بقلم: نعمة الله رياض
إتخذ جابر مكاناً قصياً في فناء السجن وجلس علي الأرض يحتسي كوب الشاي الذي اشتراه من مقصف السجن ، كان يود لو انه يمتلك نقوداً لشراء سيجارتين ليدخنهما مع الشاي ، لكن كان عليه الإقتصاد في المصروفات حتي يحل موعد الزيارة التالية ، وتعطيه والدته نقوداً تكفي لفترة زمنيه أخري .. جال بنظره في ارجاء الفناء يتابع باقي المساجين وهم يلعبون بالكرة أو يشجعون اللاعبين ، كل مسجون منهم ينفذ عقوبة لجريمة ما ، فما هي جريمته؟ سرح بفكره إلي زمن مضي عندما كان فتي يافعاً أنهي لتوه المرحلة الثانوية وتأهب للإلتحاق بالجامعة ، اختار كلية الآداب لتشبع ميوله الثقافية والفلسفية، وعندما بدأت المحاضرات ، هاله إن عدد الطالبات أكثر من نصف العدد الكلي، لم يكن لجابر أصدقاء من الطلبة إلا عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة، ولم يكن له قطعاً أي صديقات من الطالبات، فقد كان يشعر بالخجل في التعامل معهن ، وكان يشعر بالارتباك الشديد عندما تحاول احدي الطالبات التقرب منه أو حتي طلب كراسة المحاضرات لنقل محاضرة ناقصة عندها.. ولكنه في المقابل كان يفكر كثيراً في الجنس الآخر، بحكم الغريزة المتأصلة في البشر و كذلك سائر المخلوقات الأخري.. كانت متعته أن يختلس النظر إلي زميلاته من الطالبات ، ماذا يرتدين من ملابس؟ ماذا يضعن من مساحيق علي وجوهن ؟ كيف يمشون بخطوات جذابة ؟ لم يحاول أبداً أن يتجاذب الحديث مع فتاة أو سيدة ، كان يشعر أن النساء من كوكب آخر يحتجن إلي جهد جهيد للتعامل معهن متصورا أن ابسط محاولة للتحدث معهن قد تواجه بالرفض أو الإستنكار .. لذلك فضل التعامل معهن عن بعد ووجد لذته في إختلاس النظر لهن .. وفي منزله كان يجلس في شرفة شقته وقتاً طويلأ بإدعاء المذاكرة، ولكنه كان يتابع ايضاً بعينيه الفتيات والسيدات وهن يسرن في الشارع أو ينشرن الغسيل علي أحبال شرفاتهن، ولإشباع رغبته اشتري خصيصاً نظاره مقربة للتلصص علي النوافذ المفتوحة في الحجرات المضاءة ليلاً للعمارات والفلل المقابلة .. استمر علي هذه الهواية إلي أن لآحظ أن حجرة في الفيلا المقابله أصبحت مشغولة بابنة صاحب الفيللا ، استنتج أن الفتاه التي أنهت المرحلة الثانوية قد خصص لها والدها حجرة لتكون مستقلة في مرحلة دراستها الجامعية ، وقد خصص لها والدها سيارة ومعها سائق للذهاب والإياب من الجامعة ، بعد أن كانت تستقل حافلة النقل المدرسية .. أصبحت هذه الفتاة الشغل الشاغل له وترك جميع المواقع الأخري التي كان يتجسس عليها وتفرغ للتلصص عليها .. كان يشاهدها وهي تدرس وتقلب صفحات كتبها ، وهي تأكل شطائر وهي تقرأ وهي جالسة علي الفراش، ويشاهدها أثناء تغيير ردائها وعندما تتمدد علي فراشها لتستريح ، وحفظ مواعيد محضراتها عندما زار كليتها خصيصاً لنقل جدول الحصص المثبت في لوحة الإعلانات بالكلية ، حاول مرة أن يتجاذب أطراف الحديث معها فإنتظرها يوماً بجانب باب الفيلا التي تسكن فيها ، وذلك في موعد عودتها من الكلية والذي يحفظه جيداً ، وعندما شاهدها تغادر السيارة ، سار أمامها ثم اسقط عمداً علي الطريق محفظة نقوده الصغيرة ، لاحظت الفتاة ذلك فأسرعت بالتقاط المحفظة ونادت علي جابر وقالت له :- يا استاذ وقعت هذه المحفظة منك .. سمع رنة صوتها لإول مرة في اذنيه ورد مرتبكاً :- شكراً يا هانم .. ثم هبط عليه صمت أبو الهول فلم ينبس ببنت شفه وشاهدها تستدير وتتابع طريقها بخطوات رشيقة ، أخذ يلوم نفسه بشدة علي افتقاد الجرأة اللازمة لإختلاق حوار معها يمهد لنشوء صداقة من نوع ما ، يومها عاد إلي حجرته وهو مصمم علي كسب صداقتها بأي طريقه ، ولكن كيف ذلك؟ إن جميع تحركاتها محكومة ومراقبه ، وخروجها إلي الشارع يقتصر علي الذهاب للجامعة بسيارة العائلة .. أثناء مراقبته للفيلا لاحظ أن أفراد العائلة يستعملون مفتاح باب صالة الفيلا في الدور الأرضي لدخولهم ثم يضعونه اسفل دواسة القدم الموضوعة امام عتبة الباب !! يفعل الأب والأم وإبنتهما ذلك غير مدركين لخطورة ذلك علي أمن الفيللا ، لكنهم يعتمدون علي وجود حارس يقيم هو وابنه في حجرة كائنة علي الباب الخارجي للحديقة المؤدية للمدخل .. ويعرف جابر أن الاب يصطحب الأم للخروج كل يوم خميس من أيام الأسبوع ، ربما لتناول الطعام في مطعم أو لزيارة الأقارب ، يخرجون في الساعة السابعة عصرا ويعودون حوالي العاشرة مساءاً ،لا يخلفون يوماً ولا يتجاوزون ميعاداً .. كانوا في العادة يتركون إبنته للمذاكرة ، بهذه المعلومات إكتملت الخطة في ذهن جابر، فليس أمامه فرصة للقاء فتاته وبثها إعجابه وهيامه ، إلا بالتسلل إلي الفيلا ليلا يوم الخميس ما بين السابعة مساءاً والتاسعة مساءاً، سيستخدم سلم نقال تابع للعمارة التي يسكن فيها ويثبته علي سور الفيلا، وعندما يصل لأعلي السور سيستعمل حبل غليظ يحضره معه للنزول للحديقة، ثم يتوجه لباب مبني الفيلا ويأخذ مفتاحها الموجود أسفل دواسة القدم ، وبذلك يكون الطريق مفتوحاً أمامه للتوجه لغرفة فتاته، لن يحاول الضغط عليها أو اذيتها ، أو الاعتداء عليها فهو يعلم الآثار السيئة والصدمة في نفس ضحايا الاغتصاب خاصة للقاصرات ، ولكنه سيعترف لها بحبه واستعداده لزوآجها .. سارت الخطة بدون عقبات ووصل لغرفة فتاته التي كانت نائمة فحاول ايقاظها وربت علي كتفها فاستيقظت الفتاه لتفاجأ به فيستبد بها الذعر وتصرخ فيه وتضغط علي زر الطوارئ المثبت بجانب الفراش فتنطلق صافرات الإنذار تعوي وتحذر ساكني الفيلا من وجود شخص غريب يقتحم المكان .. أصاب الذعر جابر أيضاً فخرج هاربا من الغرفة ..سمع البواب وابنه صافرات الإنذار فاسرعا الي مبني الفيلا وصعدا الي الدور الثاني حيث توجد غرفة نوم ابنة صاحب الفيلا واخذا يفتشان المكان ، أسرع جابر بالإختفاء في غرفة نوم صاحب الفيلا ، وتكور في قاع دولاب الملابس ، ثم تبادر الي ذهنه عن ماذا سيحدث له عندما لا يستطيع الهرب ويقبض عليه ، سيتم اتهامه باقتحام مكان مسكون ليلا وذلك بغرض السرقة وهذا أخف كثيراً من إتهامه بالإقتحام ليلا بغرض الإغتصاب ، فأسرع بالبحث في غرفة نوم صاحب الفيلا وزوجته عن صندوق مجوهرات الزوجة ووضع في جيبه بعض المجوهرات الثمينة، لإثبات نية السرقة ، إستمر البحث عنه إلي أن تم القبض عليه بواسطة البواب وابنه متلبساً بالسرقة ، وتم إبلاغ الشرطة وحكم عليه بالسجن المشدد .. افاق جابر من سرحانه إنتهت الفسحة في فناء السجن ، ولم تنتهي بعد مدة العقوبة …