوا بقادرين على أن يجدوا بصيصا للنور فيه..
ومن هنا جاء ولعي بالديستوبيا التي تنطلق من التأمل في مستقبل الاقليات والمهمشين ، الذي يتسم بالفساد أو السوء بشكل عام، لأحاول ان أصور تفاصيل المجتمع شديد القتامة من خلال النظر الى شأن المهمشين وقضاياهم سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو علمية أو غيرها..أكتب عن البؤس على أمل تغييره .
فالمبدع كائن شديد الاندماج والحساسية، فكل ما يؤثر في العام يؤثر فيه كذات، وهو ما يجعل ذات الكاتب والمبدع والفنان عموما ذاتا اجتماعية مخترقة بكل ما يؤثر في المجتمع. زهرة عز ككاتبة تجد صعوبة في تمييز ذاتها الخاصة ومشاعرها الخاصة عن ذات المجتمع ومشاعره، ولذلك فالكتابة بالنسبة لي هي كتابة الذات الجماعية، التي من دون شك تحضر فيها ذاتي بشكل أو بآخر، أو لنقل إنني أكتب ذاتي في ذات المجتمع. وبالتالي الكاتب بالنسبة لي هو الضمير الجمعي، وغايتي من كتابة القصة أو الرواية هي إنتاج معرفة بالواقع الاجتماعي، والتأريخ لذاكرة المجتمع المعاشة. فإذا كان الواقع يرتدي معطفا أسود فهو أسود في انتظار ان نلبسه الألوان .والحقيقة أنني لا يمكنني أن أتبرأ من جنسي وأنا أدرى بمعاناته، لذلك من ضمن الأساسيات في كتاباتي انخراطي في سؤال المرأة في الواقع الاجتماعي، ربما لأن درجة العنف التي تتعرض لها المرأة أقوى، ولأنها الحلقة الأضعف، لكن دون تحيز، طالما أن المعاناة في النهاية هي معاناة الإنسان سواء كان ذكرا أو أنثى. لا أختزل قضية المرأة في الصراع الذكوري الأنثوي، فكلاهما ضحايا وضع اجتماعي تشوبه قيم تهدر حقهما وكرامتهما معا، فهما ضحايا فساد وأيديولوجيات استبدادية، والقمع الذي يأخذ مستويات عديدة في تجلياته المادية والرمزية، هو قمع يهضم كل الحدود ويتخذ منها آليات لتكريس الاستبعاد والهيمنة.
س: ماذا عن نشأتك الاجتماعية ومصادر تكوينك المعرفي وبمن تأثرت من الكتاب؟
ج: نشات في بيئة بسيطة تقدّس العلم والكتب . لذلك كنت محظوظة.أتذكر بحب يوم استلم أخي سعيد منحته الدراسية الأولى بكلية القانون . يوم عيد كان حيث بادر بتسجيلي بالمكتبة البلدية وبمكتبة تابعة للمعهد الفرنسي . ما سمح لي باحضار العديد من الكتب المتنوعة الى البيت علمية وأدبية .أتذكر دكاكين الكتب القديمة بمنطقة الحبوس بدرب السلطان والمدينة القديمة بالدار البيضاء . وكيف كنا نتسكّع بين الأزقة القديمة ورائحة الكتب تغمر المكان ،نقضي ساعات نبحث بين أكوام الكتب . لم أستطعم بعدها لذة بحلاوتها.أتذكّر فرحة رجوعي يوما من المدرسة لأفاجأ بمكتبة تزين جدران بيتنا المتواضع . كنت اسعى دائما اثناء تحصيلي الدراسي ان اكون من الأوائل حتى افوز بمجموعة من الكتب اخر السنة أضيفها للمكتبة ولأقضي حينها العطلة الصيفية أتنقل بين عوالم مختلفة واجوب العالم.ذكريات دافئة وشمت ذاكرتي.كنت أقرأ ومازلت كل ما يقع بين يدي من كتب فلسفية وعلمية وأدبية .
أنا أؤمن ان الحرف بصمة أيضا لاتتكرر. أرى الحروف ايضا كأحصنة جامحة ولكل مبدع طريقته في كبحها وطريقة ترويضها بمشاعر مسننة او ناعمة حسب رؤيته الخاصة .هو خزان لمًا يعايشه ويعيشه ويقرأه .. كتلة من المشاعر الجياشة. أراه بركانا خامدا في مخاض لامنتهي وعندما تأتي اللحظة الحاسمة ، الخارقة يتدفّق حمما ، غاضبة حينا ومسالمة أخرى. في مرحلة ما كنت أهيم حبا بكتب الاساطير ألف ليلة وليلة ، الإلياذة والأوديسا، لافونتين ، كليلة ودمنة ، بمرحلة اخرى كنت عاشقة لكتب نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وطه حسين وتوفيق الحكيم وطيب صالح فدوى طوقان جبران خليل جبران ميخائيل نعيمة وغيرهم كثير . بمرحلة اخرى وقعت في حب الأدب الروسي ، بوشكين وتولستوي وغوركي تشيخوف ولا انسى طبعا المتفرد غابرييل ماركيز و ميغيل دي سيرفانتيس ورائعته دون كيشوت ، كافكا وعالمه الخاص
وعشقت الإبداعات المغاربية ، محمد شكري والطاهر بن جلون وفاطمة المرنيسي .أدين بالشكر لكل هؤلاء العظماء ولإبداعاتهم الخالدة التي فتحت عيوني على عوالم خفية لحالاتنا البشرية وعلى عوالم ساحرة يتماهى فيها الواقع بالخيال . خلاصة القول كنت مولعة في صغري بالمطالعة.. التهم الروايات التهاما.. صحيح كنت اقرا كل ما يأتي بين يدي دون تمحيص…
لكن في فترة ما حولت وجهتي الى قراءة الرواية الكلاسيكية فتاثرت برواية “رحلة ابن فطومة” لنجيب محفوظ..
قرأت وتأثرت بكثير من الروايات.. عربيا وعالميا لكن أقر ان اول اندهاشي كان برواية “آلة الزمن” لجورج ويلز تلك الرواية التي عكس فيها الكاتب صورة شديدة القتامة عن المستقبل..
ومن ثمة اهتممت بروايات “ديستوبية” أذكر منها “عالم جديد شجاع” لأدولف هكسلي.. تلك الرواية التي يعكس فيها الكاتب مخاوفه من هيمنة العلم على الإنسان إلى الحد الذي يفقده حريته.. وربما تأثرت أكثر برواية “1984” لجورج أورويل لمطابقتها للواقع الراهن..
س: ماذا عن علاقتك بالحركة النقدية وهل تشعرين أنك إبداعاتك قد نالت إهتماما نقديا يليق بها ؟
ج: من خلال كتابتي للقصة والرواية أسعى إلى تقديم عوالم مغايرة قادرة على اعادة النظر في قضايا اجتماعية .
انا اكتب النص المابعد حداثي.. كما يقول نقادنا المغاربة اذ إن ما بعد الحداثة تشير إلى نقد القيم التقليدية والاهتمام بالمهمشين ونبذ الإيديولوجيات..
لذلك تجدني أنتصر للمهمشين أكتب عن آلامهم وآمالهم. نصوصي تقوم على زعزعة المعهود وزلزلة الماضوية فضلا عن كون كل نص يمثل لبنة داعية الى نهوض التشكيكات المعرفية..
بكتاباتي الإبداعية أنقد كل ما يطلق عليه القصص الكبرى أو ما وراء السرديات.فأنا أنتقد بشدة كل السلطات وأتجاوز الأشكال السردية القديمة تهديما واعادة بناء…منتصرة للمهمشين بآلامهم وآمالهم اذ يصير نصي بوابة التأويلات بل ويبلغ النص الابداعي عندي طرح طرق جديدة بالتحليل الأدبي الذي يتجاوز التقليدي والحداثي على حد سواء.وكانما أجر النقاد الى الاحتفال بنصي الابداعي..تجربتي لاقت اهتماما من لدن العديد من النقاد داخل المغرب وخارجه ربما يستفزهم حرفي ونبضه وعالمي الخاص هناك ايضا عدة بحوث حول نصوصي لطلبة بمختلف الجامعات بالمغرب . كل هذا الاهتمام يحفزني أكثر للاستمرار . قد يمر الكاتب بمرحلة سكون وقد تكون نوعا من الإحباط لكن الاهتمام بحرفه كفيل أن يحيي قلمه من جديد .وقريبا سيصدر كتاب جامع لكل القراءات النقدية حول تجربتي .
وتبقى علاقتي بالنقد والنقاد محترمة.. ربما اراه موقف وليس انحيازا لجهة..
ذلك ان النقد فن مؤثر في كشف النصوص، والحكم عليها من ناحية، ومن ناحية اخرى انا مع الناقد المؤثر الذي يتملك موهبة، وخبرة إبداعية ويتميز بمرجعية علمية ثقافية واسعة؛ مما يضفي على نقده عمق الرؤية،. وعمق الحساسية الجمالية، والخبرة الجمالية..
الاجدر بالنقاد أن يطوروا الإبداع، ويرفعوا أسهمه الإبداعية بنجاح اذا انطلقوا من مبدأ ان النقد ابداع على الابداع..
س: ماذا عن الجوائز والتكريمات فى مسيرتك الإبداعية ؟
ج: سبق لي وكرمت بعدة ملتقيات وطنية ودولية كالمهرجان الدولي للشعر والثقافة بطنجة، ملتقى فرانكفورت السوسيوثقافي،تكريم من مؤسسة بنات من أجل الحياة الكندية ،كما كرمت من عدة جهات بمناسبة عيد المرأة وعيد الشغل من مؤسسات تعليمية وإعلامية وجمعيات مجتمع مدني داخل الوطن وخارجه مثل تكريمي من لدن مؤسسة الصباح الفلسطينية واتحاد العام للمرأة الفلسطينية والرابطة الفلسطينية المغربية الثقافية لنصرة جلالة الملك محمد السادس للقدس وايضا تكريم من لدن كتلة فتح بالمجلس التشريعي الفلسطيني وتكريمات بمهرجان السينما بالناضور وتكريم بمهرجان تويزة بطنجة للموسيقي الدولية دورة حقوق الانسان .
هناك عدة تكريمات وجوائز لايتسع الحديث لذكرها جميعا، كجائزة القصة القصيرة للنادي العربي للثقافة واللغة والأدب . ولا انسى طبعا مهرجان الإعلاميين والكتاب سنة 2018 بالقاهرة توجت خلالها بالميدالية الذهبية عن مجمل اعمالي كأول مبدع او مبدعة من المغرب تحظى بهذا التكريم وكان المرحوم الدكتور شاكر عبد الحميد الوزير الأسبق للثقافة رئيسا للمهرجان و من توّجني بالميدالية الى جانب الإعلامي والكاتب الأستاذ صفوت محمد رئيس الإدارة.
حظيت أيضا بتكريم بملتقى فاس العربي للإبداع النسائي، ، و بالمهرجان الدولي للثقافة والإبداع بطنجة ،ومن لدن جمعية تواصل وابداع بالمعرض الجماعي النسائي بالدار البيضاء وأيضا تكريم بفرع اتحاد الكتاب بتازة وجمعية اصدقاء تازة ، وتكريم بجامعة محمد الخامس كلية علوم التربية ، وأيضا كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك الدار البيضاء قناة الممارسة والمعرفة الصحفية ، تكريم من مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية وحلقة الفكر المغربي بفاس، وأيضا بملتقى الكتاب بخريبكة .هناك العديد من التكريمات التي حظيت بها وآخرها تكريمي شهر شتنبر لهذه السنة من لدن مهرجان همسة للآداب والفنون بدورته التاسعة بالقاهرة وأوجه من هذا المنبر شكري وتقديري للإعلامي والفنان الأستاذ فتحي الحصري على مجهوداته الجبارة في إنجاح المهرجان . عالمي بكل المقاييس ومتفرد في جمعه بين الآداب والفنون . واوجه شكري ومحبتي وامتناني لكل الجهات التي شرفتني بالتكريم .
س: ثمة تقارب مع عناوين كتبك وعناوين أخري لكتاب أخرين مع حيدر حيدر ونزار قبانى فما السبب في هذا ؟
ج: ان القراءة النقدية للاعمال الادبية تنطلق اساسا من التمكن من اليات اللغة وبنيات المشابهة التي بفضلها تتمكن اللغة من الحياة مثلما تتمكن الاعمال الادبية من توظيف الاعمال السابقة والتناص معها تحويرا وزيادة وتعميقا وابداعا . وفي هذا السياق ياتي التناص كما تاتي المجازات والاستعارات على مستوى عناوين الاعمال الادبية مثلما على مستوى العبارات والتراكيب، فاللغة نفسها في كل اشكال الكتابة الابداعية ما كان لها ان تحيا الا بفضل التنويع والابتكار في بنيات المشابهة واليات المجاز والاستعارات، فوليمة لاعشاب الحلم مجموعتي القصصية تتناص تركيبيا واستعاريا مع وليمة لاعشاب البحر لحيدر حيدر، وبالرغم من أن عملي قصصي وعمل حيدر روائي وهو الفرق التجنيسي الاول، فإن مضمون الرواية مختلف جذريا عن مضمون القصص التي تضمنتها مجموعتي ، وهذا الاختلاف والفرق الثاني، وهو اختلاف يضم ويشمل الشخصيات والاحداث كما يشمل البناء الحكائي، ومن هنا الاختلاف الثالث وهو اختلاف في البناء، بحيث لا يجوز ربط العملين سوى على مستوى الاشتراك في مفردتي وليمة واعشاب، هذا على مستوى جزء من التركيب، بحيث يختلفان في الحلم بالنسبة لمجموعتي التي تحتفي بالحلم كتيمة مركزية شاملة لمجموع القصص، والفرق بين الحلم والبحر اختلاف جوهري لا على مستوى الدال ولا على مستوى المدلول، وهنا ياتي الفرق والاختلاف الكبير بين عنواني في المجموعة القصصية وعنوان الرواية، فالمستوى الدلالي واضح ، فالتركيب الكلي لوليمة لاعشاب الحلم على مستوى الدلالة يختلف اختلافا جوهريا عن التركيب الدلالي لوليمة لاعشاب البحر، بمعنى ان للحلم اعشاب جعلنا لها وليمة، احتفاء بها اي احتفاء بمصادر الحلم وموارده، اي ان الاحتفاء قصصيا في مجموعتي تم بالامل المغذي للحلم في حين ان رواية حيدر يتم فيها الاحتفاء مجازيا بالبحر بالاحتفاء باعشابه وموارده وهنا يتضح الفرق الكبير.
من هنا يتبيّن ان ما يربط العملين على مستوى العنوان فقط هو تناص في جزء من التركيب اللغوي في بعده المجازي الذي يختلف على مستوى التركيب الدلالي اختلاف الارض عن السماء. هذا وتجدر الاشارة ان المتن الحكائي لقصة داخل المجموعة وهي التي تحمل نفس عنوان المجموعة هو من اقترح علي العنوان. ويكفي قراءتها لمعرفة ان القصة باحداثها وشخصياتها واحداثها من فرض علي هذا العنوان.اسرد هنا بعض النماذج :
رواية باب الريح لطارق لبيب تتاص مع رواية باب الشمس لالياس خوري. وتتناص مع رواية باب الخروج لعز الدين شكري. وتتناص مع باب العمود لنردين ابو نعمة.
ورواية حيدر حيدر تتتاص جزىيا مع رواية وليمة للغربان لجورج مارتان. ومع رواية وليمة متنقلة لارنيست همنغواي.
رواية اليمنية شدى الخطيب بنت الريح تتناص مع رواية المغربي بنت الريح للفرنسية كاثي كاش وهو نفس العنوان لرواية المغربي الذي يكتب بالفرنسية ايضا كبير عمي،بل وتحمل العنوان ذاته. بعد كل هذه العناوين لكبار الروائيين في العالم عربيا ودوليا والتي توضح انّ التّناص الجزئي او الكلي على مستوى العناوين باعتباره اول عتبة نصية ناهيك عن مختلف مستويات التناص الأخرى وأعتقد ان العالم الادبي والنقدي قد قطع اشواطا كبيرة في هذا الباب .
س: عشت فترة من حياتك خارج الوطن فما هي تجليات تلك الرحلة في انتاجك الأدبي ؟
ج: أعتقد أن المبدع كائن قلق بطبعه تسكنه الأسئلة والهموم والهواجس والانتظارات ولايتحرر منها الا بالكتابة عنها . وأجد ان الغربة مناخ مميز للإلهام بحكم تواجد المبدع في مكان مختلف عن موروثه الثقافي. تواجدي بالغربة لفترة من الزمن أنضج تجربتي الإبداعية .كنت أبحث عن دفء الوطن بين حروفي وقد كتبت عدة قصص تتناول احاسيس مريرة، ، كالخواء والاجترار والضياع . مثل قصة “الفردوس المفقود” و”اغتراب حلم” ولكني ايضا كتبت عن ايجابيات البلد المضيف . واهم ما شدني هو ثقافة الاحترام السائدة . احترام الاختلاف والخصوصيات والوقت . المسؤولية والوطنية هناك فعل لاقول والجميع منخرط في البناء .ليس هناك أجمل من بلداننا العربية بروحها ومناخها وتاريخها وجغرافيتها . لولا شيطان الفتن الرجيم . أدعو ان نضع خلافاتنا جانبا وان نحضن بعض. فنحن كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء. عندنا كل المقومات لنكون في صدارة البلدان المتقدمة .موارد بشرية ومصادر الطاقة وعقول وووو للأسف وقفت على حقيقة مرّة حضارة الغرب تبنى بعقول ابنائنا وسواعدهم..
بخصوص تجليات الرحلة في انتاجي الأدبي..
علينا في البدء التمييز بين الرحلة بوصفها فعلا بالحركة يتجسّد في الانتقال من مكان ما اي (هنا) إلى مكان آخر اي ما نسميه (هناك) والعودة منه، وبين الرحلة بالنص الادبي بوصفها خطابا في المتن يظهر ويغيب لكنه يحافظ على تعدد أبعاده. وبالنسبة لي ان الرحلة النصية ان تصور لقارئك الأمكنة وتفاصيلها كما لو كانت هي شخصيات الرواية أو الجنس الأدبي المأمول كتابته..
س: في ظل التفكك الذي يضرب الوطن العربي وحالة الوهن التى يعيشها العرب من المحيط الي الخليج كيف ترين القاهرة وماهو انطباعك عنها كحاضرة للثقافة ومنارة للمعرفة علي مدى التاريخ ؟
ج: مصر ام الدنيا والقاهرة مدينة حاضنة للثقافة والابداع.. تحتفي بالمؤلف والناشر ومنه فهي تقدم الكثير للمكتبة العربية والعالمية.. حضوري الفعليات الادبية بمصر أضاف لي الكثير ليس فقط ادبيا وحضاريا وانما ايضا اطلاعي على ما وصلت اليه صناعة الثقافة من تطور وخاصة اهتمام الدولة المصرية بالشأن الثقافي.. وكيفية دعمها لصناعة الثقافة والذي ارى الدولة المصرية قائمة عليه..
ما من شكّ بتاتا أن التفاعل الثقافي و تبادل الخبرات والنقاش حول الاعمال الادبية المختلفة في المهرجانات والمؤتمرات الادبية يساهم بشكل كبير في بلورة العمل الثقافي الواعي وبالتالي التأثير على المجتمعات وتحقيق التغيير المنشود نحو الأفضل .
الحصانة الحقيقية ضد غباء الكبرياء والتعصب الديني والسياسي والعرقي والقومي تجدها في الأدب العظيم . به نرتقي ونسمو . وما يزرع التفرقة والاستغلال والفتن هو الظلم اذا تطهّرنا منه أصبح الجميع متساوون في الحقوق والواجبات . هناك قيم مجتمعية مشتركة مع البشرية جمعاء.
وعندما تذوب الخصوصية المحلية في وحدة الأدب، وتتفاعل معها تفاعلا إنسانيا، محقّقة ب ذلك التوازن بين الانتماء للوطن، ومفهوم (الكوزموبوليتانية): أي المواطَنة العالمية، التي أشار إليها الإمبراطور الروماني (ماركوس اوريليوس)
الثقافة هي الخلاص للتنوير و التفاعل الثقافي كفيل أن يخرجنا من عنق الزجاجة وتبقى انسانيتنا هي الجنسية الحقيقية والوحيدة .
س: مارأيك في الأطر والتنظيمات التى تعني بالكتاب وهل قامت بدورها كما ينبغي ؟
ج: ان الاجتهاد والتجديد يختلفان كل بقيمته وميزانه.. فالاطر التنظيمية تحاول ان تعتني بالكاتب والكتاب تقديما وتأطيرا.. فهذا اجتهاد..
اما قولنا بنجاحها فهذا نسبي تتداخل فيه عوامل شتى لكن اكثرها تأثيرا سؤالنا الذي ينبض بالتجديد يظل يراودنا.. هل انتجت تلك الهيئات حين قيامها بأدوارها ثقافة جديدة؟
س: هل المستقبل للنشر الالكترونى أم أن الكتاب الورقي سيظل صامدا أمام الحاسوب وأدوات وأنساق المالتى ميديا الحديثة ؟
ج: وانت تمسك كتابك بيديك.. تبقى رائحة الكتاب الورقي لها نكهتها الخاصة..لملمسه سحر خاص . علاقة حميمية خاصة مع الورق لذلك عني شخصيا لا غنى لي عنه .
وبعيدا عن كل هذا ودون ان ننسى تعاملنا مع النشر الالكتروني.. أؤكد ان المستقبل للابداع.. ومحاورتكم هذه تتنزل في نفس هذا الاطار الابداعي.